الصحافه

مسؤول بفرع “أمنستي” في إسرائيل: راودني شك.. لكن تبين أن “نيتها” إبادة الغزيين تجويعاً

مسؤول بفرع “أمنستي” في إسرائيل: راودني شك.. لكن تبين أن “نيتها” إبادة الغزيين تجويعاً

عندما صدر تقرير حركة “أمنستي العالمية”، الذي يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، كنت أتولى منصب نائب مدير عام فرع الحركة في إسرائيل، وكنت من رؤساء المعارضة العلنية للفرع لهذه المقولة – معارضة كلفت الفرع طرداً فعلياً من الحركة العالمية.

كنت من بين الذين اعتقدوا أن أمنستي لن ينجح تقريرها في إثبات عنصر النية، الذي هو ضروري للإدانة بارتكاب إبادة جماعية. لم نحتج على استنتاجات التقرير، بل على التحليل الذي جاء فيه؛ بأنه لا يوجد تفسير منطقي آخر لأفعال إسرائيل عدا عن نية من الأعلى لإبادة سكان غزة. اعتقدنا أن هناك تفسيراً آخر محتملاً، مثلاً الاستخفاف بحياة الغزيين في الطريق إلى تحقيق الأهداف العسكرية. واعتقدنا أن الانحياز لإسرائيل سيثقل القيام بتحليل مهني. كل ذلك تغير إزاء وقف شامل لإدخال المساعدات إلى غزة.

قرار منع المساعدات الإنسانية الذي يطبق منذ آذار، يعطي تأثيراً أكبر في أوساط السكان المحليين (ربما أيضاً في أوساط المخطوفين)، وكل يوم يمر بدون مساعدات تزداد الصورة قتامة. هذه لحظة فاصلة. فالأمر لا يتعلق بتقييد نطاق المساعدات مثلما كان في السابق، بل يتعلق بمنعها كلياً وبشكل مستمر.

يصعب الادعاء بأنه لا يوجد هنا عامل “النية” – فهو قرار رسمي للحكومة، متسق ومطبق أيضاً بعد تقارير عن نتائج مخيفة، وبعد إعلان المسؤولين عن مؤشر آي.بي.سي للأمم المتحدة بأن واحداً من بين 5 غزيين في حالة جوع. وهذه السياسة تغير قواعد اللعب: مبررها الوحيد هو تجويع السكان الذين لا يملكون أي سيطرة على حماس، بهدف تحقيق استسلام المنظمة الإرهابية التي لا تهتم بمصير رعاياها.

تصريحات من جانب جهات إسرائيلية التي بحسبها منع المساعدات سيتوقف من التجويع الجماعي، تعكس خط تفكير مثير للغضب ومشوه، يرتكز إلى ادعاء بأن هناك مخازن غذاء في غزة ووجود احتياطي كاف – الأمر الذي يناسب التقارير من الميدان، بما في ذلك تقارير جهات إنسانية دولية. بشكل عام، لا يمكن التوقف مرة أخرى قبل التجويع الجماعي. لا كبسة يمكن تشغيلها أو وقفها في أي وقت نريده.

التجويع الجماعي يبدأ بـ “الجيوب الجائعة” للآلاف في ظل الفوضى والتوزيع الداخلي السيئ، وهكذا لن يبقى غذاء للضعفاء ولمن هم غير مقربين من حماس. إضافة إلى ذلك، إزاء معلومات طبية تقول بأن للأطفال الخدج تغذية غير سليمة، التي لا تؤدي إلى الموت، لكنها قد تؤدي إلى أضرار خطيرة لا يمكن إصلاحها – هناك فئة عمرية كاملة في غزة معرضة لهذه الأخطار. وحقيقة أنه معروف أن حماس لن تستسلم بسهولة، هذا إذا استسلمت، فإن إبادة السكان تبدو هدفاً ثانوياً للحكومة، وليس وسيلة مشوهة أمام حماس، والتي تفحص من سيتراجع أولاً.

إسرائيل تقول بأنها ستعمل على تطوير منطقة إنسانية تمكن من توزيع المساعدات بحيث لا تصل حماس إليها، لكنها لم تنتظر إقامتها. يجب التأكيد على أن إقامة هذه المنطقة لن يحل المشكلة، ولن يبرر تجويع السكان في أرجاء القطاع الأخرى، فهذه المنطقة لن تستوعب مليوني شخص. ولكن عدم استعداد إسرائيل للانتظار يدل على عدم الرغبة حتى في تخفيف المس بالسكان.

صحيح أن حماس شريكة في هذا الرعب: كان يمكنها فتح مخازن الغذاء خاصتها، وكان يمكنها تحرير المخطوفين، وألا تنفذ المذبحة من البداية أو الاستسلام، ولكن هذه الشراكة لا تعزينا. مسؤولية حماس لا تعفي إسرائيل من المسؤولية، لأنها هي التي تقوم بالتجويع مباشرة. إسرائيل تعتبر قوة محتلة، لذلك، هي المسؤولة عن سكان المنطقة حسب القانون الدولي.

كيفما أدير الأمر، فالوضع مخيف، وإسرائيل تصعب على من يريد الدفاع عنها من تهمة الإبادة الجماعية. كيف يمكن الادعاء الآن بأن إسرائيل لا تعمل من خلال نية؟ هذه وصمة على جبيننا.

 ياريف موهير

هآرتس 16/5/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب