تحقيقات وتقارير

قراءات في التطنيش الترامبي لنتنياهو: إسرائيل ليست «المكان السعيد»

قراءات في التطنيش الترامبي لنتنياهو: إسرائيل ليست «المكان السعيد»

ريم هاني

ريم هاني

قرّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مرة جديدة، كسر التقليد الطويل الأمد الذي اتّبعه الرؤساء الأميركيون طوال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، والذي كان يقضي بأن تكون الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الجديد إلى «أقرب جيران» الولايات المتّحدة، وتحديداً المكسيك وكندا. وعلى الرغم من أنّ التقليد المشار إليه شهد استثناءين اثنين، وهما الزيارة التي أجراها الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، إلى المملكة المتحدة، وتلك التي قام بها الرئيس السابع والثلاثون، ريتشارد نيكسون، إلى بلجيكا، فإنّ كلا البلدين يُصنّفان على أنّهما من بين حلفاء واشنطن التقليديين.

على أنّ التوترات التي خلقها الرئيس الأميركي مع أقرب حلفائه، من مثل كندا التي تعهّد، في غير محطة، بجعلها الولاية الـ51 في بلاده، وغيرها من دول أميركا الشمالية التي شكّلت هدفاً لحرب ترامب التجارية غير المسبوقة، جعلت العديد من المراقبين يجادلون بأنّ السعودية، وعلى الرغم من الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط، واستمرار حرب الإبادة على الفلسطينيين، إلا أنّها تقدّم منصة «فخمة وخالية من الاحتكاك السياسي الذي قد يخيّم على الزيارات إلى أوتاوا أو مكسيكو سيتي أو لندن».

وعلى ما يبدو، لم تمرّ «الإهانة» التي تعرّضت لها كندا والمكسيك مرور الكرام؛ إذ نقلت شبكة «أن بي سي» عن أرتورو ساروخان، السفير المكسيكي السابق لدى الولايات المتحدة، قوله إنّ قرار ترامب «يشير إلى حقيقة مفادها أنه لا يؤمن بأهمية العلاقات مع أميركا الشمالية»، منوّهاً إلى دور البلدين «في معالجة المنافسة الاقتصادية مع الصين»، ومؤكداً أنّه لا يمكن محو كندا والمكسيك من الحدود الشمالية أو الجنوبية للولايات المتحدة «بكبسة زر».

وحول جولة ترامب الشرق الأوسطية، يرد في تقرير نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنّه سيكون هناك، على الأرجح، الكثير من القضايا التي سيتم الحديث عنها، في وقت تدعم فيه دول الخليج بحذر المحادثات النووية التي تجريها الإدارة مع إيران. كما قد يتطرّق المسؤولون الخليجيون إلى «سبل منع عودة وكلاء إيران في المنطقة، فيما سيكون لبنان على رأس تلك القائمة، على أن تتبعه فوراً مسألة تشجيع الاستقرار في سوريا»، جنباً إلى جنب آلية إنهاء الحرب في غزة و«إبعاد (حماس) عن السلطة».

وينقل التقرير عن جون ألترمان، نائب الرئيس الأول للمركز، قوله إنّ شركاء واشنطن أبلغوه بأنهم يسمعون تصريحات أميركية حول كل تلك القضايا، إلا أنها لا تُترجم إلى أي سياسات ملموسة، ولا سيما أنّ الإدارة لا تتحدث بصوت واحد، وتبقى تصرفاتها «غير منسّقة». ويردف ألترمان أنّه في حين قد يعطي تصريح ترامب، أخيراً، حول أنّ الولايات المتحدة لم تقرر بعد في شأن استمرار قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، مفاوضيه مرونة أكبر، إلا أنّه يثير أيضاً تساؤلات حول ما إذا كانت الإدارة قادرة على تقييم المقترحات المختلفة التي يقدّمها فريق التفاوض الإيراني، والذي يتمتع بعقود من الخبرة.

على أنّ المحادثات المتوقّع إجراؤها قد تتطرق إلى كل تلك الملفات «بشكل خفيف»، فيما يبقى الهدف الرئيسي من الزيارة هو منح ترامب بعض «الانتصارات»، من خلال الإعلان عن صفقات تجارية واستثمارية من شأنها تلميع صورة الرئيس كمفاوض، وكشف «مبالغ كبيرة» إلى العلن. وطبقاً للمصدر نفسه، لا يمكن الهروب من فكرة أن ترامب سيذهب إلى الخليج، لأن ذاك هو «مكانه السعيد»، حيث سيكون مضيفوه «كرماء ومضيافين، وحريصين على عقد الصفقات»، كما أنّهم «سيتملّقونه بدلاً من انتقاده».

الهدف الرئيسي من الزيارة هو تلميع صورة ترامب كمفاوض، وكشف «مبالغ كبيرة» إلى العلن

وفي حديث منفصل، ينقل المركز عن غريسيلين باسكاران، مديرة برنامج «أمن المعادن الحيوية» التابع للمركز، قولها إنّ «التعدين والطاقة هما على رأس أولويات زيارة ترامب المقبلة»، ما يعكس استراتيجية السعودية الهادفة إلى أن تصبح قوة عالمية في المعادن الاستراتيجية والحيوية، ولا سيما أنّ ميزانية استكشاف تلك الموارد ارتفعت بنسبة تفوق الـ300% على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وتحديداً في ما يتعلق بالذهب والنحاس والمعادن النادرة.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، تظل معالجة المعادن «نقطة التضييق» الأكثر أهمية، نظراً إلى أنّ الصين تسيطر على ما بين 60 و90% من تلك العمليات، ما يعني أنّ الشراكة الأعمق بين الولايات المتحدة والسعودية تمثّل فرصة استراتيجية لتقليل الاعتماد على الصين، وتعزيز «أمن سلاسل التوريد على المدى الطويل». وحتى قبل صعوده إلى الطائرة، انتزع ترامب، طبقاً لمراقين، «فوزاً مهماً» من الرياض، على خلفية زيادة الأخيرة لإمداداتها من النفط الخام، ما ساهم في انخفاض حادّ في أسعار النفط. ويمثّل ذلك استراتيجية «سهلة» لاسترضاء ترامب وإخراجه من مأزقه، وبالتالي، تمهيد الطريق أمام جملة من الصفقات الأخرى.

وفي ما يتعلق بموقف إسرائيل من التطورات الراهنة، يجادل البعض بأنّ صناع السياسة في تل أبيب يحاولون معرفة أين يقف الأميركيون حالياً، في وقت يبدو فيه من غير المؤكد ما إذا كانت أي ضربة إسرائيلية على طهران ستنجح بالفعل في إبطاء البرنامج النووي الإيراني، هذا إن لم تؤدّ إلى تسريعه. وعليه، تجد إسرائيل، على الأغلب، صعوبة في فهم «الحدود والخطوط الحمر للإدارة التي تتمسك بالتزاماتها الأمنية في الشرق الأوسط، وتعارض خوض حرب مفتوحة في المنطقة»، ولا سيما أنّ هدف تل أبيب تمثّل، لفترة طويلة، ببحث كيفية جعل واشنطن تلتزم «بإنهاء أي مهمة قد يبدأها الإسرائيليون».

ووسط الحديث المتزايد عن تردّد ترامب في زيارة إسرائيل، يرى البعض أنّ الرسائل التي يحاول الرئيس الأميركي إرسالها إلى بنيامين نتنياهو، «في مكانها». ومن بين هؤلاء، المحلل والكاتب توماس فريدمان، الذي يلفت في مقال رأي نشرته «نيويورك تايمز» إلى أنّه على الرغم من أنّه لا يتفق مع الكثير من المبادرات التي قام بها ترامب منذ توليه منصبه، إلا أنّ الشرق الأوسط يشكل «استثناءً». ويردف فريدمان أنّ سفر ترامب إلى المنطقة لمقابلة زعماء السعودية والإمارات وقطر، واستثناء إسرائيل من جولته، يشير إلى أن الرئيس الأميركي بدأ يفهم حقيقة حيوية، مفادها أن «هذه الحكومة الإسرائيلية تتصرف بطرق تهدد المصالح الأميركية المتشددة في المنطقة، وأنّ نتنياهو ليس صديقنا».

وبعدما كان نتنياهو يظنّ أنّه قادر على جعل الرئيس الأميركي «أحمق تابعاً له»، إلا أنّ الرسالة التي أوصلها الأخير إليه، من خلال مفاوضاته المستقلة مع «حماس» وإيران و«أنصار الله»، ومفادها أن إسرائيل غير قادرة على تحويله إلى «كبش فداء»، كانت مثيرة للإعجاب، وجعلت رئيس وزراء الكيان «في حالة ذعر».

ويؤكد صاحب الرأي المتقدّم أنّ حكومة نتنياهو هذه، ومن خلال سعيها لتحقيق أجندتها المتطرفة، «تقوّض مصالحنا»، فيما يبقى من المهم الدفاع عن «البنية الأمنية الأميركية التي بناها أسلافنا في المنطقة»، مشيراً إلى أنّه تم إنشاء هيكل التحالف الأميركي – العربي – الإسرائيلي الحالي من قبل ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر عام 1973، لطرد روسيا وجعل أميركا القوة العالمية المهيمنة في المنطقة، الأمر الذي خدم مصالحنا الجيوسياسية والاقتصادية مذّاك، مضيفاً أنّ «هذا الهيكل برمّته يعتمد إلى حد كبير على التزام الولايات المتحدة وإسرائيل بحل الدولتين». إلا أن حكومة نتنياهو جعلت ضمّ الضفة الغربية إحدى أولوياتها، منذ وصلت إلى السلطة في أواخر عام 2022، أي قبل وقت طويل من عملية السابع من أكتوبر، بحسب المصدر نفسه.

ونتيجة لذلك، ربما يجد الأميركيون والسعوديون مصلحة في التخلي عن إدماج إسرائيل في أي صفقات قادمة محتملة. وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة «رويترز» للأنباء، الخميس، مثلاً، أن «الولايات المتحدة لم تعد تطالب السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل كشرط لإحراز تقدّم في محادثات التعاون النووي المدني»، فيما قد تزداد الأوضاع سوءاً مع استعداد نتنياهو لإعادة غزو قطاع غزة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب