لوفيغارو: تحالف نتنياهو في أزمة ومصيره يعتمد على قدرته على المماطلة أو إيجاد مخرج سياسي مفاجئ

لوفيغارو: تحالف نتنياهو في أزمة ومصيره يعتمد على قدرته على المماطلة أو إيجاد مخرج سياسي مفاجئ
باريس- قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن مستقبل الحكومة الإسرائيلية سيعتمد على قدرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي بات في موقع سياسي هش، على المناورة للخروج من أزمة تهدد ائتلافه. وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو، المعروف بدهائه السياسي، والذي تمكّن من الصمود في وجه احتجاجات ضخمة عام 2023 ضد مشروع تعديل النظام القضائي، وبقي ثابتاً وسط العاصفة التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر والحرب الطويلة التي تلته، يجد نفسه اليوم أمام اختبار جديد يتمثل في تهديد حلفائه من “الحريديم” بالانضمام إلى تصويت لحلّ الكنيست، بسبب معارضتهم مشروع قانون يُلزم الشبان المتدينين بأداء الخدمة العسكرية.
أوضحت صحيفة “لوفيغارو” أن الأزمة الراهنة تنبع من عوامل متشابكة، ما يجعل منها خليطاً قابلاً للانفجار على المدى القريب والمتوسط. فالأحزاب الدينية المتشددة، التي تُعدّ ركناً أساسياً في التحالف السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ أكثر من عقدين، تهدد اليوم بالانضمام إلى مشروع قانون لحلّ الكنيست قد تتقدّم به المعارضة.
انضمام المتدينين المتشددين إلى الشيوعيين العرب، والاشتراكيين، والقوميين العلمانيين، والتقدميين، لا يعني أنهم تبنوا فجأة توجهاً سياسياً جديداً
لكن انضمام هؤلاء المتدينين المتشددين إلى ائتلاف غير متجانس سياسياً، يضم الشيوعيين العرب من حزب “حداش”، والاشتراكيين في الحزب الديمقراطي، والقوميين العلمانيين من “إسرائيل بيتنا”، والتقدميين من حزب “يش عتيد”، لا يعني تبنّيهم فجأة توجهاً سياسياً جديداً، إذ تعود جذور الخلاف بينهم وبين الدولة إلى بدايات تأسيسها، عندما منح دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إعفاءً من الخدمة العسكرية لمجموعة من الناجين من المحرقة بهدف تمكينهم من الحفاظ على تقاليدهم الدينية، وهو الإعفاء الذي أصبح لاحقاً موضع جدل دائم.
وتابعت “لوفيغارو” أن المتدينين المتشددين يشكّلون اليوم نحو 13.6% من السكان، مدفوعين بنسبة ولادات مرتفعة داخل مجتمعاتهم، ما يجعلهم كتلة ديموغرافية آخذة في التوسع. وتشير التوقعات السكانية إلى أن نفوذهم السياسي والاجتماعي مرشح للزيادة خلال العقود الأربعة المقبلة.
ورغم هذا النمو، لا يزال الإعفاء من الخدمة العسكرية قائماً، وأصبح عدم التجنّد مساراً طبيعياً لآلاف الشبان المنتمين إلى هذه الشريحة. وتشير الصحيفة إلى أن آخر تحالف لهم مع نتنياهو بُني على أساس وعده بتكريس هذا الإعفاء في قانون دائم، ما يجعل تراجع الحكومة عن ذلك الوعد سبباً مباشراً في تفجّر الأزمة الحالية.
عقد أفيف بوشينسكي، المستشار الإعلامي السابق لبنيامين نتنياهو والمحلل السياسي، مؤتمراً صحافياً يوم الثلاثاء، حذّر فيه من خطورة الأزمة الراهنة على مستقبل رئيس الوزراء. وقال: “الأزمة الحالية تشكّل تهديداً حقيقياً لنتنياهو. فالإسرائيليون أمثالي، الذين أدّوا خدمتهم العسكرية، لطالما تقبّلوا واقع إعفاء المتدينين من التجنيد. لكن منذ 7 أكتوبر، وإسرائيل تخوض أطول حرب في تاريخها، تغيّر كل شيء”.
تحالف الحريديم مع نتنياهو بُني على أساس وعده لهم بتكريس الإعفاء من التجنيد في قانون دائم، ما يجعل تراجع الحكومة عن ذلك الوعد سبباً مباشراً في تفجّر الأزمة الحالية
وأوضح بوشينسكي أن الاحتياطيين، وهم أشخاص لديهم عائلات ووظائف، يُستدعون للخدمة العسكرية لأشهر متواصلة، وأحياناً لعدة مئات من الأيام، ما جعل الشعور بالظلم يتفاقم. وأضاف: “هذا الظلم أصبح لا يُحتمل، والإسرائيليون سئموا”. فالجيش، الذي بُني لخوض حروب قصيرة ومكثفة، بات اليوم في حاجة ملحّة إلى مزيد من المجندين، ما يعمّق التوتر بشأن الإعفاءات الممنوحة للمتدينين.
هذا الاستياء يتغلغل حتى داخل تحالف نتنياهو نفسه. فغالبيّة ناخبي حزبه “الليكود” يعارضون الإعفاء الذي يحظى به المتدينون. أما الحلفاء من أحزاب “الصهيونية الدينية” و”القوة اليهودية”، الأكثر تطرفاً، فهم أكثر تحفظاً. ورغم تقاربهم الروحي مع المتدينين، إلا أن ناخبيهم يختلفون عنهم في مسألة الجيش، إذ إن عدداً متزايداً منهم ينضم إلى صفوفه، وكثير منهم سقطوا قتلى منذ بداية الحرب، تقول صحيفة لوفيغارو.
طالبت المحكمة العليا الإسرائيلية الحكومة بإصدار قانون يُنهي الإعفاء الممنوح للمتدينين المتشددين من الخدمة العسكرية، ما زاد من حدة التوتر داخل الائتلاف الحاكم. ويجري حالياً إعداد هذا القانون بقيادة يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع وعضو حزب “الليكود”، الذي يدفع باتجاه إدراج عقوبات بحق الشبان المتدينين الذين يرفضون التجنيد. ومن المنتظر أن يُعرض مشروع القانون للنقاش خلال الدورة الصيفية للكنيست، التي تمتد حتى نهاية يوليو/تموز المقبل.
ورأت صحيفة لوفيغارو أن هذا الصراع سيكون في صميم الحياة السياسية الإسرائيلية خلال الأشهر المقبلة، مشيرة إلى أن المتدينين المتشددين يواجهون انقسامات داخلية قد تضعف موقفهم. وينقل التقرير عن إلياهو بيركوفيتس، الباحث في “معهد الديمقراطية الإسرائيلية” والمتخصص في شؤون الأحزاب الدينية، قوله إن “الحريديم لا يريدون فعلياً إسقاط الحكومة، لأنهم يدركون حجم الخسائر التي قد تترتب على ذلك”، لكنه لفت إلى وجود أزمة قيادة، لا سيما داخل حزب “شاس”، حيث يبدي بعض أعضائه استعداداً لدعم التجنيد الإجباري للشبان الذين لا يدرسون في المدارس الدينية. أما زعيم الحزب، أرييه درعي، فيدرك أن حزبه قد يدفع ثمناً سياسياً إذا أصرّ على موقف متشدد.
الحريديم لا يريدون فعلياً إسقاط الحكومة، لأنهم يدركون أنهم سيخسرون كثيراً
في المقابل، فإن الحركتين المكوّنتين لحزب “يهدوت هتوراه” لا تزالان متمسكتين بموقف رافض لأي تجنيد، وكأنهما لم تدركا بعد مدى التحوّل الذي طرأ على المزاج العام الإسرائيلي خلال العشرين شهراً الماضية من الحرب، بحسب الصحيفة.
وتوضح لوفيغارو أن التصويت على مشروع القانون لن يؤدي مباشرة إلى سقوط حكومة نتنياهو، إذ تتطلب الإجراءات التشريعية عرضه أولاً على لجنة مختصة، ثم المرور بقراءتين إضافيتين داخل الكنيست. لكن إذا بقيت المعارضة على موقفها، فإن الحكومة قد تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، وتُجرى انتخابات مبكرة في غضون 90 يوماً، ما يعني أنها قد تُنظم بين نوفمبر/تشرين الثاني وأبريل/نيسان المقبلين.
وترى الصحيفة أن كل ذلك سيعتمد في النهاية على قدرة بنيامين نتنياهو، الذي بات اليوم سياسياً ضعيفاً، على المماطلة أو إيجاد مخرج سياسي غير متوقّع.
“القدس العربي”: