انعكاسات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية على الواقع الأمني السوري

انعكاسات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية على الواقع الأمني السوري
منهل باريش
وسط صمت سوري رسمي، يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي بعملياته العسكرية في محافظة القنيطرة، حيث هدم ما يزيد عن 18 منزلا في بلدة الحميدية في ريف القنيطرة وأخرجت قوات الاحتلال الأهالي واحتجزتهم مدة سبع ساعات لحين إكمال عملية الهدم التي استمرت عدة ساعات ليلا.
وزاد الجيش الإسرائيلي من وتيرة العمليات في محافظة القنيطرة، وتتحسب تل أبيب من أي نشاط محتمل لخلايا إيران السابقة في جنوب سوريا.
وفي تحد جديد، رفعت دورية عسكرية العلم الإسرائيلي على تل الأحمر الشرقي، ومن الواضح أن الاحتلال يسعى إلى التوسع شرقًا باتجاه محافظة درعا وتأمين سيطرة نارية باتجاه سد كودنا شمالًا والرفيد جنوبًا. ورغم رفع العلم أعلى التل المشهور، فإن جيش الاحتلال لم يتخذ من التلة مركزًا دائمًا، غير أن المجريات على الأرض ترجح ذلك، يُضاف إلى تسع نقاط انتشار تتفاوت بين قاعدة أساسية كبيرة، مثل قاعدة جبل الشيخ في أقصى محافظة القنيطرة، وبين قواعد صغيرة أخرى.
وبذلك تكون القواعد العسكرية التي بنتها إسرائيل في القنيطرة عقب سقوط نظام بشار الأسد هي كالتالي من الشمال إلى الجنوب: قاعدة جبل الشيخ، وهي أكبر مرصد عسكري يشرف على كامل ريف دمشق الغربي وصولًا إلى قصر الشعب.
قاعدة البرج في حرش جباثا، الواقعة شمال البلدة، وهي عبارة عن بناء طابقي جهز فيه جيش الاحتلال مهبطًا للطيران العمودي/المروحي بعد أن جرف مئات الأشجار في حرش جباثا. ثالثًا، نقطة الحميدية، وتقع شمال البلدة وعلى الطريق الواصل بين خان أرنبة ومدينة السلام (البعث سابقًا) شرقًا والحدود الإسرائيلية غربًا، وتوجد على مفترق طرق زراعية تكشف كامل الأطراف الغربية لمدينة السلام. ونقطة القنيطرة المهدَّمة هي الرابعة، وقاعدة العدنانية خامس النقاط الإسرائيلية، وتقع بالقرب من سد المنطرة، وهي قاعدة كبيرة ومحصنة. وتشكل نقطة تل الأحمر الغربي النقطة المركزية في القطاع الأوسط من محافظة القنيطرة، وقد بنى الإسرائيليون عليها قاعدة كبيرة مستفيدين من التحصينات الهندسية التي بناها جيش النظام قبل نحو عشرين عامًا، وفتحت فرق الهندسة طريقًا جديدًا يصل بين القاعدة والجولان المحتل، وأنارت القاعدة والطريق بالكامل، ونصبت كشافات ضوئية ومناظير حرارية ليلية لرصد أي تحرك من جهة الشرق باتجاه القاعدة. وعلى بعد 1.1 كم شرقًا يقع تل الأحمر الشرقي، وهو أصغر من التل الغربي. وتغلق قوات جيش الاحتلال الطرق الواصلة إلى القواعد بالسواتر الترابية، ما يجعل المدنيين يسلكون طرقًا بديلة طويلة تضاعف المسافة. وفي منطقة حوض اليرموك، أنشأ الجيش الإسرائيلي ثلاث نقاط في بلدات معرية وجملة وكويا.
وزاد النشاط العسكري للجيش الإسرائيلي بشكل ملحوظ خلال حزيران (يونيو) الجاري، وتحديدًا بعد إطلاق صاروخين من نوع غراد باتجاه الجولان السوري المحتل مطلع الشهر. واعتقلت دوريات إسرائيلية ثلاثة شباب من قرية طرنجة الملاصقة لبلدة جباثا في القطاع الشمالي من محافظة القنيطرة، كما تجرف الآليات الهندسية التابعة لجيش الاحتلال حرش تل شحار الواقع غرب جباثا قرب الشريط الحدودي مع إسرائيل، ولا تتوقف عمليات التجريف لأشجار محمية في جباثا شمال البلدة، التي اتخذت منها القوات الإسرائيلية قاعدة يتم توسيعها بشكل مستمر.
اعتقلت قوات الاحتلال الفتى صدام أحمد في 25 نيسان (إبريل) 2024، وكان يبلغ 17 عامًا لحظة الاعتقال. ويقول حسن، والد المعتقل، إن صدام كان يرعى الأغنام في مزرعتهم الواقعة غرب جباثا، فنصب له جنود الاحتلال كمينًا واقتادوه إلى الداخل الإسرائيلي. وأشار إلى أن صدام محتجز في سجن عوفر. في كانون الثاني (يناير) الماضي، أتم صدام الثامنة عشرة من عمره وما زال محتجزًا. ويعتب أبو صدام على الحكومة السورية الجديدة لأنها لا تتابع قضية ابنه، ويقول: «يكتفي المسؤولون السوريون الذين قابلتهم في محافظة القنيطرة بتدوين الاسم فقط»، فيما يرى أن الصليب الأحمر الدولي هو «الجهة الأكثر اهتمامًا ومتابعة لقضية صدام». وكحال صدام، اعتقلت إسرائيل عشرات الشباب، وخاصة رعاة الأغنام، وتعتبر سياسة الاعتقال القصير لمدة يوم أو يومين الوسيلة الإسرائيلية للحصول على معلومات ميدانية أو عن جهات متعاونة سابقًا مع حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية. كما تسعى إلى تجنيد المعتقلين وعرض مبالغ مالية عليهم مقابل التعاون وتقديم المعلومات.
تحولت مناطق جنوب سوريا إلى مجال اشتباك جوي على مدار الساعة، حيث تعترض المقاتلات الجوية الإسرائيلية طائرات مسيرة قادمة من الشرق، وأسقطت نحو سبع طائرات مسيرة ثابتة الجناح في مناطق متفرقة، أربع منها سقطت في الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة نوى، في حين سقطت واحدة في بلدة الرفيد بريف القنيطرة الجنوبي، وأخرى في مدينة جاسم شمال درعا. وقرب الحدود الأردنية السورية، اعترضت المقاتلات الجوية الإسرائيلية ثلاث طائرات مسيرة قرب بلدة نصيب بريف درعا الشرقي. ومن غير المعروف مصدر الطائرات القادمة من الشرق، إذا كانت كلها من إيران أم أن فصائل عراقية دخلت معركة الإسناد إلى جانب إيران بدون إعلان، مراعاة لحساسية الحرب وتعقيداتها، خاصة مع التحذيرات الأمريكية للميليشيات بعدم التدخل في الساحة السورية شرقًا بعد إسقاط نظام الأسد.
يحارب جهاز الأمن الداخلي (العام سابقًا) في وزارة الداخلية السورية خلايا تصنيع وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة في محافظة دير الزور. وبعد الحملة التي شنها في أيار (مايو) وطالت في منطقة الهري جنوب البوكمال حسين العلي وعشرة من أبنائه وأحفاده بعد مداهمة مستودعات الأسلحة الخاصة به، شنت أجهزة الأمن يوم الإثنين حملة واسعة في دير الزور ضد مهربي المخدرات وتجار الأسلحة، وهم منتسبون سابقون في الحرس الثوري الإيراني، حسبما أفاد مصدر أمني في دير الزور لـ«القدس العربي».
ويعزز ذلك فرضية خشية الإدارة السورية الجديدة من أي تحرك إيراني يساهم في تعقيد الموقف في المنطقة، خاصة في حال لجأت إيران إلى حرب مفتوحة تستخدم فيها كل أوراقها. وفي سياق منفصل، أنهت الفرقة 86 في وزارة الدفاع السورية عقود 21 من عناصرها المنضمين حديثًا لها، بسبب عملهم السابق في الدفاع الوطني السوري الموالي لبشار الأسد. وتتخوف القيادة الأمنية من تسلل عناصر النظام السابق غير المعروفين أو الموالين لإيران أو تنظيم «الدولة»، وتسعى إلى منع أي خرق أمني في صفوفها، خاصة العاملة في القطاع الحدودي مثل الفرقة 86 في محافظة دير الزور، ويتوقع أن تتوسع مناطق انتشارها لتشمل الحسكة والرقة بعد التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي.