عربي دولي

حلب إلى الواجهة مجدّداً: خراب كبير لا تغطّيه «وعود» الشرع

حلب إلى الواجهة مجدّداً: خراب كبير لا تغطّيه «وعود» الشرع

في احتفالية تمّ اختيار توقيتها بدقّة، زار الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مدينة حلب، وجلس على مدرج قلعتها الأثرية، معلناً «انتهاء الحرب على الطغاة، وبدء الحرب على الفقر»، وفق تعبيره، في وقت تعيش فيه المدينة، التي كانت قبل نحو 15 عاماً، عاصمة سوريا الاقتصادية، واقعاً صعباً في ظل تدنّي مستويات الخدمة، والدمار الكبير الذي تسببت به الحرب.

واللافت أن الشرع، الذي ظهر في السابع والعشرين من شهر أيار من عام 2023 في إدلب، وأطلق وعداً بـ«تحرير حلب خلال عامين»، اختار التوقيت نفسه ليشارك في احتفالية حملت اسم «حلب مفتاح النصر»، عُرض خلالها تسجيل مصوّر يقدّم رواية «هيئة تحرير الشام» للآلية التي تمّت بها السيطرة على حلب؛ إذ ذكر التسجيل أنه أُرسلت مجموعات «انغماسية» راقبت مواقع النظام السابق الحساسة على مدار عامين، قبل أن يجري اختيار ساعة الصفر، ويهاجم «الانغماسيون» مقرات أمنية بشكل فردي، ويقوموا باغتيال قادة العمليات العسكرية والأمنية في المحافظة، ما تسبّب، بحسب الرواية نفسها، في حالة تخبط كبيرة. وتزامن ذلك مع شن حملة عسكرية واسعة انتهت بالسيطرة على حلب، الأمر الذي تبعه انهيار غير مسبوق لنظام الرئيس السابق بشار الأسد، انتهى بهروب الأخير إلى روسيا، وتسلّم الشرع قيادة البلاد.

وفي كلمة له، خلال الاحتفالية، رأى الشرع أن «معركة السيطرة على حلب، كانت مختلفة، وكانت لحظة تصنعها الأمم كل قرن»، متابعاً أنها «كانت لحظة عظيمة في التاريخ، حينها رأيت دمشق من أسوار قلعة حلب»، وأطلق وعداً بتحويل حلب إلى «منارة اقتصادية»، وفق تعبيره. وتأتي الاحتفالية التي تمّ تنظيمها في حلب، بعد يومين على حادثة ضجّت بها المدينة عندما قام أحد قادة الجهاز الأمني التابع للشرع، بالاعتداء على قاضي التحقيق أحمد حسكل، الذي تعرّض للضرب والسجن والتهديد بالقتل على يد «رئيس قسم شرطة الصالحين»، عبيدة طحان.

وتبع ذلك إضراب في القصر العدلي، قبل أن تتدخل وزارة العدل وتعلن القبض على طحان، الذي ظهر في تسجيل مصوّر لاحق وأعلن أنه تمّ الصلح بينه وبين القاضي، معترفاً بضرب الأخير. وتمثّل هذه الحادثة نموذجاً من الأوضاع التي تعيشها المحافظة، شأنها شأن سائر المناطق السورية، حيث لا تزال تعيش البلاد حالة «هشاشة أمنية» غير مسبوقة، تتقاسم فيها الفصائل السيطرة على المناطق، وتفرض سطوة كبيرة عليها، في وقت تقول فيه وزارتا الداخلية والدفاع إنهما قامتا بهيكلة تلك الجماعات وبناء تشكيلات شرطية وعسكرية جديدة وإنهاء الحالة الفصائلية.

يمثّل عدم موثوقية الاستمرار في رفع العقوبات، وحالة «الهشاشة الأمنية» التي تعيشها حلب، عقداً تحول دون تسريع عجلة إعمارها

ويُشار، هنا، إلى أنه خلال فترة الحرب، تعرّضت المصانع في حلب لأضرار كبيرة، كما توقفت عجلة الإنتاج في معظم قطاعاتها، وبشكل خاص في المدينة الصناعية التي تعرّضت مصانعها للسرقة، وتمّ نقل معظمها إلى تركيا، التي شرعت في بناء مدينة صناعية ثانية في مدينة الباب التي تسيطر عليها، شمال شرقي حلب، لتكون بديلة من المدينة الصناعية في الشيخ نجار، قبل أن يسقط نظام الأسد. وتكشف نظرة على الأوضاع في حلب عن دمار كبير في الأحياء الشرقية، والتي شهدت معارك ضارية خلال سنوات الحرب، وتعرّضت للقصف بالطائرات الحربية من قبل النظام السابق، والقذائف المتفجرة من قبل الفصائل التي كانت تسيطر عليها، بما أدّى إلى تفجير مناطق أثرية في محيط قلعة حلب، حيث أقام الشرع احتفاليته.

أما الريف الشمالي للمدينة، فيشهد استمرار الأوضاع المأساوية؛ إذ يعاني دماراً كبيراً، واقتتالاً فصائلياً مستمراً، إلى جانب موجات النزوح التي شهدتها عفرين، إثر الغزو التركي لها، وما تبعه من عمليات تتريك لا تزال مستمرة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، حملت حلب القسم الأكبر من الدمار جراء الحرب التي عاشتها سوريا؛ إذ بلغ عدد المباني المتضررة فيها (بسبب الحرب فقط، من دون احتساب الدمار الذي تسبب به الزلزال الذي ضرب تركيا ومناطق من سوريا، أبرزها حلب واللاذقية وإدلب)، 4773 مبنى مدمّراً كلياً، و14680 مبنى مدمّراً بشكل بالغ، و16269 مدمّراً بشكل جزئي، ليبلغ مجموع المباني المتضررة 35722.

وبالرغم من الظروف التي تعيشها المحافظة، جاء قرار رفع العقوبات الأميركية والأوروبية ليكون بمثابة دفعة كبيرة لها للعودة إلى الحياة؛ إذ من شأنه أن يوفّر لها الحدّ الأدنى من مقوّمات البدء بعمليات إعادة الإعمار، وتشجيع المستثمرين الذين غادروا البلاد، وتوجّه قسم كبير منهم إلى مصر، على العودة إليها. غير أن عدم موثوقية الاستمرار في رفع العقوبات من جهة، وحالة «الهشاشة الأمنية» التي تعيشها سوريا، يمثّلان عقداً تحول دون تسريع عجلة إعمار حلب، خصوصاً بعدما شهدت مصانع عديدة عمليات نهب وتخريب بحجّة أن أصحابها يتبعون لنظام الأسد أو مقرّبون منه، وهي الحجة التي تستعملها الفصائل في كل مرة تقوم فيها بالاعتداء على الأملاك الخاصة، الأمر الذي من شأنه عرقلة وفاء الشرع بوعده الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب