«العمال» يستعدّ لإجراءات تاريخية: بداية حلّ «المسألة الكردية»؟

«العمال» يستعدّ لإجراءات تاريخية: بداية حلّ «المسألة الكردية»؟
أعلن «حزب العمال الكردستاني»، بشكل مفاجئ الجمعة، أنّه اتّخذ «خطوات تاريخية تنسجم مع النداء الذي أطلقه زعيمه عبدالله أوجالان، في الـ27 من شباط الماضي»، وذلك خلال مؤتمر عقده الحزب بين الخامس والسابع من أيار الجاري. وإذ لم يتم الإعلان بعد عن طبيعة القرارات المشار إليها، إلا أنّه من المتوقّع أن يصدر، خلال الساعات المقبلة، بيان مفصّل حولها.
وطبقاً لتقديرات وسائل الإعلام التركية والكردية، فقد تتضمن الإجراءات المنتظرة حلّ «حزب العمال» وتسليمه سلاحه، جنباً إلى جنب تحديد الخطوات المطلوبة من جانب السلطات، وهو ما دفع، على الأرجح، بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى التأكيد أنّ «قرارات مجيدة» ستظهر «خلال ساعات».
وفي حال صدقت التوقعات، تكون أنقرة قد انطلقت نحو طيّ الصفحة السياسية لـ«حزب العمال» الذي تأسّس عام 1978، وتلك العنفية التي بدأت في عام 1984، عقب انطلاق العمل المسلح بهدف إقامة «دولة كردية مستقلة» في جنوب شرق تركيا. كما ستكون الجهود الكبيرة التي بذلها كل من أوجالان، وزعيم الحركة القومية، الأكثر تشدداً وعداءً للأكراد، دولت باهتشلي، الذي دعا، في 22 تشرين الأول الماضي، أوجالان إلى البرلمان ليعلن «حل الحزب وترك السلاح والإرهاب»، قد بدأت تؤتي ثمارها.
وحتى اللحظة، لم يتمّ تحديد المكان الذي عُقد فيه مؤتمر الحزب الثاني عشر، والذي سيكون على الأرجح الأخير، وسط توقعات بأنّه انعقد في مناطق سيطرة «الكردستاني» في شمال العراق، وتحديداً في جبال قنديل. وعلى ما يبدو، تمّ التواصل بين المجتمعين وأوجالان في معتقله، عبر الهاتف أو وسيلة أخرى، على الرغم من أنّ الحزب كان قد أكّد، في وقت سابق، أنّه لن يعقد المؤتمر من دون حضور أوجالان شخصياً. وفي هذا السياق، تلفت لبيرفان بولدان، القيادية في «حزب المساواة والديمقراطية للشعوب» الكردي، والذي أدّى دور الوسيط بين أوجالان والدولة التركية، إلى أنّه في حال سارت الأمور من دون عقبات، فإن عملية الانتهاء من تسليم السلاح والتوصل إلى اتفاق مع الدولة ستحصل «قبل نهاية حزيران المقبل».
وعقب انتهاء المرحلة «الأصعب»، والمتمثلة بحل الحزب رسمياً، ستكون هناك الكثير من الأسئلة «التفصيلية» التي تجب الإجابة عنها، ومن ضمنها ما إذا كان سيصدر عفو عام عن كل مقاتلي «الكردستاني»، بمن فيهم قادة الحزب، ومدى قدرة هؤلاء على ممارسة دور سياسي في الداخل التركي، أو ما إذا كان سيتم، في المقابل، العمل على عدم نفيهم إلى بلد ثالث. وفي حال تحقّق السيناريو الأخير، يبرز سؤال «الوجهة» التي سيذهبون إليها (أوروبا أو الشرق الأوسط).
ومن جملة الأمور الأخرى التي ينبغي حسمها، المنطقة التي سيتم فيها جمع السلاح وتسليمه للجيش التركي، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأخيرة إلى أنقرة تهدف إلى بحث تلك الإشكاليات. أمّا النقطة الأهم حالياً، فتتمحور حول «المقابل» الذي سيحصل عليه الأكراد من أنقرة مقابل «خطوتهم الضخمة والتاريخية».
تتجه الحركة الكردية في تركيا الى «التفرغ» للعمل السياسي بالكامل بهدف نيل مطالبها
ويُذكر هنا أنّ الأكراد سعوا، طوال 47 سنة، من خلال السياسة والسلاح، لتحقيق أهداف عدة، على رأسها الاعتراف بالهوية الثقافية للشعب الكردي، وتكريسه بالدستور والقوانين. ويشمل ذلك، الاعتراف باللغة الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية، واستخدامها في التعليم، إلى جانب اللغة التركية، وضمان التعبير عن الهوية الثقافية والفنية للأكراد بحرية تامة. ويُضاف إلى ما تقدّم، منح المناطق الكردية صلاحيات إدارية لا مركزية واسعة، تكون أشبه بحكم ذاتي، وإن لم تطلق عليها تلك التسمية بشكل علني، جنباً إلى جنب إعطاء الأولوية للعناصر المحليين في التعيينات العليا، وتعديل القانون الذي يتيح للدولة إقالة رؤساء البلديات المنتخبين. أمّا المطلب الأساسي للحركة الكردية، فسيتمثل، من دون شك، بإطلاق سراح أوجالان، ولا سيما وسط تسريب أنباء تفيد بأنّ الأخير قد يبقى لفترة إضافية في السجن، مع توفير شروط راحة وحركة له، بسبب «مخاوف أمنية على حياته في حال أُطلق سراحه».
وعلى الجانب التركي، تفيد صحيفة «صباح» بأنّ الإجراءات المتوقّعة من أنقرة هي كالتالي:
1-عودة كل مقاتل ممن لم يشارك في عمليات قتل إلى تركيا، على أن يختار القادة وغيرهم البلد الذي يريدون أن يلجأوا اليه.
2- عدم صدور عفو عام شامل، وإمكانية صدور عفو موسّع بدلاً منه.
3- تعديل الدستور، بدءاً من الأول من تشرين الأول المقبل، ولا سيما المادتين 42 و 66. وفي حين تنص الأولى على وحدانية التعليم باللغة التركية، سيشمل التعديل إمكانية التعلم بـ«اللغة الأم» من دون تحديد اللغة الكردية أو أيّ لغة أخرى.
أما المادة 66، فتنص، حالياً، على أنّ «كل شخص مرتبط برابطة المواطنية بالدولة التركية هو تركي»، فيما من المتوقّع أن تصبح على الشكل التالي: «كل فرد، وبغضّ النظر عن جذره الإثني أو انتمائه الديني، هو مواطن تركي يتمتع بحقوق متساوية». وستطاول هذه المادة الأكراد كما العلويين الذين لا يُعترف بهم كمذهب مستقل.
ونظراً إلى دعم المعارضة لها، فمن المتوقع أن تمر مثل تلك التعديلات في البرلمان التركي، فيما ينذر اتخاذ الحزب القرار بحل نفسه وتسليم السلاح، بأنّ الحركة الكردية في تركيا تتجه الى «التفرغ» للعمل السياسي بالكامل، لنيل مطالبها. ويربط البعض بين التطورات الأخيرة وتلك التي شهدتها سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، ولا سيما في خضمّ دعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتعزيز إردوغان نفوذه على الساحة السورية، ما جعل الأكراد يجدون أنفسهم، على الأرجح، أمام حصار متزايد.
وبمجرد أن تطوى صفحة «حزب العمال الكردستاني»، من المتوقّع أن تدخل تركيا عصراً جديداً من النفوذ الإقليمي المتزايد في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، فيما سيكون الرابح الأكبر هو إردوغان نفسه؛ إذ يبدو أنّ الرئيس التركي كان مستعداً لتقديم تنازلات معينة، مقابل تمرير تعديل دستوري في البرلمان، بدعم حاسم من النواب الأكراد (56 نائباً)، يتيح له الترشح مجدداً للرئاسة عام 2028 للمرة الثالثة. وربما يشمل التعديل أيضاً إلغاء عدد المرات التي يمكن له أن يتولى الرئاسة فيها، ما يترك الباب مفتوحاً أمامه للترشح ما دام حياً، وقادراً على ممارسة مسؤولياته، علماً أنّ المعارضة، وتحديداً «حزب الشعب الجمهوري»، ترفض مثل ذلك الإجراء، وترى فيه ترسيخاً لـ«الاستبداد وحكم الفرد».