عربي دولي

ترامب يعزّز سياسته الأفريقية: خرقٌ أميركي في الكونغو

ترامب يعزّز سياسته الأفريقية: خرقٌ أميركي في الكونغو

محمد عبد الكريم أحمد

بعد أنباء متكرّرة، منذ مطلع العام الجاري، عن مساعي حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لإقناع واشنطن بالتدخّل – سياسيّاً – في الأزمة التي تضرب شرق البلاد منذ سنوات، دخلت إدارة دونالد ترامب بقوّة على خطّ الأزمة، باستضافتها، في الـ25 من نيسان الماضي، اجتماعات مهمّة بين حكومتَي كينشاسا وكيجالي، تقرَّر خلالها التوصّل إلى اتفاق سلام مبدئي بين الجانبين، بحلول الثاني من أيار (غداً).

ويبدو أن التدخُّل الأميركي أَنجز مهمّة ظلّت عالقة في أروقة المنظمات الإقليمية الفرعية في أفريقيا، كما في الوساطات الدولية غير المكتملة، وأحدثها تلك التي قامت بها قطر في النصف الأول من الشهر الجاري. ويؤكّد ما تقدَّم، نجاح إدارة ترامب في الضغط على الدول الأفريقية، ترغيباً وترهيباً، من أجل التزامها أجندة الولايات المتحدة، وإتاحة مواردها أمام النهب الأميركي، أو ما أَطلق عليه مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، «الفرصة الهائلة للشركات الغربية والأميركية».

إعلان مبادئ واشنطن: نحو تسوية الأزمة في شرق الكونغو؟

وقّع الوفدان الممثِّلان لحكومتَي كينشاسا وكيجالي، في اجتماعات واشنطن، «اتفاق مبادئ» صدر عن مكتب الشؤون الأفريقية في الإدارة، وشمل ستة بنود رئيسية، يمكن أن تمثّل في مجملها خريطة طريق للمحادثات التي يرتقب انطلاقها، الجمعة. وغطّت البنود مسائل السيادة وسلامة الأراضي والحوكمة، والنأي عن التدخّل في الشؤون الداخلية لكلّ من البلدَين، كما أقرّ الجانبان بالمخاوف الأمنية المشروعة في إقليم حدودهما المشتركة، وأهمية السلم والأمن والاستقرار في رفع مستوى العلاقات التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي الشامل بينهما، وإطار التكامل الاقتصادي الإقليمي والبناء على الجهود القائمة في هذا المسار.

وتوقّعا أن يرافق ذلك إطلاق استثمارات ضخمة، بما في ذلك تلك التي تيسّرها الحكومة والقطاع الخاص الأميركيان «بهدف تحويل الاقتصاد الإقليمي إلى خدمة مصالح جميع الدول المشاركة»؛ وأيضاً عودة المشرّدين واللاجئين، ودعم كينشاسا وكيجالي لعمل بعثة الأمم المتحدة في شرق الكونغو وتعزيز قدرتها على حماية المدنيين؛ وختاماً، إفساح المجال أمام التوصّل إلى سلام بين البلدَين الأفريقيَّيْن على نحو يتّسق مع عمليتَي نيروبي ولواندا، اللتين تمّ دمجهما تحت إطار «جماعة شرق أفريقيا» و«الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي» و«الاتحاد الأفريقي»، أخذاً في الاعتبار «محادثات الدوحة الجارية بالتعاون والتشاور مع الحكومة الأميركية، والتزام أطراف المحادثات بالتنسيق عبر القنوات القائمة لوضع مسوّدة اتفاق سلام مبدئية»، على أن يقوم المشاركون بالتوقيع عليها، يوم غد الجمعة، بحسب بيان المكتب الأميركي.

يعني حسم واشنطن لملفّ أزمة الكونغو، أنه ستكون لها اليد الطولى في مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي

وعلى رغم حرص الإعلان على وضع الجهود الأميركية في إطار استكمال الجهود الأفريقية والقطرية، فإنه أمّن توافقات من شأنها أن توفّر، في حال احترامها من قِبَل كينشاسا وكيجالي، اختراقاً حقيقيّاً في الأزمة، التي قتلت وشرّدت مئات الآلاف من مواطني الكونغو، وجهود تسويتها. ولم يكن مستغرباً ربط إعلان مسار التسوية، بدخول الاستثمارات الأميركية (الحكومية وتلك التي يقدّمها القطاع الخاص) في شرق الكونغو ومناطق جواره في رواندا وغيرها، وذلك في إطار جهد أميركي متسارع لضمان الاستئثار «المؤسساتي» بثروات دول القارة ومقدّراتها، نظيرَ توفير «السلام الأميركي» راهناً ومستقبلاً.

تفاؤل مشروط

تلت اجتماعات واشنطن، نبرة متفائلة عبّر عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي توقّع «أنباء عظيمة» من شرق الكونغو قبل الجمعة. وعزّز التفاؤل المتقدّم، عدم صدور تصريحات متضاربة من كيجالي وكينشاسا بخصوص إعلان واشنطن أو تفسيره. من جهتهم، رجّح مقرّبون من العملية احتمال أن تتمكّن واشنطن من إنهاء الأزمة في إقليم البحيرات الكبرى، بعد نحو ثلاثة عقود من الاضطرابات المتقطّعة في هذا الإقليم. وقد سبق توقيع إعلان المبادئ، توصّل كينشاسا مع حركة «23 مارس» (المعارضة المسلحة الرئيسية للأولى)، في الـ23 من نيسان، على وقف لإطلاق النار، بعد أربعة أشهر من تصاعد العنف إلى مستويات غير مسبوقة، ووسط مخاوف من تقدُّم هذه القوات نحو العاصمة، بفعل الدعم الرواندي الكبير.

وفيما يترقّب العالم الساعات المقبلة لمعرفة مدى جدّية محادثات السلام، والتزام طرفيها بإعلان واشنطن، فإن كينشاسا تترقّب على وجه الخصوص التزام كيجالي بالخطوط العامة للإعلان، بحسب ما أعلنت وزيرة الخارجية، تيريسي كايكوامبا، معتبرةً أنه «من الضروري النظر في التزام كيجالي بالانسحاب من الأراضي الكونغولية، كضرورة لنجاح محادثات 2 مايو، وتطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي في هذا الخصوص (شباط الفائت)».

ويضاف إلى دوافع التفاؤل، بغضّ النظر عن حسابات واشنطن وقدرتها على فرض تسوية حاسمة على أطراف الصراع، رغبة دونالد ترامب في إنجاز أول صفقة سلام كبرى في فترة إدارته الثانية، على اعتبار أنها ستعزّز مجمل سياساته الأفريقية. ويعني حسم واشنطن لملفّ أزمة الكونغو، أنه ستكون لها اليد الطولى في مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، وما يعنيه ذلك من تهميش أدوار دول من مثل جنوب أفريقيا، أيضاً استعادة هيمنتها التاريخية، غير منقوصة ربّما، في واحدة من أهمّ مناطق نفوذها في أفريقيا.

ومع ذلك، شهدت الساعات الأخيرة، قبيل الاجتماع المرتقب غداً، تطوّرات لافتة، إذ أعلن زعيم تحالف المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كورنيل نانجا، في حوار مع صحيفة «تلغراف» البريطانية (29 أبريل)، رفضه التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، واضعاً شرطاً أساسيّاً لتحقيق السلام، هو رحيل الرئيس فليكس تشيسيكيدي عن الحكم في بلاده. وفي لغة مفرطة في الرمزية، وصف نانجا، الرئيس الكونغولي بأنه «مثل النبي يونس الذي كان سبب العاصفة، ولم تهدأ إلّا بإلقائه في الماء… إن تشيسيكيدي هو يونس جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسيتحقّق وقف إطلاق النار ويحلّ السلام بمجرّد التخلّص منه».

لكن نظرة مدقّقة تكشف أن موقف نانجا استباقي بحت، وربّما يكون مدفوعاً بتوجيهات رواندية، مع ملاحظة صمت كيجالي هذه المرة، وعدم جنوحها إلى الردود المراوغة، كما هي الحال في جميع محاولات الوساطة السابقة، فضلاً عن أن واشنطن لا تمانع من جهتها بذل أقصى ضغوط ممكنة على تشيسيكيدي؛ إذ ستمثّل في حد ذاتها قيمة مضافة لتعظيم استفادتها من الوضع الراهن وتحصيل تنازلات كبرى منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب