تحقيقات وتقارير

إسرائيل وجهاً لوجه مع «رأس الأخطبوط»: انتهى زمن المهادنة مع إيران… فأي مصير ينتظرها؟

إسرائيل وجهاً لوجه مع «رأس الأخطبوط»: انتهى زمن المهادنة مع إيران… فأي مصير ينتظرها؟

رلى موفق

وأخيراً، أضحت المعركة مباشرة مع «رأس الأخطبوط» وليس مع أذرعه فقط. وصفَ بنيامين نتنياهو العملية الإسرائيلية ضد إيران التي بدأ بشنها فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو، بأنها واحدة من أكبر العمليات العسكرية في التاريخ. لا يبدو الهدف اليوم يقتصر على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية وصواريخ باليستية كونهما خطراً وجودياً على إسرائيل، بل يذهب إلى إسقاط النظام الإيراني بما يتَّسق مع رؤيته لـ«الشرق الأوسط الجديد».
عملية «الأسد الصاعد»، التي قال نتنياهو إنها عملية عسكرية مُحدَّدة الهدف لدحر التهديد الإيراني الذي يُهدِّد وجود إسرائيل، تضمَّنت 3 مستويات من الاستهدافات: الصف الأول من القيادات العسكرية وكبار علماء الذرة، والمنشآت النووية، والقواعد والمصانع الصاروخية. هي عملية تبدو نسخة معدَّلة عن «عملية البيجر» و«الترتيب الجديد» التي استهدفت «حزب الله» وقضت على قياداته العليا وفي مقدمهم الأمين العام لـ«حزب الله»، وهيكليته التنظيمية وترسانته العسكرية. الصدمة في إيران تفوق الصدمة التي حصلت مع «حزب الله» في أيلول/سبتمبر 2024، ومهدت لقصم ظهر الذراع الأقوى في الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري الإيراني»، والذي كان يُنظر إليه على أنه «درَّة التاج» الإيرانية.
ما كُشف حتى الآن عن كيفية تنفيذ العملية الإسرائيلية ضد إيران يؤشِّر من جديد إلى التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي والعسكري الإسرائيلي. الضربات بين إسرائيل وإيران مفتوحة. تل أبيب تواصل غاراتها على مروحة واسعة من بنك الأهداف بلا هوادة، وبالتعاون ما بين «الكوماندوس» في الموساد والجيش. وفي المقابل، بدأت إيران مساء الجمعة، بعدما التقطت أنفاسها، بالرد بموجات من الصواريخ الباليستية والمسيَّرات على إسرائيل وصلت إلى نحو 500 صاروخ مع منتصف نهار السبت، واستطاعت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمختلف أنواعها فضلاً عن منظومة «ثاد» الأمريكية، إسقاط ما يزيد على 95 في المئة منها، غير أن الصواريخ التي تخطَّت الدفاعات الجوية وصلت إلى قلب تل أبيب وعلى مقربة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، وأدَّت إلى سقوط بضعة قتلى وعشرات الجرحى من المدنيين وأضرار في الممتلكات. وتلك الصواريخ سيتواصل إطلاقها بحسب المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة في عملية «الوعد الصادق 3». كل من الطرفين، الإسرائيلي والإيراني، يعتبر أن الآخر تجاوز الخطوط الحمر، ويتوعد بالرد. ستتصاعد عمليات الرد على الرد لتتخطى الأهداف العسكرية إلى المنشآت المدنية والاقتصادية والحيوية باعتماد استراتيجيات الخروج من المهادنة إلى الإيلام في الضربات، التي يُتوقع بقوة أن تستهدف البنى التحتية في إسرائيل وسط تساؤلات عما إذا كانت الحرب ستبقى محصورة بين الطرفين أم أنها ستنزلق إلى حرب إقليمية أو شبه إقليمية، وعما إذا كانت تلك الحرب ستجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانخراط فيها علانية ومباشرة.
في محصلة الضربة الافتتاحية الإسرائيلية، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الواسع النطاق شاركت فيه 200 مقاتلة إسرائيلية واستهدفت أكثر من مئة موقع إيراني من بينها منشآت نووية وعسكرية حسَّاسة، إذ طالت الضربات منشآت رئيسية في: طهران، ونطنز، وتبريز، وأراك، وخنداب، وأصفهان، وكرمنشاه، وبروجرد، ومنشآت عسكرية ومقار قيادة للحرس الثوري، وتدمير عشرات أنظمة الرادار وقاذفات الصواريخ ومنصات الدفاع الجوي في مناطق مختلفة بما يشكل «ضربة استراتيجية للقدرات النووية والعسكرية الإيرانية». أدَّت ضربات متتالية على منشأة «نطنز النووية» إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وتم استهداف مركز الأبحاث والمرافق المرتبطة بمفاعل الماء الثقيل في منطقة خنداب قرب منشأة أراك، وكذلك منشآت لصناعة أجهزة الطرد وتحضير اليورانيوم في أصفهان، وستزداد لائحة المواقع المستهدفة مع استمرار الهجمات الجوية.
القيادات العسكرية

وفي سيناريو مشابه لما جرى مع «حزب الله»، يتوقع أن يتوالى سقوط القيادات العسكرية بعد قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، وقائد مقر القيادة العامة للقوات المسلحة التي تُعرف بـ«مقر خاتم الأنبياء» اللواء غلام علي رشيد، وشخصيات عسكرية أخرى. وانضم إلى قافلة المستهدفين مسؤول شؤون الاستخبارات بهيئة الأركان العميد غلام رضا محرابي ومسؤول العمليات في هيئة الأركان العامة العميد مهدي رباني.
يتنظر نتنياهو لمعرفة ما إذا كان الرئيس الأمريكي سيعلن الانضمام إلى الحرب ضد إيران أم سيبقى يقودها من المقعد الخلفي. بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الفرصة اليوم سانحة للقضاء كلياً على البرنامج النووي الإيراني والانتهاء من أي تهديد مستقبلي، وهذا يتطلب دخول القاذفات الأمريكية الخارقة للتحصينات. حتى الآن، لا يزال ترامب يمسك بالعصا والجزرة. هو قال إنه يمنح مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق. وفق ساعته، بدأت عقارب الساعة تسير منذ 12 نيسان/أبريل مع بدء جولات التفاوض الأمريكية – الإيرانية، وانتهت في 12 حزيران/يونيو. «كان ينبغي عليهم التوصل إلى اتفاق! اليوم هو اليوم الـ61 (حصلت فيه عملية «الأسد الصاعد»). أخبرتُهم بما يجب عليهم فعله، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. الآن، ربما لديهم فرصة ثانية!».
يستمر ترامب بالرهان على الإتيان بالإيرانيين إلى طاولة المفاوضات، فهي المخرج لهم للحد من الخسائر وإلا فالأسوأ قادم. لم يكشف الرئيس الأمريكي ما هو الأسوأ، هل هو مزيد من عمليات الضغط على النظام عبر تدمير مزيد من بناه التحتية العسكرية واغتيال قياداته العسكرية أم الانتقال إلى مرحلة استهداف السلطة الأعلى المتمثلة باغتيال المرشد والطاقم المتشدد في القيادة؟ لا يوحي سيد «البيت الأبيض» بالرغبة لديه في تغيير النظام الإيراني أو الدفع باتجاه ذلك، على أقله حتى الساعة، ولا يبدو أنه قلق من تحوُّل الضربات ما بين إسرائيل وإيران إلى حرب في المنطقة.
بالنسبة للمراقبين، فإن إيران أخطأت في قراءة ترامب الذي يُردِّد في كل مناسبة أنه لا يريد الحروب وأنه لا يبغيها، ورأت أنها ربما تكون قادرة على دغدغة مشاعره بورقة الاستثمارات الأمريكية في إيران بتريليونات الدولارات. وربما أنها تستطيع أن تمارس لعبة الصبر الاستراتيجي وباعها الطويل في التفاوض لكسب الوقت والرهان على متغيرات مقبلة قد تسهم في استعادة بعضٍ من أوراق القوة التي كانت عملت لعقود طويلة في تجميعها.
تخرج بعض الأصوات العسكرية الإيرانية للتلويح باستهداف المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة. سيكون ذلك بمنزلة الخطأ القاتل لإيران ولأذرعها التي قد تتهوَّر بالذهاب إلى خيار استهداف الأمريكيين أو الانخراط إلى جانب طهران سواء من العراق أو من لبنان. مثل هكذا خيار سيفتح نار جهنم على الفصائل العراقية الموالية لإيران، وعلى ما تبقى من «حزب الله» في لبنان. وعلى الرغم من محاولات حكومتَي العراق ولبنان لجم الفصائل الخارجة عن قرار الدولة فيهما، فإن مخاطر انزلاق البلدين إلى التورط في الهجمات تبقى قائمة، ولا سيما أن قدرة الدولتين على ضبط تلك الفصائل محدودة، في ظل ارتباطها العميق بـ«الحرس الثوري الإيراني» ومنطلقاتها العقائدية التي ربما تدفعها إلى المشاركة في الضربات، حتى ولو كانت قاتلة لها. أما الحوثيون في اليمن، فإن ثمن محاولات عودتهم إلى استخدام ورقة المضائق والملاحة الدولية سيكون مكلفاً، لأن ذلك يعني أن الولايات المتحدة ستنخرط من جديد في المعركة ضدهم على مستويات أكبر.
لا تبدو الخيارات كثيرة أمام إيران بعدما فقدت أوراق قوتها، فإما أن تذهب إلى المفاوضات أو أن تُخاطر بمستقبل نظامها. ما يجري في المنطقة قد يكون الفصل الأخير من الحرب الكبرى التي كان يُعوِّل النظام الإيراني على ألاّ تحصل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب