«مطرقة ترامب» لا تكسر إيران: تدارس في خيارات الردّ

«مطرقة ترامب» لا تكسر إيران: تدارس في خيارات الردّ
الضربة الأميركية لم تُضعف إيران ولا برنامجها النووي، فيما تدرس الأخيرة خيارات الردّ في ظل تصعيد أميركي مفتوح يُهدّد بجرّ المنطقة إلى مواجهة أوسع.

طهران –
اتّخذ الرئيس الأميرکي، دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض بوعود حول «صنع السلام»، خطوةً دراماتيكية، بقراره إشراك الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب الإسرائیلیة ضدّ إيران. وفي اليوم العاشر من العدوان، وبعدما فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها الاستراتيجية وواجهت ردوداً صاروخية واسعة النطاق، تحرّكت الولايات المتحدة بهدف قلب الموازين لمصلحة حليفتها، فهاجمت المنشآت النووية الإيرانية، مثبتةً مرّة جديدة أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تتأثّر أولاً وأخيراً بالاعتبارات والمصالح الإسرائيلية.
وتحت مسمّى عملية «مطرقة منتصف الليل»، أقدمت الولايات المتحدة، فجر الأحد، على قصف ثلاث منشآت نووية في إيران (نطنز، أصفهان وفوردو)، خاضعة جميعها للإشراف الكامل لـ»الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وعن ذلك، قال ترامب إنه تمّ إسقاط حمولة كاملة من القنابل على الموقع النووي الأساسي في «فوردو»، مدّعياً بأن هذا المفاعل «انتهى».
وفي مقابل ادّعاءات ترامب، ثمة شكوك معتدّ بها حول نجاعة الضربة، وحجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإيرانية. ففي حين زعم وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، أمس، أن البرنامج النووي الإيراني «دُمّر بالکامل» بفعل ضربات بلاده، فإن بعض التقارير الواردة من داخل إيران، أشارت إلى أن الضربات استهدفت مداخل المنشآت النووية ومحيطها فقط، من دون أن تخترق البنية التحتية الأساسية أو تلحق بها أضراراً بالغة، خاصة أن إيران، وفقاً لمصادر مطّلعة، نقلت احتياطياتها من اليورانيوم المخصّب إلى أماكن مجهولة قبل أيام قليلة، لتفادي التلوّث وعدم الإضرار بالسكان القاطنين بالقرب من المنشآت. وفي هذا الجانب، قال مستشار المرشد الإيراني، علي شمخاني، الذي أصيب في الضربة الافتتاحية ضدّ إيران، إنه «حتى لو افترضنا تدمير المواقع بالكامل، فإن الأمر لم ينته بعد».
وفي الإطار نفسه، أکّد الناطق باسم «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية»، بهروز کمالوندي، في مقابلة مع التلفزیون الإیراني، أن «على الجميع أن يعلم أن هذه الصناعة متجذّرة في إيران، ولا يمكن اقتلاع جذور هذه الصناعة الوطنية»، قائلاً: «صحيح أن أضراراً لحقت بنا، لكنها ليست المرّة الأولى التي تتعرّض فيها هذه الصناعة لأذى». وأشار كمالوندي إلى أنه «في السابق أيضاً وقعت حوادث مشابهة، وتمكنّا فوراً من تعويض الأضرار بفعل الإمكانات والقدرات المتوفّرة لدينا»، مضيفاً: «بطبيعة الحال، يجب أن تستمرّ هذه الصناعة، ولن يتوقّف نموّها».
وبحسب أحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية، تمتلك إيران أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب عند مستوى 60%. وباعتبارها عضواً في «معاهدة حظر الانتشار النووي»، تَعتبر طهران أن من حقّها تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي، فيما يبدي الغرب خشيته من إمكانية أن تقوم الجمهورية الإسلامية بتسليح برنامجها النووي، من خلال استخدام اليورانيوم العالي التخصيب، علماً أن المسؤولين الإيرانيين يؤكدون الطابع السلمي لهذا البرنامج.
وخلال ترؤّسه اجتماع مجلس الوزراء، أمس، دان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بشدّة، العدوان الأميركي، الذي «أَظهر أن الولايات المتحدة الأميركية هي العامل الرئيسي وراء الأعمال العدائية للكيان الصهيوني ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلى رغم محاولتهم إنكار تورّطهم، إلّا أنهم اضطروا إلى التدخل بأنفسهم في هذه المعركة، بعد الردّ الحاسم والرادع لقواتنا المسلحة، وبعدما رأوا عجز الكيان الصهيوني». وفي تصريح آخر، أكّد بزشكيان أن إيران «تحتفظ بحقّها في الدفاع عن شعبها ووحدة أراضيها».
أوصى البرلمان الإيراني، أمس، بإغلاق مضيق هرمز، ردّاً على العدوان الأميركي الأخير
ويبدو أن تدخّل الولايات المتحدة، سينقل الحرب الإسرائيلية ضدّ إيران إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيداً؛ إذ تتّجه الأنظار إلى طهران لمعرفة ما سيكون عليه ردّ فعلها. ومن بين العواقب المحتملة، انهيار العملية الدبلوماسية التي استمرت على مدى شهرين بين طهران وواشنطن، بهدف معالجة البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.
وفي الأيام التي سبقت العدوان الإسرائيلي، واستجابة للدعوات الغربية للعودة إلى طاولة المفاوضات، أكّد المسؤولون الإيرانيون أن بلادهم کانت منخرطة في العملية الدبلوماسية، وأنها تتطلّع إلى عقد الجولة السادسة من المحادثات، يوم الأحد الـ15 من حزيران الجاري؛ لكنّ العدوان الإسرائيلي الذي تمّ بضوء أخضر أميركي، غيّر الوضع، بحيث لم تعُد ممكنةً مطالبة إيران بالدخول في المفاوضات، في حين تستمرّ الاعتداءات الإسرائيلية؛ ولذا، فقد أصبح وقف العدوان شرطاً لإحياء المسار التفاوضي.
ومع دخول أميركا على خطّ المواجهة، باتت جدوى أيّ محادثات موضع تساؤل؛ إذ يبدو أن الأولوية بالنسبة إلى إيران في هذه المرحلة، هي استعادة قدرتها على الردع في مواجهة العدوان الإسرائيلي والأميركي. وبناءً على ذلك، قد تردّ إيران على الهجوم الأميركي، بمهاجمة قواعد الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، ما قد ينشر شرارة الحرب في الإقليم بأكمله، وفق ما كانت السلطات الإيرانية حذّرت منه في الأيام الأخيرة.
من جهته، حذّر «الحرس الثوري» الإيراني، في بيان، الولايات المتحدة من «ردود تجعلها تندم»، وقال إن «عدوان اليوم من النظام الإرهابي الأميركي، دفع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي إطار حقّها المشروع في الدفاع عن النفس، إلى استخدام خيارات خارجة عن فهم وحسابات الجبهة المعتدية»، مؤكداً أنه «يجب على المعتدين على هذه الأرض أن يتوقّعوا ردوداً تجعلهم يندمون». كذلك، أکّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مؤتمر صحافي من إسطنبول، على هامش الاجتماع الطارئ لـ»منظمة التعاون الإسلامي»، أن طهران ستواصل الدفاع عن سيادتها وشعبها، معتبراً أن الرئيس الأميركي «لم يخدع إيران فحسب، بل وبلاده أيضاً».
وأضاف عراقجي: «لقد خانوا الدبلوماسية وهم لا يفهمون إلّا لغة التهديد والقوّة»، مضيفاً أن «أميركا تجاوزت خطاً أحمر كبيراً جدّاً بمهاجمتها المنشآت النووية الإيرانية»، فيما لم يَستبعد انسحاب بلاده من «معاهدة حظر الانتشار النووي». كما دعا وزير الخارجية الإيراني، مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى إدانة الهجوم على المنشآت النووية، مشدّداً على أن طهران تحتفظ بجميع الخيارات للدفاع عن أمنها ومصالحها وشعبها. وكان عراقجي اتّهم، في منشور عبر «إکس»، الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، بـ»نسف الدبلوماسية»، متسائلاً كيف يمكن طهران أن تعود إلى «طاولة المفاوضات»، وهي لم تغادرها قط.
كذلك، بعثت إيران برسالة إلى مجلس الأمن، تؤكّد فيها أن الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولتان عن هجوم غير قانوني على منشآت نووية سلمية، داعيةً إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن، من أجل «بحث هذا العمل غير القانوني، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لإدانته ومنع إفلات مرتكبيه من العقاب». وبحسب نص الرسالة التي قدّمها المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني: «تلفت هذه الرسالة انتباه أعضاء مجلس الأمن الدولي، على وجه السرعة، إلى تهديد خطير للسلم والأمن الإقليميَّين والدوليَّين؛ تهديد ناتج من الاستخدام المتعمّد وغير القانوني للقوّة من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق الكامل مع النظام الإسرائيلي، ضدّ سيادة إيران وسلامة أراضيها».
وفي سياق متصل، أوصى البرلمان الإيراني، أمس، بإغلاق مضيق هرمز، ردّاً على العدوان الأميركي الأخير، لكنه أشار إلى أن القرار النهائي في هذا الشأن يعود إلى المجلس الأعلى للأمن القومي. كما أکّد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، إسماعيل كوثري، استمرار عمليات بلاده ضدّ إسرائيل رداً على العدوان، منبّهاً إلى أنّ القواعد الأميركية غير آمنة، واحتمال إغلاق مضيق هرمز وارد.
الاخبار