مقالات

حرب إسرائيل على إيران: الأهداف المعلنة والطموحات الخفية

حرب إسرائيل على إيران: الأهداف المعلنة والطموحات الخفية

في حال فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها، فلن يكون بمقدور نتنياهو تحميل المسؤولية لأي جهة أخرى، ولا الادعاء بأنه لم يكن على علم كافٍ أو أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لم تحذّره من المخاطر والتحديات…

في مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين، 16 حزيران/ يونيو، عدّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إنجازات إسرائيل العسكرية في حربها ضد إيران، منذ بدء الهجوم صباح يوم الجمعة، 13 حزيران. وقد بدا جليًا، من خلال لغة الجسد والأجواء العامة والمفردات التي استخدمها نتنياهو، أنّ هذا المؤتمر يختلف في طبيعته وأجوائه عن المؤتمرات الصحفية التي عقدها في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. فقد اتّسم المؤتمر بطابع احتفالي بالنسبة لنتنياهو، لا سيما في ظل ما تراه إسرائيل إنجازات عسكرية، مقابل الرد الإيراني المتواضع.

لا يمكن الجزم في هذه المرحلة بنتائج الحرب، على الرغم من ادعاءات إسرائيل بتحقيق إنجازات عسكرية مهمة. الهدف الأساسي المعلن لإسرائيل لهذه الحرب هو توجيه ضربة قاسية للمشروع النووي الإيراني، وكذلك لقدراته الصاروخية. وقد أضافت إلى ذلك استهداف القدرات العسكرية الإيرانية، والصناعات العسكرية، والبُنى التحتية المرتبطة بالأمن والعِلم، بما في ذلك الكوادر البشرية المتخصصة. ويبدو، وكما هو معتاد في سلوك إسرائيل العسكري، أن شهيتها تتسع كلما شعرت بأنها تحقق إنجازًا ميدانيًا، ما يدفعها إلى توسيع دائرة الأهداف والضربات. خاصة وأن الحرب على إيران تحظى بدعم دولي واسع، دون وجود ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية. كما تحظى الحرب، بعد مرور أسبوع على اندلاعها، بدعم كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، وفقًا لاستطلاع للرأي نُشر في القناة 13، حيث عبّر 75٪ من المشاركين عن تأييدهم للحرب على إيران. وبما أن هذه النسبة تشمل أيضًا المواطنين العرب الذين يُرجّح أن يعارضوا الحرب، فمن المتوقع أن تكون نسبة الدعم الفعلية بين الإسرائيليين اليهود أعلى من ذلك بكثير. وأظهر استطلاع آخر أجراه مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب نشر بتاريخ 17 حزيران/يوليو، ارتفاعًا في مستويات الثقة بالحكومة وبنتنياهو منذ بداية الحرب على إيران.

وقد انعكس هذا الدعم الشعبي، وفقًا لاستطلاع القناة 13، في ارتفاع متوقّع في عدد المقاعد التي قد يحصل عليها حزب الليكود في الانتخابات المقبلة، إذ ارتفعت من 24 مقعدًا في الاستطلاع السابق إلى 27 مقعدًا، مقابل تراجع في قوة جميع أحزاب المعارضة. وبهذا، يكون نتنياهو قد حقق أحد أهداف الحرب غير المُعلنة: ترميم مكانته السياسية، وعودة الليكود لتصدر المشهد كأكبر حزب في الكنيست.

توسيع شهية إسرائيل

يسعى نتنياهو إلى توسيع أهداف الحرب، واستغلال الظرف الإقليمي والدولي الناشئ لتحقيق غايات استراتيجية أوسع. ويمكن الافتراض أن نتنياهو يرى في إضعاف إيران فرصة سانحة تُمكّن إسرائيل والولايات المتحدة من فرض شروط قاسية على طهران في أي مفاوضات مستقبلية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. فالتنازل عن المشروع النووي أو تقليص القدرات الصاروخية لم يعد كافيًا، في نظر إسرائيل، لوقف العمليات العسكرية؛ إذ تهدف إلى إقصاء إيران من المعادلات الإقليمية وتفكيك نفوذها في المنطقة. كما انعكس في إضافة نتنياهو، خلال المؤتمر الصحفي، هدفًا آخر للحرب تمثّل في “تفكيك أو القضاء على محور الإرهاب”، على حدّ تعبيره، في إشارة إلى المحور الإيراني الإقليمي.

هذا يعني أن على إيران الانسحاب من مشروعها الإقليمي، ووقف دعمها للقوى الحليفة لها، مثل حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن خلال ذلك، تسعى إسرائيل إلى إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة بما يعزز هيمنتها الإقليمية. ويُتوقع أن يُصعّب هذا السيناريو على حزب الله إعادة تنظيم قدراته العسكرية والمدنية، ما يشكل ضربة إضافية إلى الضربات التي تلقاها خلال الحرب. كذلك، فإن الوضع في اليمن قد يصبح مهيّأ أكثر لضرب قدرات جماعة الحوثيين من قِبل دول كالسعودية والإمارات، اللتين فشلتا في ذلك خلال السنوات الأخيرة. أما الأهم إسرائيليًا، فهو أن تراجع مكانة إيران الإقليمية سيُلحِق ضررًا بالغًا بقدرات حركة حماس، ويُضعف احتمالات إعادة بنائها لقدراتها العسكرية والمدنية والسياسية في المستقبل.

هل تغيير النظام وارد في الحسابات؟

في مثل هذا السيناريو، من المحتمل أن تسعى الإدارة الأميركية وإسرائيل إلى استغلال اللحظة لفرض تغيير داخلي في إيران، أو خلق ظروف داخلية مواتية تدفع باتجاه التغيير. فالحساب الأميركي مع الثورة الإيرانية هو حساب قديم ومعقّد، تعود جذوره إلى انتصار الثورة عام 1979 والسيطرة على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين.

لا نبالغ إن قلنا إن إضعاف إيران عسكريًا قد يدفع الإدارة الأميركية إلى إضافة شروط تتعلق بإصلاحات داخلية، كالدفع نحو “دمقرطة” النظام وضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية، وفق المفهوم الأميركي والغربي لهذه القيم. على الرغم من أن هذه القضايا لا تشكّل أولوية بالنسبة لإسرائيل، التي لطالما تجاهلت أو استغلت قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأغراض سياسية، إلا أن ما يهمها في نهاية المطاف هو تحقيق ترتيبات إقليمية تضمن أمنها، واستقرار مصالحها السياسية والاقتصادية، وتوسيع شبكة علاقاتها والتطبيع مع الأنظمة في المنطقة، بغض النظر عن طبيعة هذه الأنظمة أو مدى احترامها للمعايير الديمقراطية.

هل تستطيع إسرائيل فعلاً تحقيق أهداف الحرب؟

تدّعي إسرائيل أنها حققت إنجازات عسكرية مهمة وإستراتيجية منذ بداية هجومها على إيران، وتؤكد نجاحها في توجيه ضربات قاسية للمشروع النووي الإيراني، ولمواقع الصواريخ الباليستية، ولمرافق عسكرية حيوية أخرى. وتمكنت إسرائيل من فرض سيطرة جوية على المجال الجوي الإيراني. ومع ذلك، لم تُحسم المعركة بعد، إذ لا تزال إيران تملك القدرة على الرد، وتواصل إطلاق صواريخ نحو العمق الإسرائيلي، وتمتلك القدرة على استنزاف إسرائيل في حال استمرت المواجهة لفترة أطول. وتشير غالبية التحليلات الإسرائيلية – سواء في مراكز الأبحاث أو وسائل الإعلام، أو عبر تصريحات قيادات عسكرية وسياسية سابقة – إلى إدراك المؤسسة الإسرائيلية أن إسرائيل، بمفردها، غير قادرة على القضاء الكامل على المشروع النووي الإيراني أو على القدرات العسكرية.

من هذا المنطلق، تسعى إسرائيل إلى دفع الإدارة الأميركية نحو الانخراط المباشر في الحرب، بهدف توجيه ضربات حاسمة للمنشآت النووية، وعلى رأسها مفاعل “فوردو” المحصن بعمق 90 مترًا تحت الأرض، حسب تقارير. وبالنسبة لصنّاع القرار في إسرائيل، فإن التدخل الأميركي هو عنصر حاسم في تقصير أمد الحرب، وتقليص الخسائر، وضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلنة. لكن، حتى اللحظة، لا يزال الرئيس دونالد ترامب مترددًا في اتخاذ قرار بالمشاركة المباشرة في العمليات، على الأرجح بسبب تقديرات أميركية بشأن التداعيات السلبية المحتملة لهذا التدخل. وهذا يطرح تساؤلات جدية حول قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية المعلنة من هذه الحرب، خاصة إذا لم يتم كسر إرادة النظام الإيراني أو إضعاف قدراته على المدى البعيد.

رغم أن نتائج الحرب الإسرائيلية على إيران لم تُحسم بعد، إلا أن نتنياهو وإسرائيل يحققان، حتى الآن، إنجازات عسكرية وإستراتيجية وسياسية، ولو كانت غير مكتملة. فكما أن مآلات الحرب لا تزال مفتوحة، ولا يمكن التنبؤ بكيفية انتهائها، كذلك هو حال مستقبل نتنياهو السياسي، والذي يرتبط بشكل وثيق بمسار هذه الحرب ونهايتها. إذ إن نتنياهو كان المبادر والمُنَظِّر الأول لهذه الحرب، وهو يسعى الآن إلى توظيف نتائجها المرحلية لتعزيز موقعه السياسي وترميم مكانته في الداخل الإسرائيلي. وفي حال فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها، فلن يكون بمقدور نتنياهو تحميل المسؤولية لأي جهة أخرى، ولا الادعاء بأنه لم يكن على علم كافٍ أو أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لم تحذّره من المخاطر والتحديات، كما ادعى بعد الإخفاق الكبير في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب