
كن شجاعاً صلبا بمواجهة قدرك
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
• إذا لم يكن من الموت بد، فمن العجز أن تموت جباناً / المتنبي الكبير.
• حملت روحي وألقيت بها في مهاوي الردى ** فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا / عبد الرحيم محمود
• اذا حلت المقادير بطلت التدابير / علي بن أبي طالب (رض)
هذه عبر قالها حكماء وعقلاء، وابطال، استقبلوا اقدارهم بشجاعة، ووجه باسم، وكثيرا ما يقف الموت أمام المناضلين، والكثير منهم من يرى الموت بأم عينيه، ويصافحه ويعلن عن استعداده للأرتقاء شهيداً.
قبل أيام قليلة، قرأت عن مأثرة رجولية شجاعة، قدم فيها ضابط عراقي حياته، بإرادته، هو النقيب ثابت يونس الضابط في الحرس الملكي الذي آثر أن يستشهد حين رأى أن الملك وأسرته يساقون للموت غدراً، فأبت روحه الشريفة تقبل هذا المشهد وآثر الموت شهيداً، دفاعا عمن أئتمنوه حياتهم، فأفتدى الواجب ومبادئ وعهود الشرف.
اذا حلت المقادير بطلت التدابير
روى لي الرفيق مدحت إبراهيم جمعة رواية والغريب أنها لم تنشر لحد الآن. ففي عام 1959 أصدرت محكمة المهداوي حكماً سياسياً على مجموعة من الضباط والقادة بالإعدام. ويقول الرفيق مدحت، أن الحزب كانت لديه إمكانية تهريب ثلاثة أشخاص من السجن قبيل تنفيذ أحكام الإعدام، والثلاثة هم: العميد الركن ناظم الطبقجلي، والعقيد رفعت الحاج سري، والرفيق الحزبي فاضل الشكرة. وأوفدت القيادة مدحت أبراهيم جمعة لإبلاغهم قرار القيادة. فذهب مدحت وقابل العميد الطبقجلي، الذي لم يبد أي رغبة، ولكنه طلب رأي العقيد سري. وعندما قابل العقيد سري، رفض المقترح رفضاً باتاً قاطعاً، وقال يستحيل أن يوافق على المقترح، ويترك الضباط الصغار يواجهون رصاص الإعدام دون قادتهم بمعنويات ضعيفة وتسجل على تاريخهم الشخصي، وتاريخ الجيش العراقي. هو يشكر الحزب ولكن قراره هو أن يذهب لميدان الرمي ويعدم مع بقية الضباط. وأبلغ مدحت قرار العقيد سري هذا للعميد الطبقجلي، فأيده تماماً، وقال أنا مع هذا القرار الصائب. وعندما أبلغ القرار للرفيق فاضل الشكرة وهو حزبي يلتزم بقرار القيادة، ولكنه قال بموضوعية أنه يفضل ويستحسن قرار العميد الطبقجلي والعقيد سري، ويفضل أن يعدم معهم.
ويقول الرفيق مدحت وهكذا عدت إلى القيادة القطرية لأبلغهم أن القادة الثلاثة يرفضون تهريبهم من تنفيذ حكم الإعدام بهم. وفعلاً واجه الضباط رصاص الإعدام في 20 / أيلول / 1959 بشجاعة نادرة، الضباط القادة في المقدمة والكل يهتف بحياة العراق والأمة العربية. وحقاً سجلوها مأثرة عظيمة في تاريخهم وتاريخ الجيش العراقي الباسل، السير إلى الموت خياراً لابد منه … ورجولة في مصافحة الحتوف.
وضعت كتباً كثيرة عن البطل العقيد كلاوس شتافينبيرغ، الذي كان بطلاً حتى آخر لحظة من حياته، حين واجه رصاص الموت هاتفاً ” Es lebe das heilige Deutschland ” ” لتعش ألمانيا المقدسة ” هذه كانت الكلمات الأخيرة للبطل الذي كان واقفا في الساحة الداخلية لمبنى القيادة العامة للقوات المسلحة الألمانية حين أطلقت عليه حظيرة الرشق النار، في هذه اللحظة لم يتمكن مرافقه الملازم الأول (Werner von Haeften) والذي كان في عداد المتفرجين، ولكنه لم يحتمل رؤية قائده يعدم، فهرع إليه ليحتضنه ويحميه من الرصاص المنهمر فيخر كلاهما صريع الوطن والواجب والشرف.
حين حان طي آخر صفحة في الحرب العالمية الثانية، بالوحدة الألمانية (1990) أصدرت حكومة الوحدة قراراً تسحب فيه الاوسمة والقاب الكريم لهؤلئك الضباط وكبار الموظفين الذين انشقوا عن الدولة وأنظموا إلى الجبهة الشرقية(الاتحاد السوفيتي)، أو إلى الجبهة الغربية (اميركا، بريطانيا، فرنسا)، وحين سأل صحفي ألماني مسؤولاً حكومياً عن جدوى القرار أجاب” نحن نعلم أن أكثر من يمسهم القرار متوفون، وبعضهم كان من شخصيات الدولة البارزة، ولكننا نريد التأكيد للجميع، اليوم وفي المستقبل، أن واجب موظف الخدمة العامة، والضابط في القوات المسلحة، أن يخدم بلاده، لا أن ينظم إلى العدو “.