كريستينا روسيتي: سيرة شعرية في قلب العصر الفيكتوري

كريستينا روسيتي: سيرة شعرية في قلب العصر الفيكتوري
ترجمة وتقديم شاكر لعيبي
كريستينا روسيتي (Christina Rossetti) (1830 – 1894) واحدة من أهم الشعراء البريطانيين في العصر الفيكتوري. وُلدت عام 1830 في لندن في شارع شارلوت (شارع هالام حاليا). كان والدها، غابرييل روسيتي، شاعرا ومنفيا سياسيا أصيل مدينة نابولي الإيطالية، وكانت والدتها، فرانسيس بوليدوري، شقيقة جون بوليدوري، صديق وطبيب اللورد بايرون. نشر جدها، جيتانو بوليدوري، صاحب مطبعة خاصة، أولى أشعارها. وهي الأخت الصغرى لكل من دانتي غابرييل روسيتي الشاعر الرسام والمترجم، وويليام مايكل روسيتي الكاتب والناقد الأدبي، وماريا فرانشيسكا روسيتي الأديبة والناقدة.
كانت كريستينا طفلة مليئة بالحيوية. أملت (قصتها) الأولى على أمها قبل أن تتعلم الكتابة. تلقت تعليمها في المنزل على يد والديها اللذين قاما بتدريسها الأعمال الدينية وكلاسيكيات الأدب الإنكليزي. كانت تقدر بشكل خاص أعمال جون كيتس ووالتر سكوت وآن رادكليف وماثيو لويس. كان تأثير أعمال دانتي وبترارك وغيرهما من الكتاب الإيطاليين البارزين في مكتبة العائلة عميقا على كتاباتها اللاحقة. سمحت منازل العائلة في بلومزبري، في 38 شارع شارلوت وبعد ذلك 50، لكريستينا بزيارات منتظمة لمتحف مدام توسو وحديقة حيوان لندن وحديقة ريجنت بارك التي تم يومها افتتاحها حديثا.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، واجهت عائلتها صعوبات مالية شديدة بسبب تدهور الصحة البدنية والعقلية لوالدها. في عام 1843، تم تشخيص حالته المرضية بالتهاب شعبي مزمن وربما بمرض السل. تخلى لذلك عن وظيفته التدريسية في كينغز كوليدج وتوفي في عام 1854. ثم تولت والدتها العمل بالتدريس لإبعاد الأسرة عن شبح الفقر فأصبحت مربية [مدبرة منزل]، وهو الأمر الذي كانت كريستينا لا تحبذه. في هذا الوقت، باشر شقيقها ويليام العمل أيضا، بينما كانت غابرييل تتردد على مدرسة الفنون، مما ترك كريستينا في المنزل بعزلة متزايدة. عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، أصيبت بانهيار عصبي وتركت المدرسة. وتبع ذلك عدة نوبات من الاكتئاب. خلال هذه الفترة، أصبحت هي ووالدتها وأختها من المهتمات بالحركة الإنكلو كاثوليكية التي كانت تتطور في إنكلترا. لعبت الديانة المسيحية دورا رئيسيا في حياة الشاعرة وأعمالها.
فسخت خطوبتها عام 1850 من الرسام جيمس كولينسون James Collinson (1825 –1881)، أحد الأعضاء المؤسسين للمجموعة الفنية الطليعية المسماة، «جماعة ما قبل الرافائيلية» (تأسست عام 1848) عندما عاد إلى الكاثوليكية. وفي وقت لاحق، دخلت في علاقة مع اللغوي تشارلز كايلي Charles Cayley (1823-1883)، لكنها رفضت الزواج منه لأسباب دينية. ثم رفضت عروض الرسام جون بريت John Brett (1831 – 1902) للزواج.
كانت كريستينا موديلا للعديد من اللوحات التي رسمها شقيقها الأكثر شهرة. في عام 1849 أصيبت ثانية بمرض خطير، حيث عانت من الاكتئاب، وفي حوالي عام 1857 عانت من أزمة دينية عقائدية كبرى.
بدأت كريستينا روسيتي كتابة قصائدها ووضع التواريخ عليها مند العام 1842، وكانت في الغالب تقلد شعراءها المفضلين. منذ عام 1847، كانت تقوم بتجربة أشكال مختلفة من الشعر مثل السوناتات والترانيم والقصائد الغنائية؛ وكتبت قصصا مستلة من الكتاب المقدس والحكايات الشعبية وحياة القديسين.غالبا ما تضمنت مسرحياتها الشعرية المبكرة تأملات حول الموت والخسارة، في سياق التقاليد الرومانسية الصافية. في عام 1848، وفي سن الثامنة عشرة، نشرت أول قصيدتين لها (برودة الموت بينهما وبرودة القلب بينهما)، ظهرتا في المجلة الأدبية والسياسية «أثينيوم» تحت الاسم المستعار إيلين ألين، ثم ساهمت من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان عام 1850 بسبع قصائد في مجلة ما قبل الرفائيلية (The Germ = البذرة، الأصل، الجرثومة). وكانت تلك المجلة دورية أسستها جماعة ما قبل الرافائيلية للترويج لأفكارها، وكان يحررها ويليام مايكل روسيتي. تمت إعادة تسميتها إلى «الفن والشعر»، لتقدم تفكيرا وتأملات في الطبيعة. لم تعش الصحيفة إلا أربعة أعداد بين يناير وأبريل 1850.
تظل مجموعة كريستينا الشعرية ـ السردية الأكثر شهرة هي «سوق العفريت وقصائد أخرى»، التي نُشرت عام 1862، عندما كانت تبلغ من العمر 31 عاما. وقد نالت إشادة النقاد، مما جعلها الشاعرة الأبرز في عصرها. وفيها تستحضر العفاريت، الشخصيات الفنتازية في أساطير الجنيات الإنكلو سكسونية. على الرغم من أن القصيدة تدور ظاهريا حول مغامرات أختين، لورا وليزي مع العفاريت، إلا أن النقاد فسروها بطرق مختلفة: فقد رأوها عملا رمزيا للإغراء والخلاص حينا، ونقدا لمكانة المرأة في إنكلترا الفيكتورية حينا؛ وعملا عن الرغبة الجنسية والخلاص الاجتماعي أحيان أخرى. عملت روسيتي متطوعة من عام 1859 إلى عام 1870 في دير ماجدالين في هايغيت، وهو ملجأ للعاهرات السابقات، ويُقترح أحيانا أن تكون «سوق العفاريت» مستوحاة من أجواء «العاهرات» اللواتي عرفتهن.
اشتهرت بمواقفها الملتزمة والطليعية، فهي سلمية، معارضة للقسوة على الحيوانات ومعارضة للعبودية والدعارة، ولصالح حق المرأة في التصويت. يتكرر في جميع شعرها موضوع آنية الأشياء المادية، كما موضوع تعاسة الاستسلام في حب مشبوب تعيش. نشرت قصيدتها «الحب يهبط في عيد الميلاد» عام 1885. وعندما طُلب منها أن تصف التأثيرات الشعرية التي ساهمت بتكوينها، قالت روسيتي في رسالة إلى الشاعر والناقد إدموند جوس Edmund Gosse (1849 – 1928) في السادس والعشرين من شهر مارس/آذار 1884: «إذا كان هناك شيء جذبني نحو الشعر، فربما كانت الحرية اللذيذة التي أشعر بها عندما أتجول بمفردي في حدائق جدي، على بعد عشرين ميلا من لندن».
في قصيدتها «زوجة لزوجها»، اعتمدت الشكل المدور roundel بالدلالة الإنكليزية للمصطلح، متبنية هذا الشكل الشعري الذي هو تنويع على الروندو rondeau [قصيدة ذات ثلاثة عَشَرَ بيتا]، ابتكره الشاعر والناقد ألجيرنون سوينبيرن Algernon Charles Swinburne (1837 ـ 1909) الذي أهدت له بعد ذلك مجموعتها «قرن من الأشكال المدورة» A Century of Roundels. والمدور (لا ينبغي الخلط بينه وبين الرونديلا أو الروندو أو التدوير في شعرنا العربي) شكل من أشكال القصيدة الإنكليزية يتكون من تسع أبيات، كل منها يحتوي على عدد المقاطع نفسها، مضاف إليها مقطع موسيقي بعد البيت الثالث وفي القفلة النهائية. يجب أن تكون اللازمة مطابقة لبداية البيت الأول، وهو أقصر من الأبيات الأخرى ويتوافق مع الثاني منها. الشكل يتكون من ثلاثة مقاطع، بالبنية التالية: A B A R ؛ B A B ؛ A B A R ؛ حيث R هي اللازمة.
من قصائدها الشهيرة: «في استوديو الفنان» التي تعتبر مثالا موفقا لسوناتة بتراركية. تصور فنانا وهوسه بامرأة. يرسمها مرارا وتكرارا، متخيلا إياها كل مرة شخصا مختلفا في مواقف متنوعة. وبينما يحدق في صورتها التي أبدعها، تحدق فيه بدورها. وقصيدة «جمع التفاح» التي هي استعارة مطولة تصف الصعوبات التي تواجهها المرأة عندما تفقد عذريتها: إنها تقطف أزهار شجرة التفاح قبل أن تُثمر. تقوم الشخصية الرئيسية بهذا القطاف، وتقع في اكتئاب عميق مدمرة حياتها؛ فلن يرغب أحد في الزواج منها أو حتى الارتباط بها اجتماعيا. هذه القصيدة لها معنى إضافي ارتباطا بالوقت الذي قضته روسيتي في مساعدة النساء اللاتي كن في حالة الدعارة.
أما قصيدة «سوق العفاريت» فهي بلا شك أشهر القصائد السردية لروسيتي، وأطول من معظمها. وتدور أحداثها حول أختين، غالبا ما يتم وصفهما بأنهما تعانيان من توتر جنسي كامن، حيث تنجذب إحداهما إلى العفاريت التي لا يُفترض أن تتفاعل معها.
ثم قصيدتها «في منتصف الشتاء الكالح»، واحدة من أكثر ترانيم عيد الميلاد الإنكليزية المحبذة. تصف ولادة الطفل المسيح والزوار الذين وصلوا إلى المذود. وكذلك قصيدة «مثل رغوة على سطح الهاوية» المليئة بالصور الغنية التي تصور قدرة الله على لمس كل جزء من العالم، وتنتهي بأن الله هو مركز كل الأشياء.
في السنوات الأخيرة من حياتها عانت من مرض غريفز وهو نوع من النشاط المفرط للغدة الدرقية الذي تم تشخيصه لديها عام 1872، وتعرضت لنوبة قاتلة في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر. في عام 1893 أصيبت بسرطان الثدي، ورغم إزالة الورم، فإنها عانت من انتكاسة في سبتمبر/ايلول 1894. توفيت في بلومزبري في 29 ديسمبر/كانون الأول 1894 ودُفنت في مقبرة هايغيت. توجد لوحة تذكارية على واجهة مبنى تورينغتون سكوير حيث توفيت.
رغم أنها عاشت في ظل أخيها لفترة طويلة، فإنها تعتبر اليوم شاعرة عظيمة من العصر الفيكتوري، خاصة منذ نشر المقالات التي خصصتها لها الروائية البريطانية فرجينيا وولف.
من أعمالها:
سوق العفاريت وقصائد أخرى (1862). راهب مجهول الاسم (1865). مسيرة الأمير وقصائد أخرى (1856). شيء عادي (1870). لنغن معا: كتاب أغنيات الأطفال (1872، 1893). الحب يهبط في عيد الميلاد (1885). أشعار (1893). قصائد جديدة (1895). الزمرد أخضر كالعشب (1872). الصعود (1887).
«قصيدتان لكريستينا روسيتي
1 في مشغل رسام
وجه واحد يطل من كل لوحاته،
المظهر نفسه يجلس أو يمشي أو يتكئ:
وجدناها مختبئة خلف تلك الحواجز،
هذه المرآة أعادت لها جمالها كله.
ملكة في ثوب من العقيق أو الياقوت،
فتاة بلا اسم في أجمل ألوان الصيف،
قديسة، ملاك – كل لوحة تعني
المعنى نفسه، لا أكثر ولا أقل.
هو يتقوت من وجهها ليل نهار،
وهي تنظر إليه بعينين طيبتين حقيقيتين،
جميلة كالقمر ومبهجة كالنور:
ليست شاحبة بالانتظار، ولا خافتة بالحزن؛
ليست كما هي، بل كما كانت عندما أشرق [فيها] الأمل؛
ليست كما هي، بل هي كما تملأ حلمه.»
2 عن [الشاعر] كيتس
حديقة في حديقة: بقعة مخضرة
حيث كل شيء أخضر: المكان الأكثر ملاءمة لنوم
الرجل القوي الذي سئم من السباق
الذي سينتهي قريبا. لقد تدلى له مصير جيد
في أرض خصبة؛ لا توجد أشواك،
ولكن ثمة الأزهار خاصته: الصمت، المليء بالنعمة،
الذي ألقى يقينا هدوءا على وجهه:
إن أرضه ليست سوى أوراق عذبة تتساقط وتتعفن.
ما هو تقييمه لنفسه قبل أن
يرحل عنا؟ هنا يرقد شخص كتب اسمه
على الماء: ترفرف الظلال الباردة
في عشية القديسة أغنيس الحلوة؛ بينما ينبت الريحان،
سيكون اسمه في كل قلب متواضع يغني،
سيكون نافورة حب حقة».
إشارات:
«عشية القديسة أغنيس» [أو أنييس] هي قصيدة سردية رومانسية مكونة من 42 مقطعا سبنسريا، تدور أحداثها في العصور الوسطى. كتبها جون كيتس في عام 1819 ونُشرت في عام 1820. اعتبر العديد من معاصري كيتس، وكذلك من الفيكتوريين الذين جاءوا بعده، القصيدة واحدة من أفضل أعماله. والقديسة أغنيس الرومانية (Agnes of Rome) هي قديسة عذراء شهيدة ومبجلة في الكنيسة الرومانية الكاثولكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والمجموعة الأنجليكانية واللوثرية، وهي واحدة من 7 نساء مطوبات في المسيحية مع مريم العذراء. أغنيس قديسة شفيعة للعفة وزراعة الحدائق والفتيات والمخطوبين وضحايا الاغتصاب والعذارى، وتشتهر في رسوماتها مع حَمَل، ومن كلمة الحَمَل باللغة اللاتينية agnus يجيء اسمها، ولدت سنة 291 وماتت قتلا سنة 304 عن عمر صغير، 13 سنة.
أما إدموند سبنسر (1552 ـ 1599) فهو شاعر من العصر الإليزابيثي، يرتبط اسمه شعريا بشكل من أشكال المقاطع، يسمى المقطع السبنسري، ويتألف من عُشَارِي الْمَقَاطِع décasyllabes واسكندري alexandrin. تم استخدام هذا المقطع من قبل الشعراء الرومانسيين الإنكليز المشهورين في القرن التاسع عشر: كيتس وشيللي واللورد بايرون.
* شاعر وباحث عراقي