عربي دولي

كواليس خلاف السوداني والحلبوسي في العراق: الموازنة والتعيينات ومخاوف الإطاحة من المنصب

كواليس خلاف السوداني والحلبوسي في العراق: الموازنة والتعيينات ومخاوف الإطاحة من المنصب

مشرق ريسان

بغداد ـ  كشفت أنباء تناقلتها مواقع إخبارية محلّية، وتقارير صحافية، عن نشوب خلاف بين رئيس البرلمان، زعيم تحالف «تقدّم»، محمد الحلبوسي من جهة، وبين رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، من جهة ثانية، يتمحور حول جمّلة نقاط أبرزها محاولة «الإطار التنسيقي» الشيعي إيقاف التمدّد السياسي والشعبي لرئيس مجلس النواب، على حساب القيادات السياسية السنّية البارزة، المنضوية في تحالف «عزم» المؤتلف مع «الإطار»، فضلاً عن اتهام الحلبوسي بـ»التدخل» في عمل السلطة التنفيذية، وعرقتها من خلال تعطيل تشريع قانون الموازنة المالية «الثلاثية»، وقطع طريق تمويل المشاريع المُدرجة ضمن المنهاج الوزاري.
وينقسم «البيّت السنّي» إلى فريقين، أحدهما «عزم» قرر عقد تحالف مع «الإطار التنسيقي» الشيعي وحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، لمواجهة الفريق الآخر الذي جمعه تحالف «مرحلي» بالتيار الصدري والحزب «الديمقراطي الكردستاني»، قبل أن ينهار كُلّياً بإعلان مقتدى الصدر الانسحاب من العملية السياسية واستقالة نوابه الـ(74) من البرلمان.
وفيما بعد قرر الفريقان الانضمام إلى تحالف موحّد «إدارة الدولة» يضم جمّيع الأحزاب الفائزة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والمشاركة في تشكيل الحكومة الاتحادية، برئاسة السوداني، غير أن ذلك لم يمّنع تمدّد الخلاف السنّي ـ السنّي وبلوغه ذروته بين رؤساء السلطتين التنفيذية والتشريعية، حسب المصادر.
المحلل السياسي العراقي، واثق الجابري، يرى أن أصل الخلاف بين السوداني والحلبوسي، يعود إلى محاولة الأخير تصدير خلافاته مع قادة المكوّن السنّي حول «الهيمنة» على قرارهم، فضلاً عن تدخله بعمل السلطة التنفيذية، في محاولة لضمان البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة.

مشكلة قديمة

ويضيف لـ«القدس العربي» أن «هناك مشكلة قديمة ومتجددة بين القوى السياسية تتمثل بمحاولة فرض اشتراطات على بعضها وخصوصا في المواقف الحرجة»، مبيناً أن «العراق اليوم يمر بمرحلة مهمة تتمثل بإقرار الموازنة لثلاث سنوات حسب ما أقرّته الحكومة».
ورأى أن «الحلبوسي يعاني الكثير من الإشكاليات، من بينها وجود خلافات داخل المكون السني وصراعات على الزعامة»، لافتاً إلى إنه «من خلال وجوده في المنصب للدورة السابقة وللدورة الحالية، حاول تهميش جميع القيادات السياسية السنية السابقة، مثل أسامة النجيفي، محمود المشهداني، سليم الجبوري، وقيادات أخرى في بعض المحافظات، لهذا بدأ الشارع السني وقيادات سياسية أخرى يلاحظ مساعي الحلبوسي للهيمنة».
وطبقاً للمصدر ذاته فإن «أغلب القوى السياسية الشيعية لا ترغب في وجود صراع داخل المكون السني، وكذلك المكون الكردي، على اعتبار أن ذلك سيؤثر على البلاد بالمجمل»، مشيراً إلى أنه «مع محاولات إقرار الموازنة بدأ الحلبوسي بالضغط على الحكومة من خلال بعض الإملاءات والاشتراطات؛ الظاهر منها مطالب مجتمعية كإقرار قانون العفو العام أو عوده النازحين، لكن جوهر القضية ليس هكذا».

ويبين أن «الحلبوسي يضغط باتجاه عرقلة مطالب إقالته أو عزله من منصبه، بالإضافة إلى تدخله في العمل التنفيذي، لذلك هو حاول عرقلة الموازنة من خلال تدخله بشكل أو بآخر في عمل السلطة التنفيذية، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الوزراء الذي يحاول إقرار الموازنة بشكل مستعجل، على اعتبارها خضعت للنقاشات السياسية والمداولات وجولات من المفاوضات، الخلاف الأبرز كان مع الإقليم وتم حل هذا الأمر».
ويضيف أن «القوى السياسية متفقة على تمرير الموازنة بهذا الشكل، وتم التصويت عليها من قبل الإطار التنسيقي وائتلاف إدارة الدولة الذي يعد الحلبوسي جزءا منه»، مشيرا الى أن الحلبوسي «يحاول أن يصدر أزماته الداخلية من أجل البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة أو حتى للدورة الحالية على الأقل، والهيمنة على المشهد السني».
وأضاف: «لا يوجد طرف سياسي يدعم الصراع ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن في الواقع هذا الخلاف يبدو أنه يأخذ من حضور الحلبوسي، على اعتبار أن الحكومة اليوم تحظى بدعم سياسي كبير من جميع القوى السياسية»، لافتاً إلى أن «الحلبوسي يسعى بطريقة او بأخرى للضغط على الجهات السياسية لإحراجها وإحراج الحكومة بتأخير تمرير الموازنة، وأخذ تعهدات بعدم الإطاحة به».

وساطات

وتحدث أيضاً عن وساطات حدثت في محاولة لإنهاء الخلاف قائلاً: «هناك وساطة حدثت لحل الخلاف، من خلال زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، ومناقشات أخرى جمعت رئيس الجمهورية برئيس الوزراء. الجميع يدفع باتجاه عدم عرقلة تمرير الموازنة»، معتبرا أن «بقاء الحلبوسي في هذا التزمت سيؤثر عليه بشكل أو بأخر، سيما مع حديثه بشأن تشكيل إطار تنسيقي سني».

تغيرات في المناصب

ويتّفق الباحث والمحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، مع رأي الجابري بشأن أسباب نشوء الأزمة بين السوداني والحلبوسي، غير إنه يشير إلى سبب آخر يتعلق بإجراء رئيس الحكومة تغييرات في مناصب أمنية رفيعة في مناطق تخضع لنفوذ الحلبوسي.
ويرى في حديث لـ»القدس العربي» أن الخلاف بين السوداني والحلبوسي «وصل لحد كسر العظم»، موضّحاً أن «أصل الخلاف بين السوداني والحلبوسي، بسبب تمدد الأخير في العمل الحكومي ومحاولة تدخل السلطة التشريعية (البرلمان) المتكرر في عمل السلطة التنفيذية (الحكومة)، وهذا ما رفضه السوداني، لكن الحلبوسي مصرّ وبقوة على تمدده على السلطة التنفيذية كما كان يعمل بذلك مع الحكومات السابقة في السنوات الماضية، بالتحديد خلال حكومة عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي».

أوراق للمناورة

وأشار إلى أن السبب الآخر في نشوء الخلاف يتعلّق بأن «رئيس البرلمان لا يريد إقرار الموازنة لثلاث سنوات، لأن السوداني إذا ضمن الموازنات لثلاث سنوات أي بمعنى لنهاية ولايته، فمعناه أن السوداني سيستقوي على البرلمان وعلى السلطة التشريعية، وسيصبح دون الحاجة إلى البرلمان، لكن في حال تمرير الموازنة في كل عام يبقى السوداني تحت ظل البرلمان، وهذا ما يريده الحلبوسي، لتبقى بيده أوراق للمناورة في المستقبل وفي السنوات المقبلة».

التعيينات

ومن بين جمّلة أسباب الخلاف، حسب رأي الحكيم «موضوع التعيينات والمناصب الأمنية المهمة، بما أن السوداني هو القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول التنفيذي الأول، ويقوم بممارسة صلاحياته بتغيير بعض المناصب الأمنية، لكن قبل فترة قام بتغيير واستبدال وكيل وزير الداخلية لشؤون الشرطة المحسوب على الحلبوسي من دون الرجوع (إلى الأخير) وحتى دون استشارته، وكذلك استبدل مدير الأمن الوطني في صلاح الدين المحسوب أيضا عليه»، مبيناً أن «هذه التغييرات استفزت الحلبوسي لأنه يعتبر المناصب جزءا من استحقاق المكون».
وأشار إلى أن «الاتفاق السياسي الذي تشكلت بموجبه الحكومة تضمن مطالب هامة لكافة المكونات، ومنها المكون السني، لذلك رئيس البرلمان يخوض جولات مكوكية بين قادة ائتلاف إدارة الدولة للإسراع بتنفيذ الفقرات المتفق عليها، وأبرزها يكمن في إقرار قانون العفو العام، والغاء هيئة المساءلة والعدالة، وتعويض السكان المتضررين، وكذلك هناك مطالب أخرى يسعى الحلبوسي جاهداً لتمريرها مثل تعديل قانون يشمل المغيبين وكذلك قضية جرف الصخر».
وعدّ الحكيم رئيس البرلمان بأنه «أصبح رأس الحربة في تنفيذ مطالب السنة وخاصة قانون العفو العام»، لافتاً إلى أن «الحلبوسي يعتقد في عام 2023 أنه إذا لم يصل السنة لمبتغاهم بالاتفاق السياسي ستتغير الخريطة السياسية، وبهذا الاعتقاد يلوح الحلبوسي بورقة الإقليم السني».
ووفقاً للمصدر ذاته فإن «القوى الشيعية تعتقد أن الحلبوسي تمدد وتضخم كثيرا وأكثر مما يجب، لذلك يحاولون أن يقفوا أمام بعض مشاريعه بأي طريقة ممكنه، بعدما تمرد على أغلب قيادات الصف الأول لدى المكون السني»، محذّراً في الوقت ذاته من «تكرار سيناريو العلاقة المتشنجة بين رئيسي الحكومة والبرلمان الأسبقين (المالكي والنجيفي) مع رئيسي البرلمان والحكومة الحاليين (الحلبوسي والسوداني). المشاكل والخلافات نفسها التي مرت آنذاك بين (النجيفي والمالكي)، الآن يعاني منها (السوداني والحلبوسي)»، حسب قوله.

تداعيات الخلاف

ويحذّر الحكيم من تداعيات الخلاف بين السوداني والحلبوسي قائلاً: «في ظل الخلافات بين كلا الطرفين التي تعد من أكبر التهديدات لزعزعة استقرار العراق، مثلما حدث مع ظهور داعش عام 2014، ما يستدعي للتوصل إلى حلول وسطية لمنع أي تهديد يزعزع استقرار العراق».
وليس ببعيد عما ذهب إليه الجابري والحكيم، أشّار الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، إلى وجود رغبة لدى الأطراف السياسية السنّية بـ»إضعاف» دور الحلبوسي ومكانته، غير إنه رجّح قرب «تصفير» الأزمة بين رئيسي الحكومة والبرلمان.
ويضيف لـ«القدس العربي»، أن «أسباب الخلاف بين السوداني والحلبوسي تعود إلى رغبة بعض الأطراف السنية بإضعاف دوره ومكانته السياسية لتعزيز نفوذها على حساب النفوذ الذي يتمتع به الحلبوسي، كونه زعيما سياسيا ورئيس مجلس النواب»، لافتاً أيضاً إلى إن «هنالك أطرافا شيعية لا ترغب في طرح مواضيع تتعلق بإعادة النازحين وقانون العفو العام وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة. هذه الأطراف غالبا ما تعتاش على الأزمات، على اعتبار أن الاتفاق السياسي الذي يشهده البلاد يضر بها».
وأكد أن «حالة الفوضى التي شهدتها حكومة مصطفى الكاظمي خلقت نوعا من التداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية»، غير إنه أوضح أن «الوضع العام يظهر أن الأزمة في طريقها إلى التصفير». وحسب البيدر فإن «موقف الإطار التنسيقي من الحلبوسي هو موقف متباين وغير مستقر، فأحياناً يكون معه وأحيانا يكون بالضد منه، لكن الإطار بشكل عام غير مرتاح له وتحركاته ويراه نداً قويا له، كما ان الحلبوسي يستثمر ذلك من خلال إمكاناته السياسية والبرلمانية». وبيّن أن «التحالف الشيعي لا يريد أن يرى أو يواجه شخصية سياسية سنية قوية»، موضحا أن «قوة الحلبوسي اليوم نابعة من عدم وجود أي وثائق لدى الإطار التنسيق الشيعي تُدينه، لذلك بعض الأطراف يريد ضرب التوافق السني من خلال إزاحة هذا الشخص وإيجاد عناوين افتراضية بديلة منه».
ورأى أيضاً أن «الإطاحة برئيس البرلمان محمد الحلبوسي ستؤثر على الحكومة ورئيس الوزراء أكثر من تأثيرها على الحلبوسي والبيت السني والمؤسسة التشريعية، وهذا أمر مستبعد»، مشيراً إلى أن «هناك شبه إجماع سني على الحلبوسي سياسيا وشعبيا، بالإضافة إلى وجود قناعة مطلقة لدى حلفاء الحلبوسي على المستوى الكردي، وحتى لدى بعض قوى الإطار التنسيقي، بأن غياب الحلبوسي سوف يؤدي إلى أزمة ويصعد الموقف».
وأضاف: «يجب أن لا ننسى بأن الحلبوسي هو زعيم سياسي وزعيم كتلة برلمانية تمتلك ثقلاً نيابياً يمكنه أن يغير الكثير في حال انضمامها إلى المعارضة، الأمر الذي من شأنه أن يشكل عبئا على الحكومة»، مستبعداً أن «يتم تغيير الحلبوسي، كما استبعد أن يكون هنالك بديل منه على المستوى النيابي».
ومضى يقول: «إذا ذهبنا الى فرضيه تغيير الحلبوسي فإن البيت السني لا يمتلك مثل هذه الشخصية تحت قبة البرلمان، على اعتبار ان بديل الحلبوسي يجب ان يكون عضوا في مجلس النواب. الصقور (في إشارة الى الزعامات السياسية السنية) ذهب بعضهم الى الوزارات فيما لم يتمكن البعض الأخر من شغل مقعد برلماني».

التهدئة

ويبدو أن الأزمة بين السوداني والحلبوسي التي تتمحور حول تشريع قانون الموازنة الاتحادية، بدأت تأخذ طريقاً نحو التهدئة، عقب اجتماع قادة ائتلاف «إدارة الدولة» في منزل زعيم تحالف «السيادة» السنّي، خميس الخنجر، وبحضور رؤساء الحكومة والبرلمان، أول أمس، تضمّن بحث الملفين الحكومي والنيابي والملفات الخدمية والاقتصادية والأمنية و السياسية، حسب بيان صحافي.
وطبقاً للبيان فإن التحالف أكد أهمية «إقرار الموازنة الاتحادية وإطلاق المشاريع والبرامج الحكومية، وأعلن الائتلاف يوم (10 أيار/ مايو الجاري) كحد أخير لحسم النقاشات حول بنود الموازنة»، مشددين على «التزامهم بموعد الانتخابات المحلية نهاية العام الحالي».
كما بحث المشاركون «بنود الاتفاق السياسي وبذل الجهود القصوى لتنفيذ البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري»، على حدّ البيان.

وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب