في اليوم العالمي للاجئين: أزمة إنسانية مفتوحة على المجهول

في اليوم العالمي للاجئين: أزمة إنسانية مفتوحة على المجهول
بقلم: رئيس التحرير
في كل عام، وتحديداً في العشرين من حزيران/يونيو، يحيي العالم اليوم العالمي للاجئين، في مناسبة تحمل في طياتها أبعادًا إنسانية، سياسية، وقانونية، تتجاوز مجرد التذكير بالمعاناة إلى ضرورة الوقوف الجاد أمام واحدة من أعقد القضايا العالمية في العصر الحديث: قضية اللجوء القسري.
اللجوء: معاناة عابرة للحدود
اللجوء ليس ظاهرة عابرة أو نتاجًا لحادث طارئ، بل هو نتيجة تراكمات من الحروب، والاحتلال، والاضطهاد السياسي أو الديني أو العرقي، والفقر المدقع، والكوارث البيئية التي غالبًا ما تكون مضاعفة في مناطق النزاعات. وقد تجاوز عدد النازحين قسراً حول العالم، بحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2025، حاجز 120 مليون إنسان، في رقم غير مسبوق يشير إلى تعاظم الأزمات وتراجع الحلول.
ويكفي القول إن معظم اللاجئين ينتمون إلى دول تشهد أزمات مزمنة أو نزاعات طويلة الأمد، مثل سوريا، فلسطين، أفغانستان، ميانمار، السودان، وأوكرانيا. وهم في الغالب لا يجدون في طريقهم ملاذًا آمناً، بل صراعاً مع ظروف قاسية، وواقعًا منسيًا على أبواب العالم الغني.
اللجوء الفلسطيني: نكبة بلا نهاية
تظل القضية الفلسطينية المثال الأوضح والأقدم على اللجوء الدائم. فمنذ نكبة عام 1948، يعيش الشعب الفلسطيني أكبر تجربة لجوء في التاريخ المعاصر. أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلون لدى وكالة “الأونروا”، موزعين بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومخيمات الشتات في لبنان وسوريا والأردن، وعدد كبير منهم في المنافي والشتات.
ورغم مرور أكثر من سبعة عقود، لا يزال اللاجئ الفلسطيني محرومًا من حقوقه الأساسية، وفي مقدمتها حق العودة إلى دياره، وهو الحق الذي نصت عليه الشرعية الدولية بموجب القرار الأممي 194. كما تتراجع خدمات وكالة الأونروا تباعًا نتيجة الضغوط السياسية والتمويلية، مما يزيد من تعقيد وضعية اللاجئين الفلسطينيين ويهدد مقومات صمودهم.
صعود الشعبوية ومعاداة اللاجئين
في ظل تفاقم الأزمات، برز خطاب شعبوي مقيت في عدد من الدول، يعادي اللاجئين ويحمّلهم مسؤولية اقتصادية أو أمنية زائفة. وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا في سياسات الإغلاق والترحيل القسري، بل وفرض قوانين تمييزية بحق اللاجئين، في تناقض صارخ مع القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
ويكشف ذلك عن فشل أخلاقي وسياسي في التعامل مع جوهر القضية، إذ لم تعد الدول الكبرى تكتفي بعدم تقديم الحلول الجذرية للنزاعات، بل بات بعضها شريكًا في تغذيتها، ما يخلق موجات لجوء جديدة ومآسي ممتدة.
مسؤولية المجتمع الدولي
اليوم، يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته القانونية والإنسانية إزاء اللاجئين. فالرعاية المؤقتة ليست حلاً، ولا يمكن اختزال أزمة اللجوء في الخيام والمعونات الغذائية، بل المطلوب هو معالجة الأسباب الجذرية: إنهاء الحروب، إرساء العدالة، احترام حقوق الشعوب، وضمان الحق في تقرير المصير.
إن إحياء اليوم العالمي للاجئين لا يجب أن يكون مناسبة رمزية فحسب، بل دعوة إلى ضمير العالم كي يتوقف عن إدارة الأزمات، ويتجه نحو حلول دائمة وعادلة تضع كرامة الإنسان في صلب أولوياتها.
ووفق كل ذلك اللاجئون ليسوا تهديدًا، بل هم ضحايا أنظمة دولية غير عادلة. إنهم بشر أجبروا على الهروب من الموت، ويحلمون بحياة طبيعية ومستقبل آمن لأطفالهم. ولعل أكبر خيانة في حقهم أن نُحوّل معاناتهم إلى أرقام، أو نُغلق أبوابنا في وجوههم، أو نُقايض حقوقهم بحسابات سياسية.
في اليوم العالمي للاجئين، فلنُجدد العهد مع الإنسانية، ولنُذكر أنفسنا بأن الحق في الأمان والسكن والتعليم والعمل ليس ترفًا، بل هو جوهر كرامة الإنسان… كل إنسان.