إسرائيل تضمّ الضفة على الملأ: دولة المستوطنات هنا

إسرائيل تضمّ الضفة على الملأ: دولة المستوطنات هنا
رام الله | على مرأى العالم، تعمل إسرائيل على ضمّ الضفة الغربية، وتكبّر رويداً رويداً دولة المستوطنات فيها على حساب أرض الفلسطينيين، وذلك بفعل التغذية والتسمين اللذين توفّرهما حكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الأرض، تتسارع عملية الضمّ بشكل مطّرد، وكأنّ الحكومة الفاشية في سباق مع الزمن لإنجاز أقصى ما تستطيع في هذا الملفّ، خصوصاً مع مصادقة «الكابينت»، أخيراً، على استئناف تسجيل ملكية الأراضي في المنطقة «ج»، وهو قرار رأى وزير الأمن، يسرائيل كاتس، أنه «يعيد الاعتبار إلى الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة»، ويُفشل»محاولات السلطة الفلسطينية السيطرة على المنطقة (ج)».
وكانت عملية تسوية الأراضي في الضفة (تثبيت الملكية)، بدأت في عهد الحكم الأردني، ولكنّ الملفّ جُمّد بعد احتلالها عام 1967، فيما حصرت «اتفاقية أوسلو» عمليات التسوية بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، في المنطقتَين «أ» و»ب»، ومنعتها في المنطقة «ج» التي تشكّل نحو 61% من مجمل مساحة الضفة.
وستتولّى وحدة تنسيق أعمال الحكومة في الضفة الغربية، وهي بمثابة حكومة ظلّ إسرائيلية تحكم المنطقة فعليّاً، تنظيم وتسجيل ملكية الأراضي في المنطقة «ج»، بما في ذلك إصدار أذونات البيع، وجباية الرسوم، والإشراف على إجراءات التسجيل. وسيؤدّي القرار إلى نهب أراضي الفلسطينيين الذين يواجهون صعوبة في إثبات ملكيتهم لأراضيهم، كونه يقضي بتسجيل حقوق ملكية على أراض في «الطابو»، وهو إجراء نهائي يصعب استئنافه. وفي إطار هذه الإجراءات، فإن أيّ أرض ليست مسجّلة عليها «حقوق ملكية»، تنتقل إلى سلطات الاحتلال، وهو ما سيعني استيلاءً شاملاً على جميع الأراضي في المناطق «ج».
وفيما وصف كاتس، قرار «الكابينت» في هذا الخصوص، بأنه «ثوري»، قال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إن «تسوية الأراضي تنضمّ إلى إجراءات تسوية الاستيطان الشبابي (أي البؤر الاستيطانية العشوائية) والتخطيط والبناء وتطوير الشوارع والبنية التحتية، والتي نقودها من أجل إحضار مليون مستوطن آخر، وتعزيز الحزام الأمني لدولة إسرائيل والقضاء على خطر الدولة الإرهابية الفلسطينية».
وأشار سموتريتش إلى أن قرار «الكابينت» يعادل عمليّاً مخطّط ضمّ الضفة، إذ قال: «صادقنا على هذا القرار المهمّ في الكابينت في إطار ثورة التطبيع والسيادة الفعلية التي نقودها في يهودا والسامرة. وللمرة الأولى، تتحمّل إسرائيل المسؤولية عن المنطقة في إطار سيادة دائمة، وتبدأ حملة لتسوية الأراضي في يهودا والسامرة، ما سيسمح بتطوير الاستيطان، ويمنع جهود السلطة الفلسطينية للسيطرة على المناطق المفتوحة ويقضي على خطر دولة الإرهاب الفلسطينية».
عُدّ قرار إعادة تسجيل الأراضي باسم «الدولة»، بمثابة ضمّ فعلي للضفة
ويقضي قرار «الكابينت» بعدم منح أيّ صلاحية للسلطة للعمل في هذا الملفّ، إذ يوعز إلى جهاز الأمن الإسرائيلي بمنع دخول موظفين أو مهندسين مسّاحين فلسطينيين إلى المناطق التي تسري تسوية الاحتلال للأراضي فيها، وبمنع تحويل مساعدات اقتصادية من دول أجنبية من أجل تنفيذ إجراءات فلسطينية لتسجيل الأراضي. كذلك، أوعز «الكابينت» إلى رئيس أركان الجيش ورئيسَي «الشاباك» و»الموساد»، بتحويل معلومات إلى وزارة المالية حول استثمارات السلطة من أجل تنفيذ إجراءات تسجيل الأراضي، ومن ضمنها أموال جُمعت كتبرّعات من دول أجنبية، من أجل البحث في سبل خصمها من مستحقّات المقاصّة.
ويُعدّ قرار إعادة تسجيل الأراضي باسم «الدولة»، بمثابة ضمّ فعلي للضفة، من دون الحاجة إلى شرعنة ذلك من «الكنيست»، كونه يُفعّل قانون «أملاك الغائبين»، ما يتيح السيطرة على هذه الأراضي، خصوصاً تلك التي لم تخضع لتسوية سابقاً، علماً أن الاحتلال لا يعترف بأيّ أوراق أو وثائق يقدّمها الفلسطينيون لإثبات ملكية أراضيهم، وهو ما يتيح للإسرائيليين إخلاء الفلسطينيين من أراضيهم.
وفي السياق ذاته، تجري لجنة الخارجية والأمن في «الكنيست» مداولات حول مشروع قانون «إلغاء التمييز في شراء أراضٍ في يهودا والسامرة»، والذي يسمح للمستوطنين بشراء أراض في الضفة، بما في ذلك داخل المدن والبلدات الفلسطينية، وبإقامة مستوطنات من دون إشراف السلطات الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وكان أعضاء «كنيست» من أحزاب الائتلاف، تقدّموا بمجموعة كبيرة من مشاريع القوانين التي تهدف إلى تحويل مخطّط ضمّ الضفة إلى أمر واقع، وسط توقعات بأن يبحث «الكنيست» ربط مستوطنات الضفة بشبكة الغاز الطبيعي الإسرائيلية. كما صادقت «لجنة القانون والدستور»، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون يقضي باستخدام «يهودا والسامرة» كتسمية رسمية للضفة الغربية في كل القوانين الإسرائيلية، بهدف شرعنة الاستيطان، وذلك تمهيداً للتصويت عليه بالقراءة الأولى.
وثمة أيضاً مشروع يقضي بنقل المسؤولية عن الحفريات في المواقع الأثرية والتاريخية في الضفة، من الجيش الإسرائيلي إلى سلطة الآثار الحكومية الإسرائيلية؛ إذ ذكرت صحيفة «هآرتس» أن إسرائيل بدأت بتنفيذ حفريات في الموقع الأثري في بلدة سبسطية الفلسطينية في الضفة.
ويأتي هذا القرار في ظلّ جنون في التوسع الاستيطاني، والذي بات يشمل بناء بنية تحتية كبيرة وضخمة لخدمة المستوطنات من شوارع وشبكات مياه واتصالات وكهرباء وحدائق وخدمات، على غرار المتنزه الوطني في بلدة سبسطية قرب نابلس، أو المنطقة الصناعية في بلدة اللبن قرب رام الله. وبدأت سلطات الاحتلال، الإثنين الماضي، أول تحركاتها لإقامة ما يسمى بـ»متنزه السامرة الوطني» على أراضي بلدة سبسطية، حيث انطلقت الحفريات في الموقع الأثري، بعد قرار الحكومة الإسرائيلية في هذا الشأن، وتخصيصها لذلك موازنة قدرها 32 مليون شيكل.
وقال وزير التراث الإسرائيلي، عمحاي الياهو: «سبسطية هي أحد المواقع التاريخية المهمّة في تراثنا الوطني والتاريخي، وإقامة متنزه السامرة الوطني فيها، خطوة مهمّة للحفاظ على التراث اليهودي وعلى التراث الثقافي لإسرائيل». وكانت حكومة نتنياهو صادقت على استثمار وزارة التراث مبلغ 4 ملايين شيكل لإعادة تأهيل محطة القطار القديمة القريبة من سبسطية كجزء من تشجيع السياحة التراثية في المنطقة.