بغداد تشتكي إلى مجلس الأمن: شظايا العدوان تصيب العراق

بغداد تشتكي إلى مجلس الأمن: شظايا العدوان تصيب العراق
بدا العراق الأكثر تأثراً بالعدوان على إيران، وفيما دانت كافة القوى العراقية العدوان، طالبت المقاومة بإخراج المحتل الأميركي الذي أباح أجواء البلاد للعدو.
بغداد –
لم تنجُ بغداد من شظايا التصعيد الإقليمي بعد العدوان الإسرائيلي على إيران. ومع بروز مؤشرات تفاعل المواجهة خارج جغرافيا طرفَي النزاع، برز القلق العراقي من أن تنزلق البلاد، مجدّداً، إلى أتون صراع هي الساحة الأقرب إليه. وتسارعت، عقب العدوان، ردود الفعل العراقية؛ إذ دان المرجع الديني الأعلى، آية الله علي السيستاني، الهجوم بشدّة، معتبراً إياه «جريمة خطيرة تؤكّد عدوانية الكيان الإسرائيلي». وطالب، في بيان صدر عن مكتبه في النجف، المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته في لجم هذا الكيان ووقف انتهاكاته.
أمّا رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، فأكّد، أثناء لقائه القائم بأعمال السفارة الأميركية وقائد قوات «التحالف الدولي»، أنّ بلاده «ترفض استخدام أراضيها أو مجالها الجوي لتنفيذ أي عدوان على دولة مجاورة»، وأنّ العراق سيتّخذ كل الإجراءات لحماية سيادته، مطالباً الأمم المتحدة بـ«موقف واضح يمنع تكرار هذه الخروقات». وأشار السوداني إلى أنّ توقيت الهجوم «يعكس نيّة متعمدة للتصعيد» في لحظة كانت المساعي الدبلوماسية فيها لا تزال قائمة.
وفي السياق ذاته، رفعت الحكومة العراقية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي في شأن «الخروقات الإسرائيلية للأجواء العراقية»، وفق ما أفادت به مصادر حكومية في بغداد.
وأثار التصعيد مخاوف شعبية واسعة أيضاً، عبّر عنها مواطنون ونشطاء في شارع المتنبّي وسط بغداد، إذ كانت أحاديثهم هذه المرة عن «صواريخ تحلّق في سماء المنطقة، لا عن الشِّعر والفلسفة». ويقول أحدهم: «نخشى أن يتحوّل العراق إلى ساحة بديلة لتصفية الحسابات، كما جرى في مراحل سابقة»، بينما يرى ناشط مدني أنّ «العراق بحاجة إلى موقف دبلوماسي مستقلّ ومتوازن، لا أن يبقى في موقع المتلقّي».
وبدورها، اعتبرت «كتائب حزب الله»، في بيان، أنّ «القوات الأميركية في العراق مهّدت الطريق لهذا العدوان بفتح الأجواء العراقية، لتكون ممرّاً آمناً لسلاح الجو الصهيوني، ليرتكب جرائمه بحق الجارة إيران وشعبها المسلم»، مطالبةً «الحكومة بإخراج هذه القوات العدائية بشكل عاجل من البلاد، تجنّباً لمزيد من الحروب في المنطقة، ودرءاً لسفك دماء شعوبها».
يُجمع مراقبون على أنّ حياد العراق لن يكون مضموناً إذا ما اشتدّت نيران المواجهة
وأكّد الأمين العام لحركة «النجباء»، أكرم الكعبي، من جهته، في بيان، أنّ «العدوان الصهيوني الغادر على الجمهورية الإسلامية والانتهاك السافر لسيادة العراق وخرق أجوائه بالتنسيق مع المحتل الأميركي مراراً وتكراراً، لن يمرّ من غير حساب، ويجب إخراج الاحتلال الأميركي بشكل كامل من جميع أراضي وسماء العراق».
كذلك، حذّرت كتائب «سيد الشهداء»، إحدى فصائل «المقاومة الإسلامية»، من أنّ العراق «لن يكون في مأمن إذا استمرّت وتيرة التصعيد». وقال المتحدّث باسم الكتائب، كاظم الفرطوسي، لـ«الأخبار»، إنّ «أي موقف محتمل من الفصائل سيُأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب العراقي، ولن يكون ارتجالياً أو متهوّراً». أمّا زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، فحمّل الولايات المتحدة مسؤولية دعم الهجوم الإسرائيلي، محذّراً من أنّ «العراق ليس بحاجة إلى حروب جديدة»، داعياً الحكومة إلى معاقبة إسرائيل دولياً على استخدامها الأجواء العراقية.
وعلى المستوى الأمني، كشفت مصادر أمنية، لـ«الأخبار»، أنّ بعض المقار المرتبطة بفصائل «الحشد الشعبي» وُضعت في حال تأهُّب جزئي، بالتوازي مع تعطيل مؤقّت لحركة الملاحة الجوية في مطار بغداد وعدد من المطارات العسكرية، تحسّباً لأي ضربة انتقامية قد تستهدف مصالح داخل العراق. وأضافت إنّ «هناك استنفاراً كبيراً لدى الأجهزة الأمنية وخاصة الممسكة بالمنطقة الخضراء، إذ وجّهت بعدم دخول المدنيّين، وذلك خشية اقتحام الفصائل المسلحة مبنى السفارة الأميركية».
وفيما تنشغل الدوائر السياسية والدبلوماسية بمحاولة تجنيب العراق كلفة الانخراط في صراع إقليمي، يُجمع مراقبون على أنّ حياد العراق لن يكون مضموناً إذا ما اشتدّت نيران المواجهة بين إيران وإسرائيل، خاصة مع حساسية الجغرافيا العراقية وتشابك الحضور العسكري فيها. ويخشى محلّلون من أن تؤدّي أي ضربة جديدة، أو ردّ إيراني، إلى انكشاف الساحة العراقية مجدّداً أمام دوامة من التصعيد، خصوصاً في ظلّ التباين في مواقف القوى السياسية وتضارب الولاءات الإقليمية لبعضها.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الأمني واللواء المتقاعد، عبد الستار العيساوي، أنّ حديث السوداني عن الحلول الممكنة لإنهاء الصراع هو بهدف بيان موقف البلاد من التصعيد. ويعتبر أنّ «الموقف الحالي لبغداد منطقي جدّاً، في ظل بوادر انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة بدأ الحديث عنها منذ أحداث 7 أكتوبر، ولهذا ينبغي على الحكومة أن تلتزم الصمت ولا تتدخّل، وأن تضبط إيقاع الفصائل، لتجاوز محنة الحرب التي قد تُشعلها رصاصة واحدة تنطلق من العراق».