فلسطين

«مؤسسة إغاثة غزة»: تكريس الاحتلال بأدوات مدنية

«مؤسسة إغاثة غزة»: تكريس الاحتلال بأدوات مدنية

القاهرة | تدفع إسرائيل، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، نحو فرض نموذج جديد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة من خلال مؤسسة «إغاثة غزة»، التي أُنشئت في سويسرا. وفيما من المُقرّر أن يبدأ تطبيق النموذج المشار إليه قبل نهاية الشهر الجاري، تدعمه أطراف إقليمية ودولية كمحاولة لإعادة صياغة العمل الإغاثي بما يخدم أهدافاً أمنية وسياسية إسرائيلية، من خلال تقويض «استقلالية» المساعدات التي تقدّمها المنظمات الدولية التقليدية، وعلى رأسها «الأمم المتحدة».

وأنشئت المؤسسة، وفقاً لتسجيلها الرسمي، في شباط الماضي، وهي تعمل بالتنسيق مع شركتين أميركيتين خاصتين في مجالَي الأمن واللوجستيات، هما «يو.جي سولوشنز» و«سيف ريتش سولوشنز». وقد حصلت المؤسسة بالفعل على تعهدات تمويلية تجاوزت 100 مليون دولار، رغم عدم الإفصاح عن مصادر هذه الأموال، فيما ستبدأ عملياتها عبر أربعة مواقع توزيع آمنة، ثلاثة في جنوب القطاع وواحد في الوسط، مع خطة مستقبلية لتوسيع هذه المواقع إلى شمال غزة، وفقاً للمُعلن.

على أن جوهر الخطة يتجاوز الجانب الإنساني إلى البعد السياسي والأمني وفقاً للرؤية الإسرائيلية، التي تسعى إلى التحكّم الكامل في بيئة ما بعد الحرب داخل غزة؛ إذ يسعى الاحتلال إلى أن تكون المساعدات خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لرقابته، لضمان ألّا تصل إلى أي طرف خارج سيطرته الأمنية، وخصوصاً فصائل المقاومة. ويتم ذلك من خلال حصر المساعدات في مناطق معينة، واعتماد مقاولين خاضعين للرقابة، وفرض ترتيبات تمنع دخول الإغاثة عبر القنوات التقليدية للأمم المتحدة، وعلى رأسها وكالة «الأونروا».

وإذ تشير الخطة إلى غياب الجيش الإسرائيلي ميدانياً عن محيط مواقع التوزيع، لكن ذلك لا يعني غياب السيطرة؛ إذ تمرّ المساعدات عبر معابر يحدّدها الجيش الإسرائيلي، وتُنقل تحت إشراف شركات تعمل وفق تعليماته. وفيما تؤكد المؤسسة أنها لن تشارك أي بيانات شخصية عن متلقّي المساعدات مع إسرائيل، إلا أن ذلك لا يُطمئن الفاعلين الإنسانيين، الذين يرون أن النموذج الجديد يربط العمل الإغاثي بشبكة مصالح أمنية وتجارية «يُصعب ضبطها».

تعمل القاهرة على تنسيق موقف أوروبي رافض لإطار عمل مؤسسة «إغاثة غزة»

وفيما تحظى مؤسسة «إغاثة غزة» بغطاء سياسي ودبلوماسي من الولايات المتحدة، قال مسؤولون أميركيون إن المشروع يهدف إلى إيجاد «حل عملي» لتوفير الإغاثة من دون الحاجة إلى انتظار اتفاق سياسي شامل، في وقت يتم فيه تسويق الخطة في الجانب الإسرائيلي، كحل مؤقت لتجاوز الاتهامات الدولية بشأن منع دخول المساعدات، وسط تزايد الضغوط من المنظمات الإنسانية والدول الكبرى، بعد تقارير متعددة حذّرت من خطر المجاعة الذي يهدّد أهالي القطاع.

لكن هذا «الحل العملي»، كما تصفه واشنطن، يُنظر إليه من قبل فاعلين إنسانيين ودبلوماسيين في المنطقة كآلية لشرعنة فصل المساعدات عن السياق السياسي، وتحويلها إلى أداة ضغط تعمل ضمن رؤية الاحتلال، لا خارجه. وفي هذا السياق، ترى الأمم المتحدة، التي أعلنت رسمياً رفضها التعاون مع هذا النموذج، أن الخطة تفتقر إلى مبادئ الحياد والنزاهة والاستقلالية، وأنها لا تلبي الاحتياجات الشاملة لسكان القطاع. وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، في إحاطته لمجلس الأمن، إن المقترح «يكرّس نزوحاً إضافياً، ويحوّل المساعدات إلى أداة تفاوض سياسي، ويقصي الفئات الأكثر احتياجاً من حقها في الدعم الإنساني».

من جهتها، ترى القاهرة أن الخطة بمثابة محاولة إسرائيلية لفرض وقائع جديدة على الأرض، تمنح تل أبيب نفوذاً غير مباشر داخل غزة، وتُضعف أي جهود مستقبلية لتثبيت تهدئة شاملة أو الدخول في تسوية سياسية، حسبما أفادت مصادر مصرية «الأخبار». كما تعتبر القاهرة أن القبول بهذا النموذج سيمثّل سابقة خطيرة تكرّس الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عبر أدوات مدنية وإنسانية، من شأنه أن يحوّل العمل الإغاثي إلى جزء من منظومة السيطرة الإسرائيلية، وفقاً للمصادر التي أشارت إلى أن «تجاهل قنوات الأمم المتحدة المعترف بها وتهميشها في إدارة ملف المساعدات يُضعفان من إمكانية استئناف العملية السياسية لاحقاً، ويفتحان الباب لتصعيد دائم بحجة ضمان أمن مناطق التوزيع، ما يُبقي العمليات العسكرية الإسرائيلية بلا سقف زمني أو سياسي واضح».

وأوضحت المصادر أن القاهرة «تواصل حراكاً دبلوماسياً على مستويات متعددة، وتعمل على تنسيق موقف أوروبي رافض لإطار عمل «مؤسسة إغاثة غزة»، خصوصاً داخل دوائر الاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع العمل على إعادة إحياء مسار التهدئة الذي شهد تعثّراً في الأسابيع الماضية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب