ما بعد خامنئي… خليفة “أكثر تطرفاً” أم احتجاجات تهز النظام كله؟

ما بعد خامنئي… خليفة “أكثر تطرفاً” أم احتجاجات تهز النظام كله؟
د. راز تسيمت
أسبوع على الحرب مع إيران، ويبدو أن التفاف الإيرانيين حول العلم يفوق عداء الكثيرين لحكم رجال الدين، في هذه المرحلة على الأقل.
في الأيام الأخيرة، بدأ يسمع في طهران تقدير بنجاح النظام في تجنيد الجمهور، بما في ذلك معارضوه، حول رموز القومية والسيادة والوحدة الإقليمية. ليس في ذلك ما يشهد على تغيير عميق في مواقف الجمهور تجاه الحكم، لكن طالما كانت طائرات سلاح الجو تحلق في سماء إيران ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تنشر صور الضرر والقتلى والإصابات للمدنيين في المحلية، فإن أساس الغضب الجماهيري موجه تجاه العدو الخارجي وليس تجاه الحكم نفسه. فضلاً عن هذا، كلما وسع سلاح الجو هجماته إلى ما وراء الأهداف التي ترتبط بالبرنامج النووي، أو بالمنظومات العسكرية، يزداد الإحساس في إيران بأن إسرائيل لا تسعى فقط إلى ضرب قدرات النظام العسكرية ولا حتى بتغييره، بل لتقسيم الدولة. هذا الإحساس يغذي خوفاً حقيقاً من تدهور إلى الفوضى والحرب الأهلية.
إمكانية تصفية زعيم إيران علي خامنئي، التي طرحت على لسان سياسيين في إسرائيل، لن تؤدي بالضرورة إلى إسقاط النظام وإن كانت كفيلة بهز قيادة الحكم
كما أن إمكانية تصفية زعيم إيران علي خامنئي، التي طرحت على لسان سياسيين في إسرائيل، لن تؤدي بالضرورة إلى إسقاط النظام وإن كانت كفيلة بهز قيادة الحكم. بخلاف حزب الله أو حماس، تستند الجمهورية الإسلامية إلى ساحة سياسية مرتبة ومؤطرة وعديدة الأجهزة. “مجلس الخبراء” الذي يتشكل من 88 من رجال الدين ومسؤول عن تعيين الزعيم الأعلى لن يجد صعوبة في إيجاد خليفة أكثر تطرفاً منه. فضلاً عن ذلك، ربما يزيد موت الزعيم إحساس الوحدة السلطوية، ويصعب محاولات ضعضعة الاستقرار من خلال الاحتجاج الشعبي. قد يستغل الحرس الثوري هذا لتعميق تحكمهم بمؤسسات الدولة وإقامة حكم عسكري – أمني، لن يكون أكثر اعتدالاً من النظام القائم.
لكن ما يبدو في هذه المرحلة كتجنيد داخلي، ربما يتبدد بعد انتهاء القتال. سيوجه الجمهور إحساس إهانة وغضب إلى الحكم، بدعوى أن إخفاقاته هي التي جرت إيران إلى مواجهة هدامة. في السنوات الأخيرة، بدا واضحاً تآكل الثقة بمؤسسات الدولة، إلى جانب يأس من وضع اقتصادي صعب، وفجوة متسعة بين الجمهور والحكم، هذه الميول قد تحتدم في ضوء فشل السلطات وأضرار الحرب. في اليوم التالي، سيعود مواطنو إيران لطرح الأسئلة اللاذعة: لماذا فضل النظام استثمار مقدرات هائلة بوكلاء إيران الإقليميين بدلاً من توجيهها لترميم البنى التحتية المنهارة أو الدفاع عن المواطنين؟ وكيف فشل النظام في توفير أمن أساسي للمواطنين البسطاء بل حتى لكبار القمة العسكرية والأمنية وعلماء النووي؟
عندما تنتظم حركة احتجاج ذات مغزى، ربما تلقى نظاماً ضعيفاً ومضروباً يجد صعوبة في تجنيد تلك المقدرات التي كانت تحت تصرفه، والتصدي بذات القدر إياه من النجاعة للتحديات الداخلية. وحتى قبل القتال، وقف النظام أمام سياقات اجتماعية عميقة وضغوط متشددة من الداخل والخارج. تحول سياسي قد ينشأ من خلال تغيير ميزان القوى بين الساعين إلى التغيير والساعين إلى الحفاظ على الوضع الراهن بأي ثمن. تغيير الميزان قد يؤدي إلى تآكل تدريجي للنظام حتى انهياره، بعد أن تفقد الدوائر المحيطة به الثقة بحيويته وبقدرته على استخدام وسائل القمع التي هي تحت تصرفه لغرض الحفاظ على بقائه. ضربة أجهزة الحكم في ظل الحرب كفيلة بانتهاك قدرتها على مواجهة التهديدات الداخلية بنجاح، بل وعلى تقويض وحدة النخبة السلطوية والأجهزة الأمنية – العسكرية المؤيدة لها. في أثناء السنة الأخيرة، سمع انتقاد داخلي متزايد من جانب دوائر محافظة للغاية في إيران تجاه سلوك الحكم في سلسلة من المجالات، والبدء بامتناع طهران عن الرد على الهجوم الإسرائيلي في نهاية أكتوبر 2024، وعبر الإخفاقات في الساحة السورية وانهيار “جبهة المقاومة”، وحتى تأخير إنفاذ قانون الحجاب المتعلق بمعايير اللباس الإسلامي. وحتى وإن نجح النظام آنياً في توحيد الصفوف وإبداء الوحدة الداخلية، فإخفاقاته في المدى البعيد كفيلة بتغذية احتكاكات في القيادة وتعميق الشروخ في أجهزة القوة.
إن تغيير النظام في إيران ليس هدفاً يتحقق من خلال هجمات من الجو فقط؛ فالحديث يدور عن سياق مركب، منوط بعوامل ليست تحت سيطرة إسرائيل. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة قد تسرع سياقات تغيير داخلية في الجمهورية الإسلامية في نهاية المعركة. في هذه الأثناء، على إسرائيل التركيز على الأهداف المركزية التي تحددت للمعركة، وعلى رأسها سد طريق إيران إلى سلاح نووي ونزع قدراتها الاستراتيجية. ومع ذلك، خيراً تفعل إسرائيل إذا ما استغلت المعركة لإضعاف النظام وهز أساساته، بما في ذلك أجهزة السيطرة والقمع، وعلى رأسها الحرس الثوري. بالتوازي، نوصي بالعمل على خطوات وطرق عملية سياسية، اقتصادية، فكرة، استخبارية وغيرها، بما في ذلك مساعدة قطاعات اجتماعية مختلفة في إيران ومؤسسات مجتمع مدني، والدفع قدماً بحلول لمنع الإنترنت أو إقامة صندوق بتمويل أجنبي، يسمح للمواطنين بنيل الرزق في زمن الاحتجاج والإضرابات. هذه الخطوات تساعد في الدفع قدماً بنظام، في اليوم الذي تنشب فيه حركة احتجاج جماهيرية في إيران.
يديعوت أحرونوت 22/6/2025