تحقيقات وتقارير

سوريا: عقوبات أوروبية «بلا جدوى» على قادة وفرق عسكرية

سوريا: عقوبات أوروبية «بلا جدوى» على قادة وفرق عسكرية

منهل باريش

 يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.

أعلن الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الفائت، عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا والتي بدأ الاتحاد فرضها على نظام الأسد منذ أيار (مايو) 2011، وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان الاتحاد في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، تعليق عقوباته على قطاعات الطاقة والتمويل والطيران.
وجاء في بيان نشره مجلس الاتحاد الأوروبي على موقعه الإلكتروني، أنه اعتمد على قرارات قانونية «ترفع جميع القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا»، إلا أنه استثنى القيود المبنية على «دواعٍ أمنية»، ولفت مجلس الاتحاد في بيانه إلى أن قرار رفع العقوبات شمل أيضاً «24 كياناً من قائمة الاتحاد الأوروبي للجهات الخاضعة لتجميد الأموالـ«، ومن هذه الكيانات مصرف سوريا المركزي، وقطاعات رئيسية تساهم في إنعاش الاقتصاد السوري، مثل شركات إنتاج النفط وتكريره، وشركات اتصالات ووكالات إعلام وقنوات تلفزيونية سورية.
وقال المجلس في البيان إن قرار رفع العقوبات يهدف إلى «دعم الشعب السوري في إعادة توحيد وبناء سوريا جديدة، شاملة وتعددية ومسالمة».
وفي السياق ذاته، مدد الاتحاد الأوروبي قوائم العقوبات على الكيانات والأفراد المرتبطين بنظام الأسد حتى مطلع حزيران (يونيو) من العام المقبل 2026، وذكر البيان أن هذا التمديد يتماشى مع دعوة الاتحاد الأوروبي إلى «المساءلة، ودعمه للانتقال السلمي».
إلا أن إعلان الاتحاد رفع العقوبات ترافق في الوقت نفسه مع فرض عقوبات على ثلاثة كيانات هي «لواء السلطان سليمان شاه» الذي أسسه وكان يقوده محمد حسين الجاسم «أبو عمشة»، وفرقة الحمزة التي أسسها وكان يتولى قيادتها حسين بولاد المعروف بلقب «سيف أبو بكر»، وفرقة «السلطان مراد» التي أسسها وكان يقودها فهيم عيسى، والذي يتولى في هذه المرحلة منصب نائب وزير الدفاع السوري.
الجدير بالذكر، أن العقوبات استهدفت كلاً من العميدين محمد الجاسم وسيف بولاد، وفصيليهما، إلا أنها استهدفت فرقة السلطان مراد ككيان بدون أن تُفرض على قائد الفرقة فهيم عيسى أي عقوبات. وبعد سقوط نظام الأسد، وبدء إدارة الرئيس أحمد الشرع الحالية تنظيم الفصائل المسلحة ودمجها ضمن وزارة الدفاع والجيش السوري الجديد، منح كلٌ من الجاسم وبولاد رتبة عميد، وتولى محمد الجاسم قيادة الفرقة «62» والتي من المفترض أن يكون نطاق انتشارها في محافظة حماة، ومنح سيف بولاد قيادة الفرقة «76».
وقال مجلس الاتحاد الأوروبي في هذا السياق، إنه فرض ما وصفها بـ«تدابير تقييدية جديدة بموجب نظام العقوبات العالمي لحقوق الإنسان التابع للاتحاد الأوروبي، تستهدف فردين وثلاثة كيانات بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما يتصل بموجة العنف التي اندلعت في منطقة الساحل السوري في آذار (مارس) الماضي».
وأضاف الاتحاد الأوروبي في بيانه تفصيل أسباب العقوبات المفروضة على الكيانات والأشخاص، شارحا عقوباته على محمد الجاسم أنها جاءت بسبب، «مشاركة لواء السلطان سليمان شاه، بقيادته، في أعمال عنف بالساحل السوري، ونتيجة استهدافه مدنيين وخاصة من الطائفة العلوية، بما في ذلك جرائم قتل تعسفية بحق المدنيين، في آذار (مارس)»، وحمل الاتحاد الأوروبي الجاسم مسؤولية ارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «القتل التعسفي».
بدوره نفى محمد الجاسم «أبو عمشة»، عبر وسائل التواصل الخاصة به، ارتكابه وفصيله أي انتهاكات، واصفًا عناصر لواءه بالمدربين والحذرين من الوقوع في أي مكائد، إلا أنه لم ينتقد العقوبات بنفس الحدية التي انتقد بها عقوبات «وزارة الخزانة» التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي فرضت عليه في آب (أغسطس) 2023، حيث وصفها حينها بأنها مرتبطة بـ «توجهات سياسية» ولا ترتبط بأي انتهاكات لحقوق الإنسان.
بموازاة ذلك، اعتبر الاتحاد الأوروبي سيف بولاد، مسؤولاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك «تعذيب مدنيين وقتلهم تعسفيا». وجاء في بيان مجلس الاتحاد، أن فرقة الحمزة بقيادة بولاد شاركت في آذار (مارس) الفائت في «أعمال العنف في المنطقة الساحلية السورية، مستهدفةً المدنيين، وخاصةً الطائفة العلوية، بما في ذلك ارتكاب أعمال تعذيب وقتل تعسفي بحق المدنيين».
ولفت البيان إلى أن «فرقة الحمزة» بقيادة سيف بولاد أبو بكر كانت «طوال فترة الحرب الأهلية السورية، مسؤولة عن العديد من أعمال التعذيب في مراكز الاحتجاج التابعة لها، والتهجير القسري للمدنيين، وبشكل خاص في منطقتي حلب وعفرين».
وتأتي هذه العقوبات بالتزامن مع انفتاح دول الاتحاد الأوروبي على الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بسبب ما وصفه مجلس الاتحاد الأوروبي بمسؤولية الكيانات الثلاثة، والشخصين عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت في الساحل السوري في آذار (مارس) من العام الجاري.
وحول القرار قال الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محسن المصطفى إن العقوبات «تأتي ضمن إطار تحميل المسؤولية عن الانتهاكات التي تم ارتكابها في الساحل السوري» ورأى انها «رسالة للحكومة السورية منعاً لتكرار أي انتهاكات بالساحل أو بغيرها من المناطق مستقبلاً»، وخفف المصطفى من معناها «لم تعد بذات الأهمية خصوصا أن هذه المجموعات ستختفي وتندمج ضمن وزارة الدفاع» معتبرا أن العقوبات المفروضة هي «تحصيل حاصل».
وفي إطار عملية إعادة تركيب الجيش السوري، يسهل وضع العميدين على لوائح العقوبات الأوروبية على اضعاف نفوذهما داخل الجيش السوري المعاد تشكيله،  وتحجيم نشاط القادة المذكورين، وهو ما يساعد وزارة الدفاع في وقت لاحق على إحالتهما إلى التقاعد وإخراجهما من ملاك الوزارة وقيادة الفرقتين.
وكثيرا ما اعتبرت الفرق الثلاثة أعلاه، بمثابة الطفل المدلل لتركيا والتي اعتمدت عليها في معاركها الخارجية، حيث دفعت بهم إلى لبيبا للقتال ضد قوات الجيش الليبي الذي يقوده اللواء حفتر، وأحدث المقاتلون السوريون فرقا في معارك صد الهجوم وحصار مدينة طرابلس وكانوا ثقلا بالهجوم ضد اللواء حفتر والقوى المتحالفة معه عام 2019.
ورغم ترفيع القائدين المذكورين، اعتمدت وزارة الدفاع منهج تفكيك الفصائل وإخراجها من منطقة درع الفرات التي اعتبرت حاضنتها التاريخية منذ تأسيسها عام 2016 لتقاتل تنظيم الدولة الإسلامية بريف حلب الشمالي. وقامت بتوزيع عناصرها حسب المنطقة الجغرافية في كثير من المناطق ورغم انها ليست قاعدة عامة، فقد ساعدت بقطع الولاء بين العناصر وقادتهم في الجيش الوطني وبنت علاقة جديدة بينهم وبين الفرق المؤسسة جديدا.
والملاحظ من القرار، تجنب الاتحاد الأوربي وضع العميد فهيم عيسى على لوائح العقوبات وإبقاء فرقته «السلطان مراد»، وهوما يعزز أن القرار جاء بعد مشاورة عميقة مع أنقرة لتحميل جهة محددة الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري ضد العلويين. حيث يساعد القرار بالخروج من المآزق وإعطاء فرصة لإدارة الشرع لترتيب أوراقها الداخلية وخصوصا على الصعيد العسكري، والخلاص من ملف الجيش الوطني تدريجيا ودمج فصائله بالجيش السوري الجديد.
كما استثنى القرار الأوروبي أسماء الفرق الجديدة في الجيش السوري التي يقودها أبو عمشة وسيف أبو بكر وهو ما يعني فعليا أن القرار جاء بمثابة إرضاء لبعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي. والجدير بالذكر، أن القرار تجنب اعتراض إدارة الشرع بأي شكل من الأشكال، ولعل التمعن بالقرار يجعلنا ندرك أنه جاء في صالح الإدارة السورية الجديدة بشكل لا لبس فيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب