مقالات

المعنى الأهم للعدوان الأميركي على إيران

المعنى الأهم للعدوان الأميركي على إيران

باسل غطاس

لا شرعية على المستوى الدولي سوى شرعية القوّة، وقد يجيء وقت تُدرك فيه العديد من الدول، بما فيها دول إقليمية كبرى، أنها اُفترِست يوم أُكلَ الثور الأبيض…

اتّضح نهائيًا فجر أمس الأحد أن الولايات المتحدة شريكةٌ كاملة مع إسرائيل في الهجوم العسكري على إيران بحجّة ضرب مشروعها النووي، وعمليًا لتحقيق أهداف أخرى، مثل شلّ القدرات الصاروخيّة، وخاصة البالستيّة، وكذلك تغيير النظام.

وعندما “ذاب الثلج وبان المرج”، كما يقول مثلنا الشعبي، اتّضح أن كل المفاوضات السابقة مع إيران في سلطنة عُمان كانت جزءًا من عملية التضليل وتكوين المفاجأة التكتيكية. وكان بدء إسرائيل للهجوم أيضًا بموافقة وتنسيق مع الإدارة الأميركية، وجزءًا من الخطة المقرّرة سلفًا، وكل الحديث عن أن نتنياهو جرّ ترامب لدخول الحرب ليس في مكانه، فليس هكذا تتصرّف الدول الكبرى، حتى لو كانت برئاسة رجل مغرور ومهووس في حبّ نفسه مثل دونالد ترامب.

وأعتبر تصريحاته المتناقضة التي سارع الإعلام لعزوها لمزاج ترامب وتخبيصاته، إنما كانت أيضًا إسهامًا في إطلاق ستار الدخان على نواياه العدوانية منذ اليوم الأول. لم يكن ترامب أول رئيس يتصرّف بعكس دعايته الانتخابية، ولن يكون آخر رئيس يفعل ذلك.

ذكّرتنا قاذفات “بي 62” بحرب فيتنام. للتذكير، انتُخب ريتشارد نيكسون رئيسًا للولايات المتحدة بسبب وعوده بإنهاء الحرب على فيتنام، وكانت النتيجة أنه زادها استعارًا وعنفًا، ودفع الشعبان الأميركي والفيتنامي عشرات آلاف الضحايا قبل اعتراف أميركا واقعيًا بالهزيمة والتوقيع على اتفاقية سلام.

من الممكن أن نغفر لمن وقع في فخّ المفاجأة، ليس بسبب أنه صدّق أن ترامب والإدارة الأميركية فجأة لبسا لبوس الوداعة والسِّلم، وإنما لسبب استراتيجيّ آخر له صلة بوجود معسكر كبير داعم لترامب يريد فعلاً تطبيق شعار “أميركا أولًا”، ولهذا فهو معسكر انعزاليّ يريد أن تنأى أميركا بنفسها عن الصراعات الدولية والحروب، ويريد فعلاً الاهتمام بالاقتصاد المحلي وتخفيف العجز والصرف العسكري وبرفاهية المواطن الأميركي.

السؤال: لماذا لم ينصَع ترامب لرغبة معسكر كبير من قاعدته الانتخابية؟ هل هو بسبب أن هذا يصبّ في مصلحة الطفل المدلّل لليمين الأميركي، إسرائيل، أم لسبب آخر؟ برأيي السبب الرئيسي هو سبب مؤسساتيّ أولًا، وهو التغيير الكبير والجوهري الذي سيطر على الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو تحوّل أميركا، التي تردّدت طيلة سنوات في دخول الحرب إلى جانب الحلفاء، إلى دولة إمبريالية عظمى حقّقت كامل السيطرة على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة. الـDNA الذي يشكّل العقلية الإمبريالية انتصر دائمًا، على مدى ما يزيد عن نصف قرن، على أيّ تيار انعزالي داخلي.

إزاء هذا السلوك الإمبريالي العدواني والمتغطرس، سلوك محور الشرّ الحقيقي الذي داس كل اعتبارات القانون الدولي والمواثيق الدولية، يبرز الضعف والهزال الذي أبدته دول كان من المفترض أن تؤخذ مواقفها ومصالحها بالحسبان، بالأساس الصين وروسيا، وهذا أضعف الإيمان. ولكن يتأكّد من جديد أن المارد الصيني اقتصاديًا لا يزال قزمًا سياسيًا، ينأى بنفسه عن كل صراع قد يؤثّر على نموّه الاقتصادي. أمّا روسيا، التي ذاقت على جلدها مطامع حلف الناتو التوسّعية واستهتاره التام باعتبارات روسيا ومصالحها، فقد تورّطت في حرب بلا نهاية مع أوكرانيا، سارعت دول الناتو إلى التدخّل المباشر فيها إلى جانب أوكرانيا.

الرسالة الأهم من هذا العدوان للعالم، وخاصة للجزء غير الخاضع تمامًا لمحور الشرّ الحقيقي، أو لمن يحاول الاستقلالية في قراراته التي تخصّ أمنه القومي، أنه لا أمن قومي بمعزل أو بمواجهة المصالح والاعتبارات الأميركية. بمعنى آخر، لا شرعية على المستوى الدولي سوى شرعية القوّة، وقد يجيء وقت تُدرك فيه العديد من الدول، بما فيها دول إقليمية كبرى، أنها اُفترِست يوم أُكلَ الثور الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب