مقالات
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، لماذا وإلى أين؟؛ استراتيجية أمريكية إسرائيلية واحدة وأهداف مختلفة. بقلم الدكتور رياض العيسمي
بقلم الدكتور رياض العيسمي

المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، لماذا وإلى أين؟؛ استراتيجية أمريكية إسرائيلية واحدة وأهداف مختلفة.
بقلم الدكتور رياض العيسمي
بعد وصوله إلى البيت الأبيض في مطلع هذا العام، لم يخف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في منع ايران من امتلاك السلاح النووي. ووقف الحرب في غزة. وترسيم الحدود بين إسرائيل والدول المجاورة لبنان وسورية تحديدا. وتوقيع اتفاقيات صلح بين الدولتين وإسرائيل على غرار الاتفاقيات التي ابرمت برعاية أمريكية مع مصر عام ١٩٧٩، والأردن عام ١٩٩٤.
وللوصول إلى هذه الاتفاقيات مع لبنان وسورية كان يقتضي التخلص من حالة المقاومة والممانعة التي كانت قد فرضتها التوافقات الاستراتيجية الأمريكية الايرانية بعد الإفراج عن الرهائن الأمريكيين، الذين احتجزتهم قيادات الثورة الإسلامية في ايران عام ١٩٧٩. وتم على إثرها تشكيل حزب الله في لبنان عام ١٩٨٢. وبانتهاء هذه المرحلة التي ايضا تميزت بتناغم المشرعين الإيراني والاسرائيلي في المنطقة. والذي قاد إلى سقوط النظام العراقي عام ٢٠٠٣. وذلك لأنه كان يشكل تهديدا حقيقيا لمشروعي البلدين. وكذلك سقوط النظام السوري في نهاية العام الماضي، ٢٠٢٤، الذي كان متوافقا عليه من قبل إسرائيل وايران بحكم تقاطع المصالح بينهما في بقاء النظام الس. ولكن بعد التوافق على سقوط النظام السوري بضغط اسرائيلي وفرض تراجع نفوذ النظام الإيراني في المنطقة، تقدم المشروعين التركي والروسي على حساب المشروع الإيراني. لكن الولايات المتحدة بقيت هي عراب التوافق على سقوط النظام السوري. وعراب التطبيع بين العرب وإسرائيل. والمستفيد الأول من كل هذه التوافقات هي إسرائيل. وأيضا كانت السعودية من ضمن المستفيدين من تغير الاصطفافات الاستراتيجية الجديدة في المنطقة. وعليه برز مشروع السعودية كمشروع توافقي في المنطقة يفيد ويستفيد في مرحلة لانتقال من حالة المقاومة والممانعة إلى حالة السلام والتطبيع. ولهاذا نمى مشروعها وتقدم إلى الواجهة على اثر تراجع النفوذ الإيراني وتراجع زخم المشروع الروسي بسبب الاستنزاف في الحرب الروسية الأوكرانية. ومحاولة روسيا للتنازل للولايات المتحدة في سورية مقابل تحقيق مكاسب في أوكرانيا، خاصة وان الرئيس ترامب يسعى لوقف الحربين وتحقيق سلام في شرق أوربا والشرق الأوسط. لكن الرئيس ترامب الطامح للحصول على جائزة نوبل للسلام اصطدم بتصلب الرئيس الروسي بوتين. ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو. وكل منهما لأسبابه الاستراتيجية في استمرار الحرب وإنهائها وفق شروطه وبما يحقق أهدافه الخاصة. نتنياهو وحكومته اليمينية يرفضوون قيام اية دولة فلسطينية ومنع ايران من امتلاك أسلحة نووية. والسعودية لا تقبل بالتطبيع مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية وفق المبادرة العربية التي قدمها الأمير عبدالله ولي العهد السعودي في حينها ووافقت عليها القمة العربية بالإجماع في بيروت عام ٢٠٠٢. والسعودية ايضا ترغب ولو ضمنا بتحجم المشروع النووي الإيراني حتى لا تعود إلى الهيمنة في المنطقة وتطغى عليها وعلى دول الخليج. ولهذا حاول الرئيس ترامب بالترغيب والترهيب لعقد اتفاق نووي مع ايران يلغي مشروع ايران النووي. وعليه جرت سلسلة من المفاوضات العلنية والسرية دامت لأكثر من ثلاثة اشهر. برعت ايران فيها كعادتها في المراوغة والتسويف، والذي يسير بعكس تعجل رغبة ترامب في الوصل إلى اتفاق يرضي غروره وطموحه وتقبل به إسرائيل. وكانت الجولة الأخيرة لهذه المفاوضات مقررة يوم الاحد في عمان. إلا انه، وبشعور ترامب وادارته باستمرار المراوغة الايرانية، قرر ان يوافق على طلب طالما قدمه له نتنياهو بضرب المفاعلات النووية الإيرانية، ورفضه ترامب مرارا لانه لا يمكن ان تحقق الحرب على ايران اهدافها المرجوة دون مشاركة الولايات المتحدة فيها بكل ثقلها. لكن ترامب عاد ووافق على ان تشن إسرائيل ضربة منفردة خاطفة لمفاعلات النووية تحفظ لإسرائيل ماء الوجه، وتضمن لترامب فرض النتائج المرجوة للاتفاق على برنامجها النووي بالقوة. لكن نتنياهو الذي وافق على الاستراتجية الأمريكية هذه، كان لها أهدافا اخرى منها. وهي استمرار الحرب في المنطقة وجر الولايات المتحدة اليها مرغمة. وبهذا المواجهة بين إسرائيل وايران هي استراتيجية واحدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن لأهداف مختلفة، بل متناقضة. إذا إلى اين تتجه هذه الحرب. ان تنامي الحرب واتساع مروحة اهدافها العسكرية الاستراتيجية يدلل على ان هذه الحرب تسير نحو التصعيد، والاتساع. وهي ستعتمد على من سيصرخ اولا. والولايات المتحدة اصبحت في موقف محرج. فاستمرار الحرب ومشاركة الولايات المتحدة فيها لا يساعد الرئيس ترامب على تحقيق أهدافه في السلام والتطبيع في الشرق الأوسط والحصول على جائزة نوبل للسلام. والخروج من هذا المأزق يحتاج إلى استراتيجية أمريكية ذكية ومركبة تقود إلى سقوط نظام الملالي في ايران الذي انتهى دوره بانتهاء المرحلة. وسقوط حكومة نتنياهو اليمينية في إسرائيل، المسؤلة عن كل هذا الانسداد في الأفق. فهل يمتلك الرئيس ترامب وطاقمه الاستراتيجي مثل هذه الرؤية. هذا سؤال جدي يبقى برسم الانتظار.