«تبجّح» ترامب لا يُطمئن الغرب: ماذا نعرف عن إيران؟

«تبجّح» ترامب لا يُطمئن الغرب: ماذا نعرف عن إيران؟
تبجّح ترامب بالقضاء على النووي الإيراني يقابله شكّ غربي متزايد، وسط تحذيرات من دخول مرحلة غموض خطير قد تعيد طهران إلى طاولة التصعيد.

يوماً بعد يوم، تزداد التكهنات حول مصير «النووي الإيراني»، والذي أصبح أشبه بـ«لغزٍ» يحيّر الخبراء في الغرب تحديداً، لا يمكن، على ما يبدو، للتصريحات الأميركية والإسرائيلية «الواثقة»، حلّه. وتثير هذه التصريحات، المقرونة بالعجز عن التنبؤ بوضع إيران النووي في اللحظة الراهنة، مخاوف في أوساط عدد من المراقبين من أنّ «تجاهل» الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لأي رأي يعارض ادعاءاته حول «القضاء الشامل» على البرنامج، يُخاطر بإدخال العالم بأكمله في مرحلة من «عدم اليقين» حول مدى قدرة إيران على تصنيع هذا «السلاح».
وفي هذا الإطار، تشير مجلة «فورين بوليسي» الأميركية إلى أنّ تعليقات ترامب بشأن الهجوم المضاد الإيراني على القاعدة الأميركية في قطر – في إشارة على الأرجح إلى حديث الأخير عن تبليغ طهران، واشنطن، مسبقاً بالضربة، وعدم وجود ضحايا جراء الهجوم – تكشف عن حاجة الولايات المتحدة إلى «حفظ ماء وجهها»، في أعقاب المرحلة الأولى ممّا يبدو أنه سيكون «سلسلة طويلة من التحركات من قبل الأطراف الثلاثة في هذا الصراع». وتردف المجلة: «في حال كان خطاب إيران حول الهجوم (القوي والمدمر) على القاعدة في قطر فارغاً، فإن إعلان ترامب الانتصار في ما سماه بشكل مفخّم (حرب الـ12 يوماً)، هو فارغ أيضاً، وموجه إلى جمهوره في الداخل».
وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدم، سيكون من المفاجئ جداً ألا تكون إيران قد نقلت الكثير من مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب، أو وجدت طريقة لحماية بعض أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها، في أعقاب الحديث المطول عن احتمال دخول الولايات المتحدة في الحرب. ويُضاف إلى ذلك، أنه ورغم «البراعة الواضحة التي أظهرتها الاستخبارات والجيش الإسرائيليان في قتل بعض كبار العلماء النوويين الإيرانيين، فمن غير المرجح إلى حد كبير أن يتم القضاء تماماً على ما تمتلكه طهران من المعرفة اللازمة لإنعاش جهودها لتخصيب اليورانيوم».
وفي محاولة لاستشراف المستقبل، ورغم التصريحات الأميركية والإسرائيلية «الواثقة»، تلفت «فورين بوليسي» إلى أنه من وجهة النظر الأميركية والإسرائيلية، لم يتم، حتى اللحظة، تحقيق «أي نتيجة حاسمة»، بل إن المرء قد ينظر، في السنوات المقبلة، إلى أحداث هذا الشهر، ليستنتج أنّها تسببت في ما هو «عكس» التقدم المنشود ضدّ طهران؛ إذ إنه في أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأميركية، أصبح من الصعب، أكثر من أي وقت مضى، التصور بأنّ إيران سوف تتخلى عن طموحاتها النووية.
أصبح من الصعب، أكثر من أي وقت مضى، التصور أن إيران سوف تتخلى عن «طموحاتها» النووية
وللخلاصة المشار إليها أسباب عدّة، منها أنّ إيران خلصت، منذ سبعينيات القرن العشرين، أي المدة التي كانت لا تزال فيها «محبوبة الغرب» بقيادة الشاه، إلى أنّ حجمها الهائل، وثروتها النفطية، وحاجتها إلى الدفاع عن النفس في واحدة من «أصعب بقاع العالم»، تتطلب التسلح النووي. أمّا الحافز المهم الآخر بالنسبة إلى طهران، آنذاك، فكان حصول تل أبيب، بحلول أواخر الستينيات، على ترسانة نووية خاصة بها. وإذا استطاعت إيران التوصل إلى مثل هذه الاستنتاجات في عصر لم تكن تعتبر فيه إسرائيل عدواً، طبقاً للرأي المتقدم، فإن «الحافز سيكون أعظم الآن، حتى لو حدث تغيير مفاجئ أو محتمل للنظام في طهران».
زد على ذلك، أنّ الهجوم الإسرائيلي والأميركي غير الحاسم جعل واشنطن وتل أبيب تخسران ميزة كبيرة، وهي قدرة المفتشين الدوليين على الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، ناهيك بما ألحقه «المشهد المؤسف» الأخير من ضرر بصورة ترامب والولايات المتحدة؛ إذ إن الأخيرة فقدت مصداقيتها على الساحة العالمية، لا سيما عقب الحيلة التي اتبعها رئيسها في المدة التي سبقت الهجوم الأميركي، وخاصة استحضاره لمدة أسبوعين من المفاوضات «قبل اتخاذ أي قرار بضرب إيران».
ويضاف إلى ذلك المشهد القاتم، الخطاب «الجامح» الذي تبناه الرئيس الأميركي، والذي لا يليق، طبقاً للمجلة، بـ«زعيم نظام دولي قائم على القواعد»، لا سيما في خضمّ التناقضات بين مواقفه ومواقف مسؤوليه الرئيسيين، من مثل نائبه جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، وتحديداً في ما يتعلق بمسألة تغيير النظام في طهران، ومصير مخزون اليورانيوم، والدور الفعلي للاستخبارات الأميركية في قرار ضرب الأراضي الإيرانية.
وفوق ما تقدّم، من المهم، بحسب «فورين بوليسي»، النظر في «التكلفة» التي ستتكبدها «الديموقراطية الأميركية»، بعدما «أدخلت البلاد نفسها في حرب من دون الحصول على موافقة الكونغرس وفق ما يقتضيه القانون، ومن دون مناقشة، ثمّ من دون حتى تقديم إحاطات سرية للمشرعين الأميركيين لأيام تلت الهجوم». ويختم التقرير بالإشارة إلى أنّ «هذا ما يحدث عندما تصبح الحرب رد فعل وطنياً، وعندما يُعطى التسرع في إعلان النجاح الأولوية على التفكير في العواقب المستقبلية».
«مصير» النووي الإيراني
ووسط تضارب المعطيات حول مصير البرنامج النووي الإيراني عقب الضربات، أشارت مجلة «فورين أفيرز»، في تقرير أخيراً، إلى أنه لا يزال من السابق لأوانه «أن نحدد إلى أي مدى أدت عمليتا (الأسد الصاعد) (ومطرقة منتصف الليل)، كما أطلق الإسرائيليون والأميركيون على حملتيهما، إلى انتكاسة في البرنامج النووي الإيراني».
وطبقاً للخبراء الذين يمكن لهم البدء في «تقييم النتائج الملوسة» للأحداث الأخيرة، فإن «الهجمات ألحقت أضراراً جسيمة بمنشآت التخصيب الإيرانية وأدت إلى مقتل عدد من كبار العلماء»، كما «تم تفجير معدات مهمة ودفنها»، إلا أن إيران «لا تزال تمتلك على الأرجح الكثير مما تحتاجه لصنع سلاح، بما في ذلك اليورانيوم العالي التخصيب، إما لأنه مخزن بشكل آمن، أو لأنه يمكن إنقاذه من تحت الأنقاض».
كذلك، ستجعل الحكومة الإيرانية أعمالها «أكثر غموضاً من أي وقت مضى، حتى لو انخرطت في المسار الديبلوماسي»، فيما من المحتمل أن تختار «مواقع أكثر صلابة» حتى داخل المنشآت نفسها؛ إذ إنه في كل مرة كان يتم فيها اكتشاف أو مهاجمة جوانب من برنامجها النووي في الماضي، كانت طهران تتخذ خطوات لحمايته. وعليه، وفيما يرجح البعض أن إيران لن تنتج سلاحاً نووياً أبداً، يؤكد آخرون أنه يمكنها في المقابل «أن تنتج واحداً من هذه الأسلحة في وقت سريع جداً».
ولمواجهة أي مخاطر محتملة، يرى أصحاب الرأي المتقدم أنّه على واشنطن وتل أبيب الاعتماد على «أجهزتهما الاستخباراتية» بشكل أكبر لـ«تتبع» طهران، محذرين في المقابل من أن ترامب قد يختار «تجاهل» أي تحذيرات بشأن وجود سلاح إيراني، لا سيما أن إدارته أمضت الأيام القليلة الماضية في التشكيك في أي إشارة إلى أن البرنامج النووي الإيراني غير مدمر بالكامل. وبالتالي، قد يدخل العالم «مرحلة غير مؤكدة وخطيرة جداً، في ما يتعلق بهذا البرنامج».