هل يصحو العالم ويوقف العدوان على غزة!

هل يصحو العالم ويوقف العدوان على غزة!
بكر أبوبكر
ها هو “نتنياهو” قد حقق ما كان قد فكر وخطط له ونظّر لسنوات طوال أي شن الحرب ضد إيران لتفكيك قدراتها النووية وإبعاد الخطر الوجودي عن البلاد مما ارتبط بفكره ودعواته المتكررة سواء في القدس او في امريكا أو في كل احاديثه مع الأوربيين طوال سنوات طوال.
لقد حققت المفاجأة الصهيونية (13/6/2025م) بضرب طهران مفعولها (كما الحال مع مفاجأة حزب الله) إذ دمّرت الكثير من الأماكن والمواقع النووية لتلتحق بها لاحقًا أمريكا باليوم العاشر، وتقصف ما لم تستطع الطائرات الإسرائيلية تدميره فاكتمل بذلك حلم القوة ومزيد من القوة لنتنياهو (ثم يأتي السلام)! فلم يعد في جعبته شيء ليقوله! او ينظّر له!
المبررات التي قدمها الإسرائيلي لتدمير قطاع غزة لم تصمد نتيجة الحجم المتعاظم لاستخدام القوة، إذ كان الصاروخ مقابل الرصاصة وكانت القنبلة مقابل الحجر أو سيل الدعوات مما أفقد “نتنياهو” ونظامه الفاشي انسانيته، وبالحد الأدنى لدى محكمة العدل الدولية ومحكة الجنايات الدولية، ولدى الشبيبة الناهضة في أوربا وامريكا، وقرع الجرس لدى عدد من الأنظمة الأوربية (الأخلاقية) فقالت لا.
لقد حقق نتنياهو حلمه منذ هدّد وتوعّد وحاول كثيرًا أن يضرب إيران، وله أن يقول أنه حقق نصره بقتل العلماء الإيرانيين وتصفية قيادات إيرانية عسكرية، وتدمير المفاعل النووي او أخّر انتاج القنبلة النووية، وكما فعل مع تصفيته لقيادات لبنانية وفلسطينية، فماذا يتبقى له في جعبته التي لا تنفد فيها المزامير المقدسة والصواريخ والقنابل؟
وجد ضالته في عقلية الصفقات لكن مع التأييد الأيديولوجي الديني والاستراتيجي من الحكومات الأمريكية جميعها ومن الرئيس ترَمب، وإن اختلفت بعض الأساليب (التكتيكات) ما بين الرجلين فالأول أي نتنياهو لا ينتعش إلا في بحر الدماء، والثاني أي ترَمب قد وعد ناخبيه بولايته الثانية بالسلام، وألا تسيل قطرة دم امريكية في عهده وهو الساعي لجائزة نوبل للسلام.
اتفقت الرؤيتان رغم الأساليب المختلفة على الدعم الامريكي الأيديولوجي والعسكري والاقتصادي بلا حدود، واتفقت على تحقيق السيادة الإسرائيلية لكل بلاد الشام، ثم اتفقت جزئيًا فيما حصل من الضربة الامريكية لإيران بدون أن تسقط نقطة دم امريكية! وبرد إيراني باهت ومحسوب، بانتظار الجائزة.
في هذا العدوان الصهيوني المدمّر على إيران سقطت القضية الفلسطينية بين الأرجل، وتوقف الحديث عن فلسطين وعن العدوان المثابر على غزة، فتم تأجيل المؤتمر السعودي-الفرنسي المتعلق بالدولة الفلسطينية، وتآزر الأوربي مع الإسرائيلي ضد إيران، وسقط الحديث عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة مع تواصل القتل والإبادة الجماعية بلا توقف. لذا علينا إعادة القضية للنور دومًا فهي المؤشر وهي المفتاح الوحيد.
لم يكن بمقدور الإسرائيلي أن يسقط النظام الإيراني ولا تدمير البلد الذي يفوق فلسطين مساحة وحجما وسكانًا ومواردًا…الخ بشكل لا مقارنة فيه، وما كان للأمريكي أن يقامر بقواعده في الخليج العربي ودول الشام ووعوده بحماية الأنظمة وكفالة استقرارها مقابل الاستجابة الكاملة لأهداف أو نزوات نتنياهو فكان ما كان من قصف ثم اتفاق ثم وقف، فحقق الإسرائيلي مراده وحقق الإمريكي مراده وإن كل بأسلوبه، وخسرت إيران الكثير من علمائها وقادتها ومنشآتها وأصولها (محور الممانعة بالمنطقة) لكنها كسبت استمرار النظام الإيراني ضمن حكم ولاية الفقيه، وقد تعطينا الأيام القادمة أسرارًا حول اتفاق وقف إطلاق النار.
وقف كل (محور الممانعة والمقاومة) على الحياد فإن كان قد أيّد إيران كلاميًا، فهو لم يفعل شيئًا لانقاذ رأس المقاومة التي استثمرت في المحور الكثير، فلم يردّ حزب الله الجديد أن يدمر بلده، وسوريا الأسد الخامل قد انتهت، وفصيل حماس في حيرة عجيبة وانكار أعجب تنظر وكأن ما يحيط بها ويحصل لم يؤثر عليها! وهي ترى النساء والأطفال والنساء تتساقط يوميًا بلا أي مبرر يمكن نزعه لو استفاقت ووعت، ولكن هيهات هيهات ونتائج هذه العقلية الانكارية التي تعيش في قوقعتها الموهومة بالنصر لا تفهم المجالات والتحالفات ولا ترى في المتغيرات الفظيعة الداهمة أن لها علاقة بها!
بغض النظر عما يرد (أو يتلو) في اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيلي وإيران فلقد انكشفت خلال هذه الأيام الاخيرة مواقف عجيبة غريبة هي مع وضد وهي ترفض وتقبل وهي منغمسة بالوحل وتدعي الطهارة! مما جعل الحكيم حيرانًا وهو المحتار منذ العدوان الإسرائيلي الساحق الماحق ضد شعب أعزل في قطاع غزة، والذي يقترب من عامين! والعمى قد أصاب العالم المريب الذي فَرِح لوقف النار بين الإسرائيلي وإيران ولكنه لا يطالب ترمب أن يوقف النار في قطاع غزة! وهو إن كان بالقادر على الأكبر فكيف الحال بالموضوع الأقل صعوبة!
إن الموقف العربي والفلسطيني الصحيح اليوم هو دفع الأمريكي والأوربي (مع الصين وروسيا) لتحقيق مؤتمر السلام الذي يحقق الدولة الفلسطينية القائمة لكنها تحت الاحتلال، فهي مربط الفرس وهي منطلق الحرب ومنطلق السلام، وما يسبق ذلك من وقف العدوان على غزة والانسحاب منها -ومن مخيمات الضفة- وتسليم حماس أمرها للسلطة الوطنية الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية فتقتدي بحزب الله وما فعله مع الدولة اللبنانية، وتصحو أخيرًا بعد ما حصل في إيران!
مما لا شك فيه أن المجتمع الإسرائيلي وليس فقط نتنياهو (والقيادات السياسية) قد تضرر من استمرار العدوان على قطاع غزة وعلى الضفة، ثم بتمدد العدوان على المحيط وصولًا الى إيران، ومما لا شك فيه أن الآثار قد لاتكون ملموسة اليوم أو غدًا ولكنها بالتأكيد ستكون واضحة على الأقل في العام القادم حيث الانتخابات الإسرائيلية.