هل ستلعب إسرائيل لعبة خاسرة مرة أخرى؟

هل ستلعب إسرائيل لعبة خاسرة مرة أخرى؟
اليوم، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى إعادة تلك التجربة، بتكوين كيانات عشائرية بدوية متعاونة معها في قطاع غزة، على أن تقوم بتسليح عناصرها ودعمها، لإثبات مزاعم نتنياهو بإمكانية إيجاد بديل عن حكم حماس وفتح والسلطة الفلسطينية…
تُموّل إسرائيل وتُسلّح وتدعم حاليًا عصابات ولصوص ومرتزقة وعملاء من بعض العشائر، لتشكيل حركة “قومية” تُنافس حماس في قطاع غزة.
وتدّعي إسرائيل أن هؤلاء “الرجال”، بقيادة شخص يُدعى ياسر أبو شباب، يعملون لصالح شعب القطاع المُهمّش والجائع في ظلّ حُكم حماس. أما حماس، فهي حركة وطنية فلسطينية، تأسست أواخر عام 1987 مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وتستمد جذورها من الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وتدعمها بنية اجتماعية وسياسية متينة داخل الأراضي الفلسطينية. ويرفض ميثاق الحركة جميع الاتفاقات المُبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.
وتتركز قوة حماس في قطاع غزة ومناطق الضفة الغربية، وقد ازداد نفوذها بشكل حاد في التسعينيات، واستولت على السلطة في قطاع غزة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد تلقت، وما زالت تتلقى، دعمًا شعبيًا ساحقًا من الشعب الفلسطيني. ويُشار إلى أن حركة حماس فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، تحت إشراف “مركز كارتر” لحقوق الإنسان.
ومن المفارقات أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت مؤخرًا عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إنه تم التوصّل إلى اتفاق يقضي بأن تحل ميليشيا ياسر أبو شباب محل حماس في حكم قطاع غزة.
ووفقًا لموقع “واللا” الإسرائيلي، صرّح مصدر أمني إإسرائيلي بأن عدة أفكار طُرحت كبدائل لحماس قد تم رفضها، بما في ذلك السلطة الفلسطينية “المعتدلة” وحركة فتح. وإن دلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على الإفلاس السياسي والعسكري الذي وصلت إليه إسرائيل. وأحسن مثال مشابه لذلك هو فشلها في تشكيل حركة “روابط القرى”، وهي تشكيلاتٌ إدارية أنشأتها إسرائيل عام 1978 برئاسة الوزير الأردني السابق مصطفى دودين.
وزعمت إسرائيل حينها أن هدف هذه الروابط هو التنمية وتقديم الخدمات وتحسين حياة المواطنين الفلسطينيين. لكنها في الواقع كانت محاولة من سلطات الاحتلال لخلق قيادات وحركات فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير، تكون مستعدة لتأييد اتفاقات كامب ديفيد، والمشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي، وتنفيذ خطة “الإدارة المدنية” الإسرائيلية.
وقد سلّحت سلطات الاحتلال قادة وأعضاء روابط القرى، وقدّمت لهم الحماية الأمنية، وزوّدتهم بالأسلحة والمركبات وأجهزة الاتصال، تمهيدًا لتحويلهم إلى ميليشيات مسلحة تُنفّذ الدور المنوط بها ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، دور هذه الروابط عندما صرّح في كانون الأول/ ديسمبر 1981، إنه “قررت السلطات الإسرائيلية تسليح روابط القرى بناءً على طلب قادتها”.
وتحوّلت روابط القرى إلى ميليشيات محلية ساعدت قوات الاحتلال في أعمال العنف والقمع، وأقامت حواجز على الطرق، واعتقلت المواطنين الرافضين لها، وأطلقت النار على كل من يُعارضها. لكن كل جهود إسرائيل باءت بالفشل، إذ إن هذه الحركات إما انقلبت عليها، أو لم تُلاقِ ترحيبًا شعبيًا على الإطلاق.
واليوم، تسعى السلطات الإسرائيلية إلى إعادة تلك التجربة، بتكوين كيانات عشائرية متعاونة معها في قطاع غزة، على أن تقوم بتسليح عناصرها ودعمها، لإثبات مزاعم نتنياهو بإمكانية إيجاد بديل عن حكم حماس وفتح والسلطة الفلسطينية.
ومن المناسب هنا لفت انتباه القارئ إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية (1939–1945)، أنشأ الزعيم النازي أدولف هتلر، بعد احتلاله فرنسا عام 1939، جيشًا فرنسيًا عميلًا بقيادة المارشال فيليب بيتان، كبديل للجيش الوطني الفرنسي. إلا أن هذا الجيش انقلب في النهاية على المحتل النازي، وانضم عام 1944 إلى حركة المقاومة الفرنسية وجيش فرنسا الحر بقيادة الجنرال شارل ديغول، الذي هزم الجيش الألماني. وفرّ المارشال بيتان إلى ألمانيا.
والتاريخ عبرة لمن اعتبر.