تحقيقات وتقارير

تحذيرات من “ورطة فيتنام” إسرائيلية.. نتنياهو يجرّ تل أبيب لحرب استنزاف دون هدف

تحذيرات من “ورطة فيتنام” إسرائيلية.. نتنياهو يجرّ تل أبيب لحرب استنزاف دون هدف

الناصره /وديع عواودة

الناصرة-  يتهم مراقبون إسرائيليون حكومة الاحتلال بمواصلة حرب سياسية على غزة، محذّرين من التورط في حرب استنزاف مكلفة وخطيرة.

ويقول القائد الأسبق لغرفة العمليات في الجيش، الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، إن حرب الجبهات السبع تفكّكت وتمت خصخصتها: الأمريكيون أخذوا إيران والحوثيين والمفاوضات مع السعودية، وتركيا أخذت سوريا، وتُرك لإسرائيل جبل العرب وخط “بارليف” الجديد، غير الضروري، الذي يتشكّل من سلسلة من المواقع المتقدمة. وفي لبنان، إسرائيل مقيدة وتحت رقابة أمريكية.

ويضيف زيف، في مقال مطوّل نشره موقع القناة 12 العبرية: “هذا في الوقت الذي تحتفظ إسرائيل لنفسها بحرب في ساحتها الخلفية في غزة، هذه الحرب التي كان يمكن أن تعيد المخطوفين وتنتهي منذ وقت طويل”.

خلال حرب فيتنام، كان الأمريكيون مقتنعين بأنهم متفوقون عسكرياً… وفي النهاية، خرجت واشنطن تجرّ أذيال الخيبة بعد 18 عاماً من النزيف والإذلال

للتحذير من المخاطر الكامنة في غزة، يستذكر زيف ما حصل للولايات المتحدة في فيتنام: “خلال حرب فيتنام، كان الأمريكيون مقتنعين بأنهم متفوقون عسكرياً. وهكذا سارت الإمبراطورية، خطوة خطوة، من “الانتصار على بُعد خطوة”، إلى الوحل العميق الذي غرقت فيه. وفي النهاية، خرجت منه تجرّ أذيال الخيبة، بعد 18 عاماً من النزيف والإذلال”.

حالة إنكار عميقة

طبقاً للجنرال الإسرائيلي زيف، تتكرّر قصة “عمى السلطة” نفسها عشرات المرات في التاريخ، ولم تغب عن إسرائيل: تورّطنا في لبنان 18 عاماً، وعلقنا في غزة 40 عاماً، حتى “خطة الانفصال”، ولم ينتصر الأمن في الضفة الغربية على “الإرهاب” منذ 58 عاماً. يتغلب التنافر داخل الحكومة، التي تعمل بشكل غير عقلاني، على الفجوة بين نشوة القوة وما يمكن تحقيقه فعلاً، الأمر الذي يعزّز مركّب الإحباط. كذلك، ازداد الانفصال عن الواقع إلى درجة بات يتحول فيها من فجوة إلى تصدّع.

ويمضي زيف في المقارنات ومحاولة التعلّم من تجارب عالمية: “رغم اختلاف وضعنا، فإننا أيضاً في حالة إنكار شبيهة وعميقة. والمرعب أن هذا يحدث هذه المرة بعيون مفتوحة. إن خلاصة حالة الإنكار هذه هي أننا نعيش وهماً، مفاده بأن استمرار الحرب سيقود إلى انتصار مطلق على “حماس”، هذه الحرب انتهت منذ زمن بإخضاع الحركة كتنظيم فعّال. الآن، تتكون الحركة من مجموعة متطرفة من “الإرهابيين”، هدفهم الاختباء والنجاة وإلحاق الضرر بين الحين والآخر. لا توجد أيّ عملية إضافية كثيفة تقوم بها ألوية، أو كتائب، يمكن أن تساعد على الحسم. ربما تكون العمليات الدقيقة التي تستمر أعواماً طويلة فعّالة إلى حدّ ما. وفي الوقت نفسه، لا توجد حكومة في إسرائيل قادرة على اتخاذ القرار السياسي المطلوب”.

توجهات غيبية

ويقول إن وجود سموتريتش وزيراً في حرب إسرائيل، رغم أنه لا يملك أيّ فكرة، ولا يفهم حدود القوة، يمتزج بالإيمان المسياني– الغيبي والسياسي، ويُضعف نتنياهو مرتين؛ يبدو ضعيفاً، ويخسر مزيداً من المقاعد. يُدرك سموتريتش ضعف نتنياهو، ويستغله بشكل ممتاز، وبسهولة كبيرة. إنه يدفع بنتنياهو إلى حرب يريدها هو أيضاً، رغم أنها تقوّي منافسيه الداخليين الذين لن يتركوه، حتى لو ذهب في مسار اتفاق سياسي، أو تبادل رهائن، لأنه ليس لديهم أيّ بديل”.

وعن الموجود والمفقود، يقول زيف أيضاً إن نتنياهو، الذي كان يمكنه استغلال إنجازات الحرب لتحقيق إنجازات دبلوماسية إقليمية مهمة، غارقٌ فقط في حساباته السياسية الخاصة، الصغيرة والقاسية بشكل مرعب. إنه يمضي في “حرب مضمونة” بالنسبة إليه. إنه يواجه عدواً لا يقاتل، لكنه يترك له ذريعة المخطوفين كسبب يسمح له بالاستمرار في الحرب”.

كذلك، يقول إن حرب “النصر على بُعد خطوة” هذه، هي الأطول في تاريخنا ضد العدو الأضعف أمامنا. ويضيف: “إنه يذهب بكل قوته في اتجاهين.. ترك الجمهور مقيداً بحرب كاذبة، وجهود موازية من أجل الإبقاء على الانقسام الذي يسمح له بالبقاء رئيساً للحكومة من أجل قاعدته الجماهيرية فقط. وإذا أُجبر على المضي نحو الإجماع القومي، فإنه سيخسر كلّ القضايا المركزية، مثل إعادة المخطوفين، وقانون التجنيد للجميع، ولجنة تحقيق رسمية مستقلة. بهذه الطريقة، يستطيع التلاعب بالجميع وكسب مزيد من الوقت”.

 “حماس” لا تخرج إلى القتال، إذاً، ضد من تُخاض الحرب؟

وحسب زيف، المتميز بانتقاداته الحادة والمباشرة للحكومة، فقد وصلت الحرب الأطول في تاريخ الاحتلال إلى حدود العبث: لم تكشف “كارثة 7 أكتوبر” عن “حماس” قوية وعملاقة. من المحبط القول إن أصحاب النظرية التي رأت أن “حماس” قوة ضعيفة كانوا على حق. لكننا أخطأنا عندما اعتقدنا أنها لن تتجرأ على العمل. حدث “7 أكتوبر” بسبب الفشل والاستهتار المطلق من طرف قواتنا الذين قدموا بلدات الغلاف ضحية “للمخربين” على طبق من ذهب. ولم يكونوا سوى أعداء أتوا في مركبات رباعية الدفع، وعربات تجرّها الحمير، ويحملون الفؤوس. صحيح أن هذا العدو استطاع ارتكاب “جرائم” مجنونة، لكن ما سمح له بالقيام بذلك هو إخفاقنا. نحن الذين أخفقنا عندما تركنا الأبواب مفتوحة على مصراعيها، وبعد الاختراق، كان ردّنا فشلاً مطلقاً”.

ويرى زيف أن هذا العدو فعل بإسرائيل ما يريد خلال سبع ساعات، لكنه لم يتحول إلى عدو عملاق يبرّر حجم هذه الحرب المستمرة، والتي كان يجب أن تنتهي- لأن الميدان فيها مركّب- بعد بضعة أشهر في أبعد تقدير. وطبعاً، لم يكن يجب أن تستمر سنوات.

طمع نتنياهو

ويعتبر زيف أن خطوة العودة إلى الحرب الآن، في الوقت الذي لا تزال “حماس” لا تقاتل، هي بمثابة حرب سخيفة، غير ضرورية، وغير مبرّرة. ويقول إنها حرب نتنياهو الثانية، بعد أن احتللنا القطاع سابقاً مرة واحدة، وفكّكنا الأطر العسكرية التي كانت لديهم، وفككنا ثلاثة أرباع غزة، وقتلنا 20 ألفاً من “المخربين”.

ويمضي في تبرير دعوته لوقف الحرب: “نحن نذهب مرة أُخرى إلى حرب من دون هدف، وهدفها الوحيد هو أن يستطيع نتنياهو الإعلان أننا انتصرنا في نقطة معينة، لأن هذا سيكون لمصلحته السياسية حين يقرر، وستكون حرباً غير مبرّرة، ومن دون إجماع”.

زيف: خلاصة حالة الإنكار هذه هي أننا نعيش وهماً، مفاده بأن استمرار الحرب سيقود إلى انتصار مطلق على “حماس”

زيارة ترامب

حالياً، يحاول نتنياهو بناء صورة للحرب على أنها “حرب استقلال”، وهو ما سيخدمه في الانتخابات المقبلة، هذا في الوقت الذي يقلّل من أهمية موضوع المخطوفين، وهو الأمر الوحيد الذي يلقى إجماعاً. مؤكداً أن هذه الخطوة محزنة وتقوّي “حماس” جداً، بعد أن كانت مسحوقة، وتسمح للحركة بأن تبني لذاتها صورة البطل الإقليمي الذي لم تنجح إسرائيل في هزيمته وقتاً طويلاً.

ويوجّه زيف انتقادات لقائد الجيش أيضاً: “من أجل هذه الخطوة، يجنّد نتنياهو إيال زمير، الذي أقنع نفسه بأنه سيحقق نتائج أفضل ممن سبقوه، بدلاً من أن ينشغل بإعادة ترميم الجيش المستنزف الذي يعاني مشاكل كبيرة، بعد الحرب الطويلة. إنه يجرّ وراءه دولة كاملة إلى التورط في حرب من دون هدف، ومن دون تعريف، ومن دون أيّ موعد نهاية. هذه الحرب ستستنزف الإنجازات الموجودة، ولن تقود إلى أيّ انتصار. يجب أن نأمل بأن يفهم زامير أنه ملتزم إعادة المخطوفين، أولاً وآخراً”.

ويخلص زيف للقول إن زيارة ترامب للسعودية يمكن أن تقود إلى نوع من أنواع التغيير، في الأساس بسبب طلبها وقف الحرب في غزة.

ويضيف: “في هذه الحالة، ستتغير خطط نتنياهو كلها، ولن يتجرأ على تحدّي ترامب، وسيكون عليه أن يذهب بعكس إرادته إلى خطوة إنهاء الحرب. الأمر السخيف هو أن ما سيكون على الطاولة، حينها، خطة “حماس” المهزومة، وليس خطة من أضاع إنجازات النصر التي تم دفع ثمنها من الدماء”.

تحذيرات من التبعات

ويتفق مع زيف عددٌ من المراقبين في إسرائيل، أبرزهم اليوم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يرى أن الخطة لتوسيع الاحتلال ستقود إلى كارثة إضافية داخل القطاع: مقتل المحتجزين، وفشل محتمل جداً، وتورّط طويل الأمد، وحرب مكلفة من ناحية قتل جنود ومخطوفين وفلسطينيين مدنيين كثر، دون حسم “حماس”.

ويتّهم هارئيل نتنياهو بمواصلة الجريان مع اليمين المتطرف، لكن قيادة هيئة الأركان يرجون تدخلاً من ترامب، فيما تتهم عائلاتُ المحتجزين الحكومة بأنها اختارت الجغرافيا والانتقام على حساب أقربائهم

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب