
لا طربون حبق ولا حتى طرنيب
بقلم كمال ديب
يحلو لصديقي استعمال كلمة طرنيب بدل الإسم الصحيح، ويقول صديق آخر أنّ أهل بلاد الشام يستعملون عبارة “طربون الحبق”، للدلالة على شاب حسن المظهر أو شابة جميلة. فيقال هذا الشاب مثل طربون الحبق (أي مثل حزمة الزهور الجميلة).
ولكن أتى في المثل العربي قول “سيماءهم في وجوههم”، و”العين مرآة الروح”. وكل شكل خارجي جميل لن تكون له قيمة إذا حمل الشكل عيوناً كاذبة، فتصبح الروح قبيحة وذميمة هي ما سنراه وليس الوجه الجميل.
وحبل الكذب قصير ومع الأسف هيمن الكذب على الديبلوماسية الدولية. وهذا الكذب لم يكن دوماً خصلة أميركية. بل هو من اختراع وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر عام 1973.
في ذلك العام، حدث هجوم مشترك سوري – مصري على اسرائيل في الجولان السوري المحتل وفي سيناء المحتلة. وفي 19 تشرين الأوّل، أبلغت مصر كيسنجر أنها تقبل بوقف إطلاق النار، ولكن كيسنجر فعل ما بوسعه لإطالة الحرب حتى تحقق اسرائيل مكاسب على الأرض (كما أشار في مذكراته عام 1979). فبعد العرض المصري، وبدل استعمال الهاتف ونقل الرسائل عبر السفراء، ترك الأمر حتى يحضر إلى موسكو شخصياً. فأخرّ كيسنجر سفره 3 أيام، ولم يحضر إلى موسكو إلا في 22 تشرين الأول، وتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
ورغم إعلان وقف إطلاق النار، استمرّت اسرائيل في الحرب وقام جيشها بتضييق الحصار على الجيش المصري الثالث وإهانته وفرضت طوقاً على مدينة السويس.
وكانت غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل تريد مواصلة الحرب ضد مصر وتطلب ثمناً ليس أقل من إسقاط الحكم في القاهرة. ولكن كيسنجر أقنعها بأنّ كسر إرداة مصر سيغضب الشعب المصري ومن سيأتي من بعد السادات سيكون أكثر عدواة لاسرائيل لأنّه سيريد أن يثأر لكرامة المصريين وعلى غولدا مئير ألا تتلهّى بتحقيق مكاسب هنا وهناك، بل أن تكسب عبر التفاوض مع السادات كل مصر، وهو سيساعدها.
ثم جاء كيسنجر إلى القاهرة في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1973 وأشرف على لقاء جمع عسكريين مصريين واسرائيليين تحت خيمة الكيلومتر 101 على طريق السويس وذلك يوم 16 تشرين الثاني. فتوصّلت الاجتماعات إلى اتفاق على إنسحاب اسرائيل إلى شرق ممرّات سيناء مقابل سحب مصر معظم دباباتها شرق القناة، فغضب كيسنجر من العرض الاسرائيلي الذي اعتبره سخيّاً ووبّخ الاسرائيليين في استعجالهم تقديم أراضي لمصر. ثم ضغط لسحب العرض الاسرائيلي.
حتى أنّ كيسنجر أقنع موشيه دايان أن يتظاهر أمام المصريين أنّ موقف اسرائيل قاسٍ ضد كيسنجر، فيلعب معه لعبة خداع على العرب، ما يساعد كيسنجر أن يظهر كوسيط عادل يضغط على اسرائيل، إذ كلما طالبه العرب بشيء، يدّعي أنّ اسرائيل تتشدّد ولا تقبل الضغوط. وهي خدعة كيسنجرية سمجة لا تزال اسرائيل تطبّقها مع كل إدارة أميركية إلى اليوم.
طبقتها اسرائيل ضد لبنان في أيلول 2024 عندما تظاهرت بالتوصل إلى وقف إطلاق النار وذهب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى نيويورك وتفاءل اللبنانيون خيراً. ولكن اسرائيل مارست الخداع وواصلت الحرب وكان ما كان،
وطبقتها اسرائيل في الهجوم على طهران يوم 13 حزيران الجاري، بعد اسبوع من النفاق أنّ طرنيب غاضب من نتنياهو وسنكفه علناً الخ.، فيما إيران تستعد لجولة من المحادثات النووية مع أميركا في مسقط يوم 15 حزيران. ثم فرح طرنيب وتبنى الهجوم الاسرائيلي وأنّ المعركة له، وأضاف نتنياهو أنّ اسرائيل حصلت على الضوء الأخضر من طرنيب يوم الإثنين 9 حزيران.
بيت الحكمة يقول إنّ من يريد أن يصبح سيد العالم أن يكون عادلاً وقانونياً ولييس دجالاً منافقاً. يا ضيعان أميركا التي تريد أن تكون سيدة العالم ولكنها تستعمل النفاق الكيسنجري فتفقد أحترامها بين الأمم.
“سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا. فإن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون؟!” (متى 6: 22-23).