روسيا تنفذ أسوأ هجوم على أوكرانيا منذ بداية الحرب وتصنع مئة درون إيراني في اليوم

روسيا تنفذ أسوأ هجوم على أوكرانيا منذ بداية الحرب وتصنع مئة درون إيراني في اليوم
حسين مجدوبي
ترمي روسيا من خلال استراتيجيتها الجديدة إلى الرهان أكثر على حرب عن بُعد باستخدام طائرات مسيّرة ذات قدرة تدميرية عالية وتكلفة منخفضة، بهدف إنهاك أوكرانيا ودفعها إلى الاستسلام التدريجي.
بدأت روسيا ترفع من وتيرة القصف لكي تجبر كييف على قبول الأمر الواقع والاستسلام ولو بطريقة غير مباشرة، وهكذا، فقد شنت ليلة 25 ايار/مايو هجوما بأكثر من 350 طائرة مسيرة و69صاروخا باليستيا، الأمر الذي يعتبر منعطفا في هذه الحرب ورقما قياسيا. ويضاف إلى هذا ما أوردته «ذي إيكونوميست» بأن روسيا تصنع أكثر من مئة درون «الشاهد» الإيراني في اليوم وقد تصنع 500 يوميا لأن قدرتها الصناعية لم تتأثر بهذه الحرب.
وفي الوقت الذي تدخل فيه الحرب عامها الرابع، يبدو أن موسكو لا تزال تُمسك بأوراق استراتيجية لم تُستخدم بعد بالكامل. فرغم امتلاكها ترسانة ضخمة من الأسلحة بعيدة المدى والتقنيات الفتاكة، إلا أن استخدامها حتى الآن بقي محدودًا، في ما يبدو أنه تحسّب مدروس لأي انفجار إقليمي أوسع ومنها حرب ضد الغرب.
لكن هذا لا يعني أن روسيا تلتزم سياسة ضبط النفس بالكامل. على العكس، فهي ترفع تدريجيًا من وتيرة الضربات الجوية والصاروخية، مستهدفة منشآت استراتيجية وبنى تحتية في عمق الأراضي الأوكرانية، في ما يعرف بتكتيك «تصعيد القوة النارية»، وهو نهج يهدف إلى إنهاك القدرات الدفاعية للخصم بدون اللجوء إلى كسر قواعد الاشتباك الكبرى. ويبقى هجوم 25 ايار/مايو الجاري العنوان البارز لهذه الاستراتيجية.
ولعل المنعطف في هذه الحرب بل في الحروب حتى الآن هو تنفيذ هجوم بـ 355 طائرة درون من صنع روسي وإيران ضد أهداف أوكرانية في عشرات المدن في البلد ليلة 25 ايار/مايو، في ليلة واحدة وعلى مدار ساعات قليلة. وترتب عن هذا أن أنظمة الدفاع الجوي الأوكراني بقيت عاجزة عن مواجهة هذا الكم الهائل. وكانت روسيا قد شنت منذ قرابة سنة هجوما بـ 30 مسيرة في ليلة واحدة، لكن هذه المرة بـ 355 دفعة واحدة. ويعتبر هذا الهجوم الأسوأ من نوعه منذ بداية الحرب، وتجاوز ضربة ليلة 24 شباط/فبراير 2022، اليوم الأول من الحرب، عندما أرادت موسكو إحداث الصدمة وسط القيادة الأوكرانية في كييف.
وأكد العقيد دينيس سماجني، المتحدث باسم الدفاع الجوي الأوكراني، أن طائرات «شاهد» المسيّرة في نسختها الجديدة باتت تستخدم تكتيكات طيران متقدمة. فهي تطير الآن على ارتفاع منخفض قبل أن ترتفع فجأة إلى ما بين 2000 و2500 متر عند وصولها إلى المناطق الحضرية، ما يجعلها خارج نطاق العديد من وسائل الدفاع قصيرة المدى. وقد فرض هذا التطور التكتيكي على أوكرانيا استخدام طائرات مسيّرة اعتراضية، ومروحيات، ومقاتلات مثل طائرة F-16 للتصدي لها، ورغم ذلك تبقى عملية اعتراضها ضعيفة وأحيانا صعبة.
مفاوضات قبل فوات الآوان
وترمي روسيا من خلال هذه الاستراتيجية الجديدة إلى الرهان أكثر على حرب عن بُعد باستخدام طائرات مسيّرة ذات قدرة تدميرية عالية وتكلفة منخفضة، بهدف إنهاك أوكرانيا ودفعها إلى الاستسلام التدريجي. وتسعى موسكو إلى إيصال القيادة الأوكرانية إلى قناعة مفادها أن استمرار الحرب لن يجلب سوى المزيد من الدمار، وأن القبول بشروط روسيا، مع الحفاظ على ما تبقى من البنية التحتية في البلاد، أفضل من الاستمرار في الحرب وقبول السلام بشكل متأخر بعدما تكون البلاد قد تعرضت لدمار شبه كامل خاصة المنشآت الحيوية.
ورغم حديث أوروبا عن دعم عسكري مستمر لأوكرانيا، ومن ضمن ذلك تلويح برلين بتزويد القوات الأوكرانية بصواريخ تورس المتطورة والتي يبلغ مداها 500 كلم والترخيص بضرب أراض روسية، إلا أن أوروبا الآن ترغب في السلام ولو بالشروط الدنيا لأن هذه الحرب أنهكت أوكرانيا، وتقلص من الذخيرة الحية لأوروبا بعدما تراجع المخزون الاستراتيجي. ولهذا يتم الرهان على قمة تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلاديميرو زيلنسكي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ربما في تركيا، غير أن بوتين يشترط ضرورة توصل وفدي البلدين إلى نتائج ملموسة قبل اللقاء الرئاسي الذي يجب أن يقود إلى اتفاقية هدنة حقيقية تليها اتفاقية سلام.
الأخطر في هذا السياق، أن هذا التصعيد في الإنتاج لا يأتي من فراغ، بل يعكس متانة القاعدة الصناعية الروسية، والتي – على عكس ما كان متوقعًا – لم تتراجع بفعل الحرب، بل نَمَت وتطورت، في مؤشر لافت على إعادة توجيه الاقتصاد الروسي نحو أولويات عسكرية طويلة الأمد.
هذا التحول يثير تساؤلات كبيرة حول قدرة الدول الغربية على مجاراة هذا النسق التصنيعي الروسي المتسارع، ويطرح فرضيات جديدة حول طبيعة الحروب المستقبلية ودور المسيّرات في إعادة رسم خرائط التفوق العسكري لاسيما في حالة إنتاجها بشكل كبير كما يحدث الآن مع روسيا، وقد يكون الوضع أخطر في حالة الصين.
ـ «القدس العربي»: