رحل ترامب… وانتهت السكرة | انهيار مفاوضات الدوحة: إسرائيل تستأنف الإبادة

رحل ترامب… وانتهت السكرة | انهيار مفاوضات الدوحة: إسرائيل تستأنف الإبادة
غادر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المنطقة، وتلاشت مع رحيله كل الآمال التي انعقدت على إمكانية إحداث اختراق في المفاوضات المتعثّرة باستمرار، بشأن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنهاء حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين هناك، منذ أكثر من عام ونصف عام. لا بل بات واضحاً لدى الوسطاء أن إرسال إسرائيل وفدها التفاوضي إلى الدوحة، بالتزامن مع زيارة ترامب، كان إجراء إعلامياً فقط، هدفه في العمق تبرير استئناف الحرب على غزة، وتوسيع العمليات العسكرية وفق خطة «مركبات جدعون»، والتي ترمي إلى تمديد الاحتلال وتهجير الأهالي إلى جنوب القطاع، تمهيداً لإخراج أعداد كبيرة منهم من غزة، في إطار خطة تهجير أميركية – إسرائيلية غير معلَنة.
وعلى الرغم من التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي بشأن «السعي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل غزة»، إلا أنّ أي مساعدات حقيقية لم تدخل القطاع، فيما يشير الواقع على الأرض إلى غياب أي ضغط فعلي أو جدّي تمارسه واشنطن على حكومة الاحتلال، والتي لا يزال رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، يرفض الاستجابة لأي من المطالب الأميركية أو الدولية بشأن إدخال المساعدات أو التقدّم في المسار التفاوضي. وعليه، سرعان ما تلاشى «التفاؤل» الحذر الذي رافق جولة ترامب الخليجية، بعد يوم واحد فقط من تجدّد المحادثات في الدوحة، وذلك في ظل تعثّر إعلان خارطة طريق واضحة للتهدئة، كان مقرّراً الكشف عنها قبل مغادرة ترامب إلى أبو ظبي.
وأبلغت الإدارة الأميركية، الوسطاء المصريين والقطريين، بأنها «غير قادرة على ممارسة مزيد من الضغط على تل أبيب»، بعد رفض الأخيرة الصيغة المعدّلة من مقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، ما أعاد المحادثات إلى نقطة الصفر؛ علماً أن المقترح المذكور كان يتضمّن هدنة مؤقتة لمدة تراوِح بين 40 و60 يوماً، إلى جانب إطلاق سراح عشرة أسرى أحياء فوراً. لكن ويتكوف عاد وأبلغ المفاوضين بفشله في إقناع نتنياهو بالقبول بأطر التفاوض المعدّلة تمهيداً للشروع في محادثات تفضي إلى اتفاق نهائي، مؤكداً أنّ الشروط التي يتمسّك بها نتنياهو «تصعب تلبيتها بهذا الشكل».
تبدو المفاوضات في الدوحة أقرب إلى غطاء لاستئناف الحرب منها إلى طريق للتوصل إلى اتفاق
وفي موازاة ذلك، تشير تقديرات مصرية إلى أنّ واشنطن لم تعد تبدي اهتماماً كبيراً بملف الحرب في غزة كما في السابق، في ظلّ أولويات إقليمية جديدة وتفاهمات تعتبرها الإدارة الأميركية أكثر أهمية. ويعكس تجاهل ترامب إدراج تل أبيب ضمن جدول جولته الإقليمية، هذا التحوّل في ترتيب الأولويات بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي. وعلى الرغم مما تقدّم، يُتوقّع أن تجري نقاشات موسّعة بين مسؤولين إماراتيين ومصريين حول التهدئة ومساراتها، في ظلّ استمرار التنسيق الكبير بين أبو ظبي وتل أبيب، والاهتمام الإماراتي بالانخراط في جهود الوساطة، ولكن ضمن حدود إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية، من دون الذهاب إلى دور سياسي أوسع.
من جهتها، أكّدت قناة «كان» العبرية أنّ الوفد الإسرائيلي لا يزال في الدوحة لمواصلة المحادثات، على رغم مغادرة ترامب المنطقة، في حين أشار مصدر إسرائيلي مطّلع إلى عدم إحراز أي تقدّم، قائلاً إن «إسرائيل ترفض مناقشة شروط وقف الحرب». وأضاف المصدر أنّ «الانطباع العام هو أنّ الإسرائيليين جاؤوا إلى الدوحة لإفشال المحادثات وتبرير استئناف الحرب».
وإذ تشير تقديرات من داخل الدوائر الإسرائيلية إلى أن «حماس» تطالب بوقف كامل للحرب كجزء من صفقة شاملة، بينما تسعى تل أبيب لـ»اتفاق جزئي لا يشمل إنهاء الحرب»؛ فإن مسؤولين إسرائيليين يعتقدون بأنّ سياسة الصفقات الجزئية التي تعتمدها إسرائيل «تقترب من نهايتها»، وفق قناة «كان» التي نقلت عن هؤلاء قولهم إن «عدم التوصل إلى اتفاق يعمّق عزلة تل أبيب دولياً، خاصة في ظل نفاد صبر واشنطن التي بدأت باتخاذ خطوات تضر بمصالح إسرائيل وتدفعها نحو العزلة».
أما على الصعيد الميداني، فقد أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن الجيش الإسرائيلي يستعدّ لبدء عملية عسكرية محدودة في غزة، تهدف إلى الضغط على «حماس» ودفعها نحو الموافقة على صفقة تبادل، مع الإشارة إلى أنّ هذه المناورة لا ترقى إلى مستوى العملية الكبرى التي سبق التهديد بها. وأوضح مسؤولون عسكريون أن «العملية تهدف إلى التلويح بالخيار العسكري فقط، من دون الانخراط في حرب شاملة». وكان جيش الاحتلال أعلن أن الغارات الأخيرة على غزة هي جزء من العملية، لكنها لا تمثّل بعد المرحلة التي صادق عليها «الكابينت»، والتي تهدف إلى «استعادة الأسرى والقضاء على حماس»، في حين بيّنت مصادر عسكرية أن «الهدف من التصعيد المتدرّج هو الإبقاء على الباب مفتوحاً للمفاوضات، مع الاحتفاظ بالخيار العسكري إذا لم يحرز التفاوض تقدّماً».
في المقابل، أكّدت حركة «حماس» أنها أطلقت سراح الجندي الأميركي – الإسرائيلي، عيدان ألكسندر، في إطار تفاهمات تمّ التوصّل إليها مع الموفدين الأميركيين، مشيرة إلى أنّ «الإفراج كان مشروطاً بتعهّدات أميركية بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة». ودعت الحركة على لسان طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيسها، الإدارة الأميركية إلى «ممارسة ضغوط فورية على حكومة نتنياهو من أجل فتح المعابر وإدخال المساعدات الغذائية والطبية والوقود إلى المستشفيات».