نتنياهو يدفع نحو الحرب الدينية ؟؟؟ زيارة حائط البراق وتطمينات مشروطة في ظل تصعيد إيراني متواصل

نتنياهو يدفع نحو الحرب الدينية ؟؟؟ زيارة حائط البراق وتطمينات مشروطة في ظل تصعيد إيراني متواصل
بقلم رئيس التحرير
في ذروة التصعيد مع إيران، وبينما تتسارع وتيرة الضربات المتبادلة وتتشابك الجبهات الإقليمية، يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الدفع باتجاه مزيد من التوتير، عبر خطاب سياسي متطرف، يأخذ بُعدًا دينيًا واضحًا، وينذر بتحويل الصراع السياسي إلى حرب دينية شاملة، قد تنفجر في وجه المنطقة بأسرها.
لا يمكن فصل زيارة نتنياهو إلى حائط البراق (الذي يُطلق عليه الاحتلال “حائط المبكى”) في هذا التوقيت الحرج، وزيارته لم تكن مجرد تعبير عن طقس ديني أو انتماء شخصي، بل جاءت كرسالة رمزية مركبة: موجهة إلى الداخل الإسرائيلي لتعزيز اللحمة القومية والدينية في لحظة قلق وجودي، وموجهة إلى الخارج كنوع من تثبيت “الحق اليهودي” في القدس، وسط مسار متسارع نحو فرض واقع سياسي وديني جديد في المدينة المحتلة.
هذه الخطوة، التي قد تبدو شكلية للبعض، لكنها تحمل أبعادًا استراتيجية في قاموس نتنياهو، الذي لطالما سعى إلى مزج الدين بالسياسة، لتبرير سياساته التوسعية والعدوانية، وشرعنة الاحتلال تحت غطاء “الوعود التوراتية”.
وفي خطابه الأخير، سعى نتنياهو إلى تهدئة المخاوف في الشارع الإسرائيلي، بالقول إن “إيران ماضية في الحرب” وإن إسرائيل “تتعامل مع التهديد بصرامة ومسؤولية”. لكنه، في الواقع، يُدير معركة استنزاف مدروسة، يتجنب من خلالها الحسم، ويُراهن على الوقت لتوريط الولايات المتحدة في ضربات أوسع على إيران، دون أن تتحمل تل أبيب كلفة الانفجار الشامل.
هذا التوجه يُعزز فرضية أن نتنياهو لا يسعى فعليًا إلى إنهاء الحرب، بل إلى إدارتها كأداة سياسية داخلية وخارجية، تتيح له تعزيز اصطفاف اليمين المتطرف حوله، والتملص من مسؤولية الفشل في غزة والشمال، وربما تفادي مساءلات داخلية في حال تدهور الأوضاع أكثر.
وهنا لا بد من التنويه والتوضيح لما تحمله القدس في هذه المرحلة موقعًا محوريًا في الصراع. فمع تصاعد الاعتداءات على المسجد الأقصى، وتزايد الدعوات لاقتحامات المستوطنين، تتجه حكومة نتنياهو إلى تصعيد مدروس في المدينة، لتكريس سياسات التهويد والتقسيم الزماني والمكاني. وبهذا، يتم إدخال القدس مجددًا في قلب أي تصعيد إقليمي، في خطوة تحمل مغامرة كبيرة، قد تُشعل الضفة وغزة وساحات الشتات.
من خلال ذلك، يُراهن نتنياهو على تحفيز دعم قاعدته السياسية، وربما على ردود فعل فلسطينية تتيح له تقديم نفسه للعالم كضحية، في الوقت الذي يقود فيه مشروعًا عدوانيًا يهدد الاستقرار الإقليمي برمته.
وهنا لا بد من التحذير من مخاطر الانزلاق إلى حرب دينية لان
ما يقوم به نتنياهو ليس مجرد تعبئة داخلية، بل هو توجيه ممنهج نحو تحويل طبيعة الصراع من صراع على الأرض والسيادة والحقوق إلى صراع عقائدي – ديني، يكون فيه الطرف الآخر ليس مجرد خصم سياسي، بل “عدو توراتي”، ما يستدعي مواجهته بلا هوادة.
هذا التوصيف يُحاكي خطابات توراتية يمينية، تتقاطع مع نظريات “نهاية الزمان” لدى بعض الدوائر المسيحية الصهيونية في أمريكا، ويُهدد بنسف أي إمكانية لحل سياسي عادل، ويدفع شعوب المنطقة إلى جولات متتالية من العنف والانقسام.
مقامرة خطيرة ما يقوم به نتنياهو الذي لا يكتفي بإشعال الحرائق، بل يرمي إلى التحكم بمساراتها الزمنية والميدانية، معتقدًا أنه قادر على ضبط الإيقاع بين تهديد إيران، واحتواء المقاومة الفلسطينية، وإدارة الموقف مع واشنطن.
غير أن مقامرته هذه محفوفة بالمخاطر، خصوصًا إنه يدخل القدس في جولة التصعيد، إذ أن أي مساس بالمدينة قد يفجّر الغضب الشعبي من جديد، ويعيد توحيد الجبهات الفلسطينية في وجه الاحتلال، في وقت تعاني فيه إسرائيل من أزمة قيادة وانقسام داخلي.
إن تحويل الحرب إلى دينية ليس مخرجًا لأزمة نتنياهو، بل انزلاق نحو مزيد من الفوضى، سيدفع الجميع ثمنه، وفي المقدمة منه المشروع الصهيوني ذاته، الذي قد لا يصمد طويلًا أمام صراع مفتوح لا تحكمه حدود العقل ولا ضوابط السياسة.