منوعات

نتنياهو في «الهيكل» والعرب في سبات

نتنياهو في «الهيكل» والعرب في سبات

سامي حداد

في مشهد لم يكن خفياً ولا عابراً، ظهر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تسجيل مصوّر من داخل نفقٍ يقع مباشرة تحت المسجد الأقصى، يتحدث فيه بكل ثقة عن «البحث المتقدم عن هيكل سليمان». ذلك الهيكل الذي تقول الرواية التوراتية إنه دُمر على يد الملك البابلي نبوخذ نصر في العام 587 قبل الميلاد.

لم يكن ظهوره في هذا المكان مصادفة أو مغامرة تاريخية. لقد كان فعلاً سياسياً واعياً ومقصوداً، يحمل في طيّاته رسالة قاطعة: «الهيكل قادم، ولو تحت أنقاض الأقصى».

لا تنديد ولا ما يحزنون

لكن ما يستحق التوقف عنده ليس فقط ما فعله الممثل والمجرم نتنياهو، بل ما لم يُفعل في المقابل. باستثناء بعض الأصوات الخافتة، لم يُسجّل العالم العربي والإسلامي أي رد فعل يرقى إلى حجم هذا الاستفزاز. لا تنديد رسمياً، ولا حملات تضامن شعبية، ولا حتى امتعاضاً دينياً من المؤسسات الكبرى التي طالما صدّرت نفسها حاميةً للمقدسات. مرّ الحدث مرور الكرام، وكأنه مجرد فقرة في نشرة آثار.

في المقابل، وبينما كان نتنياهو يضع يده على حجارة القدس في وضح النهار، كان آلاف المسلمين على امتداد العالم منشغلين بهجومهم اليومي على ملل بعضهم بعضاً، يعيدون تدوير الأسطوانة نفسها حول العقائد والطقوس والخلافات القديمة.

منابر الجمعة التي لطالما أشعلت العالم العربي والإسلامي بهذه الخلافات، بدت كأنها قد أُصيبت بالخرس الجماعي حين جرى اقتحام باطن المسجد الأقصى بمعاول الايديولوجيا الصهيونية.

الاستثمار السياسي في الخطاب الطائفي

هذا التناقض الفجّ يطرح تساؤلاً أخلاقياً قبل أن يكون سياسياً: كيف تتحوّل قبلة المسلمين إلى مسألة ثانوية، بينما تُستنزف الطاقات والمواقف في مواجهة أبناء الدين الواحد؟ كيف تغيب الغيرة الدينية أمام عدو واضح يستبيح الأقصى فوق الأرض وتحته، وتستيقظ فقط حين يتعلّق الأمر بخلاف بالشيعة؟

لا يمكن فهم هذا الصمت إلا في إطار التراكمات التي أنتجتها العقود الماضية من الاستثمار السياسي في الخطاب الطائفي. لقد نجح المشروع الصهيوني في شيء واحد على الأقل: أن يجعل المسلمين يكرهون بعضهم أكثر مما يكرهون عدوهم. وهذا هو أخطر اختراق يمكن أن يُحدثه الاحتلال. حين تنقلب البوصلة، وتصبح الفتنة أولى من فلسطين، فإن المعركة تكون قد خُسرت فعليًا قبل أن تبدأ.

تحويل القدس إلى سردية توراتية

أن يظهر نتنياهو من تحت المسجد الأقصى، يروّج لأسطورة الهيكل التي لا تستند إلى أي دليل أثري أو تاريخي، فهذه ليست مجرد دعاية دينية. إنها خطوة على طريق تحويل القدس كلها إلى سردية توراتية بحتة، تُقصى منها كل المعالم الإسلامية – العربية، بل تُجتثّ من جذورها.

والأنفاق التي تُحفر منذ سنوات تحت المدينة القديمة ليست سوى أدوات تنفيذية لصناعة هذه الرواية. ومع ذلك، لا يزال المسلمون يعتقدون أن الخطر الحقيقي يأتي من عاشوراء، أو المقاومة مثلاً، لا من العدو نفسه.

نحن اليوم أمام لحظة انكشاف. فصورة نتنياهو في ذلك النفق ليست مجرد مشهد سياسي، بل مرآة أخلاقية. تُظهر لنا إلى أي مدى خسر العرب بوصلتهم، واستبدلوها بصراعات الهوية والمذهب والانتماء الضيق. لقد دخل نتنياهو نفقاً مادياً محفوراً في باطن القدس، فيما غرق المليار مسلم في نفقٍ رمزي أشد ظلمة: النفاق، واللامبالاة، والعداوة الداخلية.

ربما الدفاع عن المسجد الأقصى لا يكون بالقصائد ولا بالشعارات، بل بوعي سياسي وديني حقيقي يُعيد ترتيب الأولويات، ويُخرج الأمة من دوامة الانشغال ببعضها إلى التصدي للعدو الحقيقي، لكن للكلمة وزن وصدى، وجب قولها.

فحين تتحول معاركنا إلى حروب داخلية، فإننا لم نترك للأعداء شيئاً ليهدموه، فقد قمنا بذلك بأنفسنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب