تحقيقات وتقارير

بداية الانهيار.. هل تسير الولايات المتحدة نحو التحوّل إلى دولة فاشلة؟

بداية الانهيار.. هل تسير الولايات المتحدة نحو التحوّل إلى دولة فاشلة؟

رائد صالحة

واشنطن- تشير تحليلات الكاتب الأمريكي جيسي ماكينون إلى أن الولايات المتحدة قد دخلت بالفعل مرحلة تشبه المراحل الأولى لانهيار الدولة، وهي مرحلة كانت تبدو مستبعدة في بلد يتمتع بثروات هائلة وتقاليد ديمقراطية عريقة، لكنها باتت اليوم ممكنة بصورة متزايدة في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة.

تفكك الشرعية السياسية وتآكل المؤسسات

بحسب ماكينون، فإن انهيار الدول لا يحدث عادة نتيجة حدث مفصلي واحد، بل نتيجة عملية طويلة من التآكل المؤسسي وفقدان الشرعية تبدأ بهجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة، وتُستكمل بتحويل مؤسسات العدالة والخدمة المدنية إلى أدوات طيّعة في يد السلطة التنفيذية.

ماكينون: تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات ولاء شخصية يمثل مؤشرًا خطيرًا على انزلاق الدولة نحو الاستبداد

ويشير الكاتب في مقال له إلى ممارسات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي شملت “تسييس وزارة العدل، وتطهير الهيئات الرقابية، واستهداف الصحافة والمجتمع المدني”، وهي مظاهر تشابه حالات تاريخية مثل السنوات الأخيرة من الجمهورية الرومانية قبل صعود يوليوس قيصر، وانهيار جمهورية فايمار في ألمانيا قبل استيلاء النازيين على الحكم.

أزمة اقتصادية مصطنعة وعزلة دولية

على الصعيد الاقتصادي، يصف ماكينون ما يجري بأنه أزمة مصطنعة سببها قرارات سياسية طائشة، أبرزها فرض رسوم جمركية واسعة على الحلفاء والخصوم، ما تسبب في حرب تجارية أدت إلى انكماش التجارة العالمية وانهيار سوق الأسهم عام 2025.

ويُقارن الكاتب هذه السياسات بسياسات الاكتفاء الذاتي التي انتهجها خوان بيرون في الأرجنتين خلال الأربعينيات، وبقانون “سموت-هاولي” في الولايات المتحدة عام 1930، الذي أسهم في تعميق الكساد الكبير.

عسكرة الدولة واختبار الولاءات

يحذّر المقال من أن تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات ولاء شخصية يمثل مؤشرًا خطيرًا على انزلاق الدولة نحو الاستبداد. ويشير ماكينون إلى “اختبارات الولاء” لموظفي الدولة، وتسريح من يُشتبه في عدم ولائهم، واستخدام القوة ضد المعارضين، على غرار ما حدث في السنوات الأخيرة للاتحاد السوفييتي عندما سُيّست أجهزة الأمن لقمع المعارضة الداخلية.

تفكك داخلي وعنف سياسي

يرى الكاتب أن الوضع الداخلي في الولايات المتحدة يتجه نحو الاستقطاب العنيف وفقدان الثقة المتبادل، مع تصفية الصحافيين المستقلين، وتهميش الجامعات، واستخدام القضاء أداة انتقام سياسي.

ويشبّه ماكينون ما يحدث في أمريكا بما جرى في تشيلي خلال فترة حكم سلفادور ألليندي، حين قُوّضت الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا من الداخل عبر العنف والتخريب الاقتصادي.

السياسة الخارجية: طموحات توسعية وعزلة شاملة

يلفت المقال إلى أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة دخلت مرحلة انعزالية خطيرة، مع تصريحات رئاسية تطالب بضمّ كندا وغرينلاند، ومفاوضات غير شرعية لاستخراج الموارد في أوكرانيا. ويرى ماكينون أن هذه السياسات التوسعية تعيد للأذهان محاولات موسوليني لاحتلال شمال أفريقيا، والتي انتهت بعزلة دبلوماسية وانهيار اقتصادي.

ماكيينون:  السياسة الخارجية للولايات المتحدة دخلت مرحلة انعزالية خطيرة

الدولة في خدمة الحاكم

في خلاصة تحليله، يقول ماكينون إن الدولة الأمريكية لم تعد تعمل كوسيط نزيه بين مصالح المجتمع المختلفة، بل تحولت إلى أداة بيد الرئيس وحاشيته، تخدم أهداف السيطرة والولاء، وليس المصلحة العامة. ويقارن الوضع الحالي بتجربة يوغوسلافيا في التسعينيات، حيث أدى فشل الدولة في حل النزاعات الداخلية إلى تفككها العنيف.

هل يمكن تفادي الانهيار؟

رغم هذه الصورة القاتمة، يشير الكاتب إلى أن الفرصة لا تزال قائمة لعكس المسار، شريطة وجود معارضة منظمة أو تحول سياسي يعيد الثقة بالمؤسسات. ويستشهد ماكينون بتجربتي إسبانيا في ثلاثينيات القرن العشرين واليونان في الأربعينيات، حيث حال التدخل الخارجي أو التحوّلات الداخلية دون الانهيار التام، وإن بثمن باهظ.

خاتمة

يؤكد ماكينون في مقاله بموقع كومن دريمز أن “فشل الدولة ليس لحظة مفاجئة، بل سلسلة متواصلة من الإخفاقات تبدأ بفساد المؤسسات وتنتهي بانهيار النظام الاجتماعي”. ويحذر من أن “الأدلة واضحة في تفريغ الحكومة الفدرالية من مضمونها، وتسييس أجهزة الأمن، والانغلاق التجاري، واحتضان أوهام التوسع الإمبراطوري”.

ويختتم الكاتب بالقول: “ما لم يُعكس هذا المسار قريبًا، فقد تُضاف الولايات المتحدة إلى قائمة الدول التي انهارت تحت وطأة تناقضاتها الذاتية”.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب