فلسطين

«المستوطنون» لا يتحدّثون سوى لغة… الإبادة

«المستوطنون» لا يتحدّثون سوى لغة… الإبادة

رضا صوايا

بعد 14 عاماً من زيارته الأخيرة للضفة الغربية، عاد المخرج البريطاني الأميركي لويس ثيرو إلى الأراضي المحتلة بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
لقد عاد ليرصد في وثائقي «المستوطنون» (The Settlers) عنف الاستيطان الصهيوني وتوحّشه، وحياة القهر والذل والرعب والتنكيل التي يعيشها الفلسطينيون، والمساعي المتزايدة لطردهم من أرضهم وتهجيرهم عبر جعل حياتهم جحيماً لا يحتمل.

الوثائقي الذي أنتجته «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي. بي. سي) وصدر أواخر الشهر المنصرم، يعد استمراراً لوثائقي آخر أعده ثيرو عام 2011 بعنوان «المتطرفون الصهاينة» الذي نقل إلى العالم الأسس الأيديولوجية المتطرّفة التي تغذّي عقلية المستوطنين بغطاء من حكومة الكيان، وتعصّبهم القومي الديني وإيمانهم المطلق بـ «حقّ إلهي بكامل أرض إسرائيل التوراتية».

العدسة تتكلّم عن نفسها

أسلوب ثيرو البسيط والمقنّع بسذاجة مدروسة والممزوج باللطف والإصرار يعدّ محورياً في أعماله، وركيزةً من ركائز نجاحه. يتجنّب الصدام لإخراج ما يريده من محاوريه، وهو ما شجّع المستوطنين في كلا الوثائقيين على التعبير عن أنفسهم بأريحية ومن دون قناع، كاشفين عن مكنوناتهم الدفينة وعقليّتهم المتشبّعة بروح الإبادة والقائمة على رفض اعتبار الفلسطينيين كشعب، إلى حد رفض النطق بهذه الكلمة التي لا وجود لها من الأساس بالنسبة إليهم.

إذا كان القتل والتهجير
في غزة مباشراً، فما يجري
في الضفة لا يقلّ خطورةً

مع ذلك، قد يبدو نهج ثيرو مبالغاً فيه، وبأنه كان يستحسن في بعض الحالات أن يواجه السردية الصهيونية المتزمتة بالوقائع بشكل أكثر صرامة.
إلا أن تحليل جوهر العمل والرسالة التي يسعى إلى إيصالها يخفّفان من حدية هذا النقد، إذ يفضّل ثيرو ألا يظهر كمتدخل وبالتالي مؤثراً في قناعات المشاهدين، فيترك العدسة تتكلم عن نفسها.

وفي حين ركّز وثائقي «المتطرفون الصهاينة» إلى حد كبير على العناصر الأكثر تطرفاً من المستوطنين والمراحل الأولى لإنشاء بعض المستوطنات، فإن وثائقي «المستوطنون» يوسّع نطاقه ليشمل طيفاً أوسع من حركة المستوطنين، ويوضح كيف أصبح وجودهم طبيعياً ومندمجاً بشكل متزايد في نسيج الأراضي المحتلة على مدى السنوات، مع توسع المستوطنات، وتطوير بناها التحتية.

  • ركّز «المتطرفون الصهاينة» على المراحل الأولى لإنشاء بعض المستوطنات
    ركّز «المتطرفون الصهاينة» على المراحل الأولى لإنشاء بعض المستوطنات

يسلّط «المستوطنون» الضوء على كيفية قدوم المستوطنين الصهاينة، وهم في الغالب مهاجرون من مختلف أنحاء العالم، إلى المنطقة للمطالبة بالأراضي الفلسطينية، ما يعزّز من نظام الاستعمار الوحشي والفصل العنصري، وحملهم المستمر للسلاح والرشاشات في حياتهم اليومية وتنقلاتهم.
يرصد ثيرو في عدسته أمثلة على دعم القوات الإسرائيلية أنشطة المستوطنين، التي تنطوي على مضايقات وهجمات روتينية على أهل الأرض الفلسطينيين، ومنعهم حتى من قطف محصول الزيتون من أراضيهم.

عرّابة الاستيطان دانييلا فايس

في الوثائقي تكشف «عرّابة» الاستيطان الصهيوني دانييلا فيس عن السر المعلوم وكيفية التشابك والتعاون الضمني بين حركة الاستيطان والحكومة الإسرائيلية. فالحركة بالنسبة إليها تشجّع الحكومة وتسبقها، وتفرض وقائع على الأرض وتمهّد بذلك للإطار القانوني اللاحق الذي توفره الحكومة، ما يجنّب هذه الأخيرة الإحراج أمام العالم.

وبالنسبة إليها، أي طرح، سواء كان حلّ الدولتين أو دولة واحدة يوفر حقوقاً متساوية لليهود والفلسطينيين، مرفوض، فلا شيء اسمه الفلسطينيون في قاموسها، والحل الوحيد أمامهم هو الرحيل والهجرة. همّها الأساسي هو السيطرة الكاملة على الضفة والانتقال إلى استيطان كامل قطاع غزة.

كل ما يجري على أرض الواقع، يشجع هذه الخطة. يبيّن الوثائقي حجم القيود الممنهجة على حركة الفلسطينيين، والتضييق عليهم وخنقهم في مربعات ضيقة، وفقدانهم المتواصل للأراضي والموارد، وشعورهم الدائم بعدم الأمان. وينقل ثيرو بسلاسة الجوانب النفسيّة لكلا الطرفين، بين فريق متعطش للهيمنة وإلغاء الآخر، وطرف آخر يصارع للتنفس والتنقل والعمل وزرع أرضه.

ويأتي توقيت عرض الوثائقي مثالياً لتسليط الضوء على ما يجري خارج قطاع غزة. فإن كان القتل والتهجير هناك مباشراً، فما يجري في الضفة لا يقل خطورةً، إنه القتل والتهجير نفسه، ولكن بالتدرج وبنفس أطول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب