تحقيقات وتقارير

المفاوضات الأمريكية-الإيرانية: عتمة «الغرف المغلقة» تحجب الرؤية والتقييم… لكن الوقت ينفد

المفاوضات الأمريكية-الإيرانية: عتمة «الغرف المغلقة» تحجب الرؤية والتقييم… لكن الوقت ينفد

رلى موفّق

سبق لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن حذَّر الترويكا الأوروبية من تفعيل آلية الزناد، مشيراً إلى أن لدى طهران خيار الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.

في التاسع من حزيران/يونيو الجاري، يبدأ الاجتماع الدوري لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث التقارير الفصلية للوكالة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، في وقت تخوض أمريكا وإيران مفاوضات غير مباشرة بوساطة عُمانية بلغت خمس جلسات، آخرها كانت في 23 أيار/مايو الماضي في روما، وانتهت بحسب وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي «بتحقيق بعض التقدُّم، ولكن ليس بشكل حاسم»، آملاً «في توضيح القضايا المتبقية في الأيام المقبلة، لتتمكن من المضي قدماً نحو الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى اتفاق مستدام ومُشرِّف». ليس واضحاً ما إذا كانت الجولة السادسة، التي لم يُعلن بعد عن موعدها، ستُعقد قبل اجتماع مجلس المحافظين وتُحقق «خرقاً كبيراً» يقطع الطريق على ما قد يَنتج عن ضغط تستعد القوى الغربية، حسب وكالة «رويترز»، لممارسته على مجلس محافظي الوكالة «لإعلان عدم امتثال إيران لالتزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي».
وإعلان عدم الامتثال سيكون خطوة تصعيدية كبرى بوصفها تفتح الباب أمام تفعيل «آلية الزناد» (سناب باك)، وهي آلية مُدرجَة ضمن الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015)، تمنح أي دولة طرف في الاتفاق، ضمن 10 سنوات من توقيع الاتفاق عام 2015، الحق في اللجوء إليها لإعادة فرض عقوبات على إيران. ويكتسب الأمر تعقيداً وخطورة نظراً إلى أن خيار تفعيل هذه الآلية ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ما يعني أن ثمة سباقاً مع الوقت لاستخدام ما لدى الأطراف الغربية من أوراق قوة وضغط قبل أن تنتهي «آلية العودة السريعة»، والتي لا يصبح ممكناً بعد ذلك تفعيلها لإعادة فرض العقوبات تلقائياً. سبق لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن حذَّر «الترويكا الأوروبية» (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) من أن طهران سترد بقوة إذا تمَّ تفعيل آلية الزناد، مشيراً إلى أن لدى طهران خيار الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
كل ما يجري وسيجري يندرج في إطار شدّ الحبال بين واشنطن وحلفائها، وبين طهران وحلفائها، في خضم المفاوضات الجارية للتوصل إلى حل أزمة الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 في ولايته الأولى، ما أعطى إيران ذريعة لرفع مستوى التخصيب بنسب تفوق الاتفاق الذي ينصُّ على نسبة 3.67 في المئة، والحصول على مخزون من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60 في المئة، واللجوء إلى أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ما قرَّبها من أن تكون «دولة على حافة العتبة النووية»، بمعنى انه أعطاها القدرة على «الهروب النووي» سريعاً، وهو مصطلح يُعَبِّر عن اللحظة التي تُقرِّر فيها دولة تمتلك برنامجًا نوويًا سلميًا أن «تهرب» من التزاماتها وتبدأ بسرعة في تطوير سلاح نووي. تُشير بعض التقارير الدولية إلى أن إيران قد تصل إلى «قدرة الهروب النووي» خلال أسابيع أو أشهر، إن قررت تجاوز القيود الدولية المفروضة على برنامجها النووي.
ما الذي نملكه من معلومات حول واقع التفاوض الأمريكي-الإيراني؟ في حقيقة الأمر، ليست هناك معلومات عما يجري فعلياً في الغرف المغلقة. يحافظ الطرفان الأمريكي والإيراني على قدر كبير من سرية المناقشات، وما يعلنان عنه لا يعدو كونه توصيفات عامة لا تعكس فعلياً حجم الاتفاق ولا حجم الاختلاف، ولا طبيعة المناقشات وما إذا كانت تُركِّز على الجانب التقني، أو جانب الضمانات، أو رفع العقوبات الكليّ والإفراج عن الأموال المحتجزة، أو على تفاصيل اقتصادية واستثمارية لما بعد انجاز الاتفاق. خارج الغرف المغلقة والعتمة التي تلفها، تتوالى التصاريح من هنا والردود من هناك، وهي تتراوح بين «القنابل الصوتية» و«العصا والجزرة» و«جس النبض» و«الضغوط القصوى» و«الإغراءات» والتهديدات وما يقابلها من تهديدات مضادة. كل ذلك يحصل في الفضاء الإعلامي وأمام الكاميرات، فيما التفاوض يحصل في العتمة، وهي العتمة التي حصلت فيها مفاوضات إدارة باراك أوباما في زمن حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ليتفاجأ العالم بالإعلان عن الاتفاق. ففي آخر تصريحاته، خرج ترامب ليعلن أن المفاوضات تسير «بشكل جيّد للغاية» ويمكن أن تؤدي إلى «نتيجة معقولة». و«قد تُفاجأون مما سيحدث. سيكون ذلك جيدًا جدًا لهم، وقد يتمكنون من بناء دولة عظيمة في المستقبل». وفي التصريح نفسه يتحدث عن «نتيجتين محتملتين فقط: نتيجة ذكية ونتيجة عنيفة، ولا أعتقد أن أحداً يريد رؤية النتيجة الأخيرة». ويتحدث بوجوب أن تتمكّن الولايات المتحدة من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، وأن يكون لها الحق في «تدمير» أي بنية تحتية تختارها، في حال تم التوصل إلى اتفاق جديد. هذا فيما يُشير الموقف الأمريكي إلى التمسك بصفر تخصيب داخل إيران. في المقابل، إيران تؤكّد تمسكها بالتخصيب، في إطار برنامج نووي سلمي. وآخر مواقفها جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني، سعيد خطيب ‌زاده، الذي اعتبر أن الاتفاق النووي يمكن أن يكون قريباً إذا قبلت واشنطن بثلاثة شروط أساسية هي: التخلّي عن سياستها القديمة بعدم احترام حقوق الشعوب الأخرى، بما فيها إيران، والاعتراف بحق إيران في الأنشطة النووية السلمية وفقاً لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتقديم ضمانات ملموسة لرفع العقوبات. ما يُفهم من تقرير لشبكة «سي.أن.أن» أن المباحثات الجارية تتضمن احتمال استثمار أمريكي في برنامج الطاقة النووية الإيراني، وتشكيل كونسورتيوم يُتوقع أن يضمَّ دولًا من الشرق الأوسط إلى جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتوليد اليورانيوم المخصَّب لمفاعلات إيران؛ بمعنى أن النقاش يدور حول الاتفاق بشأن البرنامج النووي المدني الإيراني، والذي هو خط أحمر لا يمكن لطهران أن تتخلى عنه، ولكن لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق بشأنه.
لا شك أن واشنطن توظِّف بقوة التهديدات الإسرائيلية بالتحضير لهجوم على المنشآت النووية كورقة ضغط من أجل امتثال إيران، والذهاب إلى تسوية سلمية حول برنامجها النووي. طهران تريد أن تُقنع العالم بأنها لا تريد الحصول على سلاح نووي، والعالم لا يثق بأقوالها ونياتها المبيّتة، ويريد نزع كل إمكانات الحصول على القنبلة النووية. ترامب أبلغ بنيامين نتنياهو بأن العمل العسكري سيكون «غير مناسب» في هذا الوقت لأننا «قريبون للغاية من الحل».
يأتي ذلك، فيما تنقل صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى، أن الولايات المتحدة تعمل على إعداد «ورقة شروط» لتقديمها إلى إيران، تتضمّن من بين بنودها إنهاء أنشطة تخصيب اليورانيوم. وإذا رفضت طهران هذه الشروط، فلن يكون يوماً جيداً للإيرانيين، وإذا لم تُبدِ طهران رغبة في التوصل إلى اتفاق، فإن نهج الولايات المتحدة قد يتغيَّر. هذا في وقت كشفت فيه صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن عدة وزارات حكومية في إسرائيل عقدت اجتماعًا سريًا، في الأيام الأخيرة، لمناقشة الاستعدادات لاحتمال شن هجوم على إيران من دون سابق إنذار، وبحث كيفية التعامل مع رد فعل طهران على مثل هذا الهجوم.
تتعدد توصيفات المفاوضات الأمريكية-الإيرانية التي أعطاها ترامب مهلة شهرين لإنجاز اتفاق، ولا يبدو واضحاً متى بدأت ومتى ستنتهي. يرى كثير من المراقبين أنها مفاوضات «تضييع الوقت» التي يُتقنها الإيراني علَّ الأشهر المقبلة تحمل تحولات لمصلحته بعدما خسر الكثير من أوراقه التفاوضية التي راهن عليها وعمل على الاستثمار فيها، من حركة «حماس» إلى «حزب الله» والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وتلقّي الحوثيين في اليمن ضربات قاصمة، واهتزاز حال الميليشيات العراقية الموالية لها، والتي لا يزال مصيرها على المحك. لكن آخرين يذهبون إلى الاعتقاد بأن النفَس الطويل الذي يظهر به ترامب حيال إيران، وهو الذي يُعرف بصبره القصير، مردّه إلى أن سيد «البيت الأبيض» الذي لا يحب الحروب يريد أن يستنفد كل الوسائل التي بحوزته من أجل إنجاز الاتفاق، وإذا أخفق يكون قد هيأ الأرضية أمام الشارع الأمريكي بأنه حاول من دون جدوى، وإن آخر الدواء الكي.
هو سباق مع الوقت بين من يرى أن المسافة بين واشنطن وطهران باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن لا مفر أمام طهران سوى الموافقة على صفقة مع ترامب بشروطه، وبين مَن يعتبر أن الفرصة ضئيلة للوصول إلى اتفاق جيد أفضل من اتفاق أوباما يُطمئن إسرائيل، لناحية أن البرنامج النووي المدني الإيراني- إذا تم الاتفاق عليه- لا يُشكِّل خطراً وجودياً عليها، الأمر الذي يضع تل أبيب عاجلاً أم آجلاً أمام تحدي إنهاء الخطر الآتي من إيران في المستقبل، والذي سيتطلب ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وما سيحمله من عواقب ونتائج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب