ثقافة وفنون

أوركسترا لندن العربية تتألق على مسرح باربيكان في قلب لندن

أوركسترا لندن العربية تتألق على مسرح باربيكان في قلب لندن

صادق الطائي

في مساء السابع من حزيران/يونيو 2025 استمتع حضور ملأ قاعة مسرح باربيكان العتيد في قلب العاصمة البريطانية لندن، بتقاليد الموسيقى العربية الغنية في أعمال قدمتها أوركسترا لندن العربية في احتفالية نابضة بالحياة جمعت بين اللحن والإيقاع والثقافة، إذ قدمت مقطوعات موسيقية وكورالية، بقيادة المايسترو باسل صالح.
كانت الأمسية عبارة عن رحلة ممتعة عبر موسيقى مختلف بقاع العالم العربي في حدث استثنائي. وقد ضمت الأمسية أوركسترا لندن العربية، وجوقة الكورال العربي، وقدم الإثنان التراث الموسيقي العربي المنوع بقوالبه المختلفة. إذ استمتع الجمهور وتفاعل مع أكثر من 54 مقامًا مميزًا، وإيقاعات دقيقة، وأصوات نابضة بالحياة لآلات موسيقية تقليدية كالعود والقانون والإيقاعات، متزاوجة مع الآلات الغربية كالبيانو والكمانات والتشيلوات.

أوركسترا لندن العربية

تضم أوركسترا لندن العربية موسيقيين عربا وأوروبيين وكورال من مناطق مختلفة من العالم العربي، الهدف الأساسي للأوركسترا هو تعزيز فهم أعمق وتقدير للموسيقى العربية. من خلال مزج الألحان العربية التقليدية مع الموسيقى الأوروبية والإنكليزية المعاصرة، تسعى أوركسترا لندن العربية إلى خلق اندماج متناغم يتجاوز الحدود الثقافية. لا يحافظ هذا المزيج الفريد على جوهر التقاليد الموسيقية العربية فحسب، بل يقدم أيضًا مقطوعات موسيقية مبتكرة تجذب المستمعين المعاصرين. وتتكون أوركسترا لندن العربية من ثلاث مجموعات أصغر هي: فرقة لندن العربية، والجوقة النسائية والكورال.
تضم أوركسترا لندن العربية مجموعة متنوعة من الموسيقيين، يقدم كل منهم خبرته الفريدة وشغفه إلى الفرقة. وتتميز الأوركسترا بآلات موسيقية عربية تقليدية مثل العود والقانون والناي والإيقاع، إلى جانب الآلات الغربية الكلاسيكية، ما يخلق مشهدًا صوتيًا غنيًا ومحكمًا. وتتضمن ذخيرتهم مجموعة واسعة من المقطوعات الموسيقية، بدءًا من الكلاسيكيات الخالدة وحتى المقطوعات الموسيقية التي تم إنشاؤها حديثًا والتي تعكس الحوار المستمر بين التقاليد الموسيقية الشرقية والغربية.
يكمن جوهر فلسفة أوركسترا لندن العربية في الإيمان بالموسيقى كأداة قوية للتقارب الثقافي. ومن خلال الجمع بين التقاليد الموسيقية للعالمين العربي والغربي، كما تسعى الأوركسترا إلى سد الفجوات الثقافية وتعزيز التفاهم المتبادل بين العرب والغرب. ويعد نهجهم المبتكر في صناعة الموسيقى بمثابة جسر ثقافي يجمع مختلف الشعوب معًا ويعزز الشعور المشترك بالإنسانية.
وبالنظر إلى المستقبل، تواصل أوركسترا لندن العربية توسيع آفاقها، بحثًا عن تعاونات وفرص جديدة لمشاركة موسيقاها مع جمهور أوسع. تشمل مشاريعهم المستقبلية جولات دولية وتسجيلات تعاونية ومشاريع الوسائط المتعددة التي تعزز مهمتهم في التبادل الثقافي والابتكار الموسيقي.

الكورال أو جوقة لندن العربية

أما فيما يخص الكورال العربي، ففي إطار تعزيز الفنون الموسيقية وتنمية المواهب الصوتية، أنشأ مشروع الكورال ليقدم دروسًا في الغناء الجماعي تهدف إلى تحسين القدرات الصوتية للمشاركين وتوسيع نطاقهم الصوتي. ويستخدم المشروع أساليب تدريب حديثة تركز على تقنيات التنفس السليمة، والأداء الاحترافي للأغاني العربية بأنماط متنوعة، والغناء الجماعي المتناغم. كما يهدف المشروع إلى تثقيف المشاركين حول أساسيات الموسيقى العربية، بما في ذلك المقامات والإيقاعات، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع الميكروفون والحضور المسرحي.
وقد أتيح للمشاركين في مشروع الكورال فرصة إبراز مهاراتهم من خلال عروض مع أوركسترا لندن العربية. كما تم تنظيم حفلات موسيقية احترافية خاصة للفرقة، مما يُتيح للأعضاء فرصة اكتساب خبرة مسرحية قيّمة واكتساب خبرة عملية. ويهدف مشروع الكورال إلى خلق بيئة تعليمية موسيقية تفاعلية تُسهم في تطوير المهارات الصوتية والفنية للمشاركين. ومن خلال التمارين المتخصصة والتدريب المستمر، حقق المشاركون تقدمًا ملحوظًا في أدائهم الغنائي، ما ساهم في إثراء المشهد الموسيقي العربي بمواهب إبداعية واحترافية.

المايسترو باسل صالح

باسل صالح قائد أوركسترا، ملحن، مغنٍّ، وعازف عود، مشهور بمزجه المبتكر بين الموسيقى الكلاسيكية العربية والغربية. بخبرة تمتد لأكثر من عقدين، تألق باسل على مسارح عالمية، وقاد فرقًا موسيقية، وتعاون مع فنانين مرموقين.
قاده شغفه بالموسيقى إلى الحصول على درجة الماجستير في التربية الموسيقية من جامعة دمشق، مستفيدًا من خبرته في آلة القانون والغناء الكلاسيكي في المعهد العالي للموسيقى. وتشمل خبرته الواسعة قيادة فرق أوركسترا وجوقات في كل من سوريا والمملكة المتحدة، لا سيما كقائد لأوركسترا لندن العربية وأوركسترا الموسيقيين السوريين، بالإضافة إلى كونه القائد السابق لأكاديمية الفنون وجوقة التراث العربي في بريطانيا حتى ايار/مايو 2023، ورابطة فناني الأوركسترا والجوقات في سوريا حتى عام 2016.
بصفته ملحنًا، اشتهرت أعمال باسل صالح بمزيجها الفريد من التأثيرات الثقافية. إذ عزفت فرق موسيقية مرموقة أعماله، بما في ذلك «صلبتاني» و«من بردى إلى نهر التايمز»، مثل جوقة مغنيي «بي بي سي»، وأوركسترا ليفربول الفيلهارمونية، وسيمفونية ترورو.
جمعت المايسترو باسل صالح روح تعاونية مع فنانين مرموقين مثل دامون ألبورن من فرقة غوريلاز، وبول ويلر، ومارتن غلوفر «يوث»، وتوم موريس، ومارتن غرين، وسوشيلا رامان، وسام ميلز. وقادته أوركسترا الموسيقيين السوريين إلى مهرجانات عريقة مثل غلاستونبري، وووماد، إذ قدم أعماله على قاعة المهرجانات الملكية في لندن، وجميل توبوزلو في إسطنبول، ومهرجان روسكيلد في كوبنهاغن بالدنمارك، ومهرجان والتهامستو، ومهرجان كامبريدج الشعبي، ومهرجان أمستردام الهولندي، ومهرجان برايتون دوم.
ويتجلى التزام باسل صالح بمد جسور التواصل بين التقاليد الموسيقية في تعاوناته الثقافية المتعددة. إذ قاد حفلاً موسيقياً جمع أوركسترا الموسيقيين السوريين مع أوركسترا ليفربول الفيلهارمونية مع الفنان العالمي دامون ألبورن عام 2018. كما تعاون مع فنانين مثل سوشيلا رامان وسام ميلز، وشارك في مشاريع مثل «الموسيقى الحديثة والقديمة للشرق المسيحي» في قاعة باربيكان عام 2017.
وشارك المايسترو باسل صالح في ورشة عمل مع المخرج الدولي توم موريس ومع مارتن غرين وديفيد غريغ في استوديو المسرح الوطني في تموز/يوليو 2023. وقام بتدرّيب الجوقة وغنى منفرداً في أوبرا جون من تأليف عابد عزرية في دار الأوبرا السورية، وفي مهرجان الموسيقى الروحية في فاس بالمغرب، وفي دار الأوبرا الفرنسية في مرسيليا ونيس عام 2009. كما قاد أوركسترا الموسيقيين السوريين في «أوروبا على المسرح» في بوزار، بروكسل، مع الفنان بالوجي عام 2017.
قدمت أوركسترا لندن العربية وفرقة الكورال في حفلهم الأخير على مسرح باربيكان ألحانا ساحرة من الموسيقى الأندلسية، وأغان كلاسيكية خالدة من العصر الذهبي للموسيقى العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأغانٍ شعبية نابضة بالحياة، كل ذلك مُكمّل بمجموعة مختارة من المؤلفات الموسيقية الجديدة والمبتكرة. إذ قدموا الموسيقار الرائد محمد عثمان وعمله المميز موشح ملا الكاسات، والأخوين رحباني عبر عملهم على الموشحات الأندلسية، وموسيقار الجيل محمد عبد الوهاب برائعته «امتى الزمان»، والعديد من مختلف أغاني العالم العربي. كما اشترك في الأمسية الفنان البريطاني جيف بارنيل بتقديم عمل خاص تعاون في إنجازه مع المايسترو باسل صالح.
إن أوركسترا لندن العربية تمثل اليوم أكثر من مجرد فرقة موسيقية؛ إنها سفير ثقافي، وجسر بين العوالم، وشهادة على القوة الموحدة للموسيقى. وعبر تفانيهم في الحفاظ على التقاليد الموسيقية العربية وابتكارها، يواصلون إثراء المشهد الثقافي العربي والعالمي، والجمع بين المتلقين عبر لغة الموسيقى العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب