هل ينجح ترمب بعد حرب ” إسرائيل ” –إيران في دفع السعودية للتطبيع؟
قراءة استراتيجية في الفرص والمعوّقات الإقليمية

هل ينجح ترمب بعد حرب ” إسرائيل ” –إيران في دفع السعودية للتطبيع؟
قراءة استراتيجية في الفرص والمعوّقات الإقليمية
بقلم: [ رئيس التحرير ] – ضمن سلسلة التحليلات السياسية
مع توقف الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، وانتهاء الجولة الأوسع من التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، بدأت حسابات ما بعد الحرب تطفو على السطح، ليس فقط في طهران وتل أبيب، بل في واشنطن والرياض أيضاً. وقد أعادت عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض إحياء الحديث عن مشروعه الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وفي صلبه: التطبيع بين إسرائيل والسعودية، باعتباره “الصفقة الكبرى” التي فشل في تحقيقها خلال ولايته الأولى.
فهل يكون وقف الحرب مناسبة لإعادة طرح ملف التطبيع؟ وهل تنجح إدارة ترمب الجديدة في إقناع المملكة بالسير في هذا الطريق، رغم حساسيته السياسية والإستراتيجية؟ وفي هذا نستعرض ملامح الإجابة في ضوء موازين القوى الجديدة التي فرضتها الحرب، والاعتبارات المعقدة التي تحكم سلوك السعودية في هذه المرحلة.
أولاً: ما بعد الحرب… متغيرات استراتيجية لا يمكن تجاهلها
- إسرائيل في موقع استنزاف وليس انتصار
رغم نجاحها الظاهري في ضرب بعض المنشآت النووية الإيرانية بمساعدة أمريكية، خرجت إسرائيل من الحرب في وضع سياسي هش، داخليًا وخارجيًا. داخليًا، تصاعدت المعارضة ضد حكومة نتنياهو، وتآكلت صورة الردع الإسرائيلي أمام الرأي العام الإسرائيلي نفسه. وخارجيًا، بدت تل أبيب عاجزة عن تحقيق “نصر حاسم”، بينما تصاعدت الانتقادات الدولية جراء حربها في غزة والضفة، مما يضعف قدرتها على الظهور كشريك “آمن” و”مستقر” في أي تحالف جديد.
- السعودية أكثر حذرًا من أي وقت مضى
تابعت السعودية مجريات الحرب بحذر شديد. فرغم العداء التقليدي مع إيران، لم تغامر الرياض في الدخول أو الانجرار إلى أي محور عسكري علني، وفضلت التهدئة مع طهران عبر قنوات الوساطة، أبرزها بكين. ولعل هذه الحرب عززت قناعة المملكة بأن التطبيع دون تقدم جوهري في القضية الفلسطينية سيُنظر إليه إقليميًا كتنازل استراتيجي لا ضرورة له، خاصة في ظل انكفاء واشنطن وعدم التزامها الواضح بالدفاع عن حلفائها الخليجيين.
- إيران بعد الحرب… أضعف عسكرياً لكن أكثر تصميماً
رغم تلقيها ضربة موجعة في منشآتها النووية، خرجت إيران من الحرب وهي أكثر تشددًا تجاه ما تعتبره “محور تطبيع وتطويق”، خاصة مع السعودية. وستُعتبر أي خطوة من الرياض نحو تل أبيب – بعد هذه الحرب – تهديدًا مباشرًا لأمن إيران الإقليمي، وقد تُقابل بإعادة تسخين الجبهات في اليمن، العراق، وربما حتى الخليج
ثانياً: فرص ترمب في تمرير مشروع التطبيع
- عودة أسلوب “الصفقات” الكبرى
ترمب يرى في التطبيع بين السعودية وإسرائيل تتويجًا لمشروعه في الشرق الأوسط. ويراهن على ربط التطبيع بصفقة أوسع تشمل:
ضمانات أمنية أمريكية غير مسبوقة للمملكة.
دعم برنامج نووي مدني سعودي.
تسهيلات في مجال التسلح والتكنولوجيا.
وربما دعم أمريكي للنفوذ السعودي في ملفات إقليمية (كاليمن، وسوريا).
- السعودية تُدير الملف ببراغماتية عالية
الرياض لا تعارض مبدأ التقارب مع إسرائيل من حيث المبدأ، لكنها تدرك أن خطوة بهذا الحجم تحتاج:
مقابلًا سياسيًا إسرائيليًا واضحًا على الأقل تجاه القضية الفلسطينية.
تسويقًا داخليًا وإقليميًا يقوم على أنها “مصلحة وطنية كبرى” لا “تنازل مجاني”.
ربط الخطوة بإنجازات استراتيجية ملموسة تعزز موقف السعودية أمام محور إيران.
ثالثاً: عقبات حقيقية تعترض طريق التطبيع
- فلسطين وغزة بعد الحرب… ملف لا يمكن تجاوزه
الدعم الشعبي العربي، خصوصًا في الخليج، للقضية الفلسطينية عاد بقوة بعد المجازر التي شهدتها غزة والضفة خلال الشهور الماضية. أي تطبيع من قبل الرياض الآن – دون مسار سياسي واضح للفلسطينيين – سيُعد “طعنة في الظهر”، ويخلق أزمات داخلية وخارجية لا تحتملها السعودية في هذه المرحلة.
- تحول المزاج الإقليمي تجاه إسرائيل
إسرائيل لم تعد تُرى كدولة “قوية وآمنة” بل ككيان مأزوم داخليًا، متوحش في سياساته تجاه المدنيين، وفاشل في فرض إرادته بالقوة. هذا التحول يُضعف جاذبيتها كشريك استراتيجي في المنطقة، ويجعل أي تحالف معها عبئًا بدلًا من أن يكون مكسبًا.
- الضمانات الأمريكية ليست مضمونة
الكونغرس الأمريكي – خصوصًا في ظل الانقسام الداخلي – قد لا يمنح السعودية ما تحتاجه من ضمانات استراتيجية. كما أن التجربة السعودية في عهد بايدن خلّفت ندوبًا عميقة في الثقة بالعاصمة الأمريكية، يصعب ترميمها حتى بعودة ترمب
المنطقة والاقليم أمام توازنات دقيقة واستحقاقات مؤجلة وعليه
الطريق إلى التطبيع بين السعودية وإسرائيل لن يكون مفروشًا بالورود، حتى مع ترمب في البيت الأبيض. الرياض اليوم أكثر نفوذًا وثقة، لكنها أيضًا أكثر حذرًا. ولن تتخلى عن أوراقها الاستراتيجية دون مقابل حقيقي. وفي المقابل، إسرائيل الخارجة من حرب مرهقة، والمنهكة داخليًا، قد لا تملك القدرة على تقديم أي مبادرة ذات معنى تجاه الفلسطينيين، وهي شرط سعودي أساسي لأي خطوة علنية.
في هذا السياق، يُرجّح أن تستمر السعودية في سياسة “الباب الموارب”: لا تطبيع شامل، ولا قطيعة كاملة، بانتظار تغير موازين القوى، أو تغيّر في سلوك إسرائيل… أو الإثنين معًا.