الصحافه

“مؤشر ترتيب جغرافي وسياسي ورسالة إلى قوى العالم”.. ماذا وراء ضرب الولايات المتحدة لـ”فوردو”؟

“مؤشر ترتيب جغرافي وسياسي ورسالة إلى قوى العالم”.. ماذا وراء ضرب الولايات المتحدة لـ”فوردو”؟

زلمان شوفال

ترامب قرر العمل. ربما قرر من قبل، وببساطة أراد أن يفاجئ، وربما، مثلما قال الجنرال الأمريكي ورئيس السي.اي.ايه سابقا باتريوس، كانت هناك حاجة لفترة زمنية كي يعد المعركة. في “فوردو”، ضمن ترامب مكانه في التاريخ وأكد -بخلاف كل النبوءات- أن الولايات المتحدة شرطي للعالم، بل والسور الواقي المتقدم للعالم الحر. وينبغي الافتراض بأن بكين وموسكو استوعبتا هذه الرسالة.

ضرب فوردو ومواقع إيرانية أخرى، لم يكن حدثاً عسكرياً فقط، بل مؤشر لما سيأتي من ناحية الانتشار الجغرافي السياسي في الشرق الأوسط. كما أن القرار الأمريكي للعمل ضد آية الله، يوفر مبرراً قاطعاً للاستراتيجية الأمنية والسياسية لحكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو، الذي كان هدفها عزل إيران، وتثبيت حقائق عسكرية في الميدان بقواها الذاتية في المرحلة الأولى، وبالاستناد المحتمل، وإن لم يكن المؤكد، إلى الشراكة الأمريكية في المرحلة الثانية.

الحرب لا تقاس وفقاً للانتصارات أو الإخفاقات في أثنائها، بل وفقاً لنتائجها السياسية. واختبار ترامب التالي وهو اختيار نتنياهو أيضاً، سيكون نجاحهما في ترجمة الإنجازات العسكرية إلى نهاية قاطعة لطموحات إيران، ثم تحقيق انتشار سياسي جديد في الشرق الأوسط كله، وربما وراءه.

الأيام التي سبقت قرار ترامب كانت صعبة؛ فقد دار صراع مبدئي وعملي في الحزب الجمهوري بين معسكر كبير رأى نفسه حارس جمرة أيديولوجيا Maga (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، وبين معسكر تقليدي في الحزب. كان لترامب نواقص صقرية في ولايته الأولى، وهو حتى لم يعارض مبدئياً تدخلاً في نزاعات دولية، لكنه لا يزال يفضل الطرق الدبلوماسية. في موضوع إيران، يبدو أنه استنتج بأنه لا احتمال لتحقيق هدفه بدون عمل عسكري. وهو من هذه الناحية، ليس بعيداً عن هنري كيسنجر الذي ادعى بأن الخطوات الدبلوماسية ستكون أكثر فاعلية إذا ما وقفت خلفها قوة عسكرية.

كل هذا لم يكن يعجب المعسكر الانعزال المتطرف في الحزب الجمهوري، الذي يستمد إلهامه من التيارات العنصرية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ممن سجدوا لحكم ألمانيا النازي. كما أن المشاعر اللاسامية ليست نادرة لديهم. أناس بارزون في قمة هذا المعسكر هم ستيف بانون، من مستشاري ترامب سابقاً ممن ادعوا بأن “يهوداً أمريكيين لا يدعمون Maga يعتبرون أعداء من الداخل”، وعضو مجلس النواب مارجوري تايلور جرين، التي أشارت إلى أنها “لحظة الحقيقة للمعسكر الانعزالي، وكل من يسيل ريقه بأمل لدخول الولايات المتحدة في حرب إسرائيل وإيران، يعتبر من: أمريكا أولاً”. كما اتهم عائلة روتشيلد بالتسبب في حرائق الغابة في كاليفورنيا وهاجمت منظمات يهودية مختلفة، بما فيها جمهورية و”مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل”، بمؤامرات تذكر ببروتوكولات حكماء صهيون.

تدعي هذه الشخصيات بأن قاعدة ترامب لا تؤيد مواقفه في موضوع إيران، وأن الانضمام إلى الحرب سيؤدي إلى نهاية رئاسته. رغم وجود قسم في القاعدة يعتقد ذلك، وقسم آخر، أكبر، هو المعسكر الإفنجيلي – وهو بالذات يؤيد انضمام الولايات المتحدة إلى جهد إسرائيل الحربي.

اللاسامية إحدى العلائم البارزة في الصراع الداخلي في الحزب الجمهوري. لكن الموضوع الأساس هناك كان الاعتراضات في قسم كبير من الجمهور الأمريكي بتدخل الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران. أغلبية كبيرة في الرأي العام، وإن كانت تعارض إيران نووية، لكنها بالضرورة لا تؤيد الحرب ضدها. قد يتغير هذا، مثلما في حروب الماضي، بعد أن حسم الأمر وسقطت القذائف على مراكز التهديد النووي في إيران.

ثمة ائتلاف غريب بين اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري واليسار المتطرف والأقل تطرفاً في الولايات المتحدة إزاء موضوع الحرب ضد إيران. السناتور بيرني ساندرس، وعضو مجلس النواب ألكسندرا اوكزيا كورتيز، وتوماس مارسي الجمهوري الوحيد في مجلس النواب الذي يعارض المساعدة الأمنية لإسرائيل ورفض التصويت إلى جانب قرار يشجب اللاسامية، ارتبطوا معاً لطرح مشروع قرار ضد التدخل في الحرب. لم يكن لهذا القرار احتمال بأن يجاز من قبل. وبالتأكيد، لا احتمال له الآن. لكن ليس واضحاً أي عصي قد يحاول هذا الائتلاف إدخالها في دواليب خطوة ترامب.

لا توجد زعامة في الحزب الجمهوري اليوم، بل يدور فيه صراع بقاء بين التيار المركزي والجناح اليساري الراديكالي الذي يتهم أيضاً بالمسؤولية عن الفشل في الاتهامات. وفيما يحسم مستقبل الحزب الجمهوري، لعل الرئيس ترامب نفسه حسمه الآن.

 معاريف 24/6/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب