الأمم المتحدة في ذكرى ميلادها الثمانين: محطات عبر مسيرة 9 أمناء عامين بقلم الدكتور عبدالحميد صيام – كاتب فلسطيني
بقلم الدكتور عبدالحميد صيام - كاتب فلسطيني

الأمم المتحدة في ذكرى ميلادها الثمانين: محطات عبر مسيرة 9 أمناء عامين
بقلم الدكتور عبدالحميد صيام – كاتب فلسطيني
في السادس والعشرين من الشهر الحالي، أي قبل ثمانين عاما بالتمام والكمال، وقعت خمسون دولة في مدينة سان فرنسيسكو الأمريكية ميثاق الأمم المتحدةـ والذي دخل حيز الإنفاذ بعد أربعة أشهر، وبالتالي بدأ عهد جديد في العلاقلات الدولية يقوم على سيادة القانون الدولي والمساواة بين الدول وحل النزاعات بالطرق السلمية والتزام كل دولة باحترام قرارات المنظمة والالتزام بها وتنفيذها. وبهذه المناسبة أقيم معرض فني في مقر الأمم المتحدة، تحت عنوان «إحياء روح سان فرنسيسكو» يضم النسخة الأصلية من الميثاق وتوقيعات الدول المؤسسة.
لا شك أن العالم بعد تجربة حربين عالميتين وفشل عصبة الأمم، كان بحاجة إلى منظمة دولية تعمل على «إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف». كان هذا هو الأمل والرؤية والعزيمة. إلا أن التطورات لم تأت كما تمنى المؤسسون. سرعان ما دخل العالم في ما سمي بالحرب الباردة وعادت النزاعات بين الدول أو بين مجموات من الدول، ونشأت تحديات جديدة لم تكن واضحة المعام عند توقيع الميثاق، تحديات عابرة للقارات لا تستطيع دولة بمفردها ولا مجموعة من الدول أن تتصدى لها منفردة، مثل التغيرات المناخية والفقر المدقع، والكوارث الطبيعية والجريمة العابرة للحدود والمخدرات والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وسباق التسلح وعسكرة الفضاء الخارجي والجرائم السبرانية وأخيرا أخطار الذكاء الاصطناعي.
وكي نكون منصفين في مراجعة ما قامت به الأمم المتحدة يجب أن نؤكد منذ البداية على أن المنظمة الدولية وضعت ثلاثة أهداف مترابطة ومتكاملة لإيجاد عالم أفضل وأقل توترا وأكثر رخاء ومساواة:
الهدف الأول والأهم: صيانة السلم والأمن الدوليين؛ والهدف الثاني حماية حقوق الإنسان، الفردية والجماعية، دون تمييز قائم على لون أو جنس أو دين أو عرق أو وضع إجتماعي؛ والهدف الثالث والمرتبط عضويا بالهدفين السابقين هو العمل على التنمية بمعناها الشامل لانتشال الدول الأقل نموا وإلحاقها بركب التقدم والتطور. ولو أردنا منح علامات لكل هدف من الأهداف الثلاثة لانخفضت علامة صيانة السلم والأمن الدوليين، وارتفعت قليلا قضايا حقوق الإنسان وارتفعت أكثر قضايا التنمية.
الأمناء العامون
لكني أود هنا أن أستعرض مسيرة المنظمة الدولية باختصار في مجال صيانة السلم والأمن الدوليين من خلال مسيرات وتحديات الأمناء العامين التسعة وأهم المحطات التي ميزت عهدة كل واحد منهم.
– الأول- تريغفي لي (1946-1953- النرويج)- رجل غامض. في عهده انطلقت الحرب الباردة. التنافس بين المعسكرين شل حركة المنظمة الدولية. أقيم جدار برلين. تم تقسيم فلسطين وقبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة وشرد الشعب الفلسطيني. كان من أشد المتحمسين لقرار التقسيم والاعتراف بإسرائيل. قتل الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في القدس على يد العصابات الصهيوينة في 17 سبتمبر/أيلول 1948 لأنه رفض التقسيم.
لقد ثبت فيما بعد أن تريغفي لي كان منحازا للمعسكر الغربي وأنه على علاقات حميمية مع المنظمات الصهيونية. قرر الاتحاد السوفييتي مقاطعته وطرده من منصبه فاضطر إلى الاستقالة عام 1953 والخروج من المنصب بطريقة مهينة.
– الثاني- داغ همرشولد (1953-1961 – السويد)- رجل شجاع. استطاع مواجهة المعسكرين الشرقي والغربي. قتل عام 1961 بعد إسقاط طائرته فوق الكونغو لأنه وقف ضد القوى الاستعمارية ودفع حياته لأنه رفض انفصال إقليم كاتنجا عن دولة الكونغو. هناك لجنة أممية تحقق في مقتله وتحديد من هو المسؤول، ولم تصل إلى نتيجة بعد 54 سنة.
كان صلبا في معارضة العدوان الثلاثي على السويس. أقيمت في عهده أول بعثة حفظ سلام بين مصر وإسرائيل: قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة (UNEF). اعتمد في ولايته القرار التاريخي لـ»تصفية الاستعمار» 1514 عام 1960 والذي فتح المجال لحركات التحرر وخاصة في أفريقيا أن تثور ضد قوى الاستعمار لتبدأ سلسلة من استقلال الدول المستعمَرة والتي غيرت تركيبة الأمم المتحدة.
– الثالث يو ثانت (1962-1971 – بورما- ميانمار)- رجل هادئ. وفي عهده جرت حرب عام 1967. وافق على سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء وبالتالي فتح الأبواب للحرب والتي انتهت باحتلال الكيان الصهيوني لأراض من أربع دول عربية واعتمد القرار 242 (1967) الذي طالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها حديثا. لقد مثلت حرب فيتنام قمة المواجهات فيما اتفق عليه بالحرب الباردة.
كما شهدت أيامه الأخيرة في المنصب الحرب بين الهند وباكستان عام 1971 والتي انتهت بانفصال بنغلاديش عن باكستان.
– الرابع- كورت فالدهايم- (1972-1981- النمسا)- رجل أرستقراطي. وفي عهده وقعت حرب أكتوبر 1973 وتكونت مجموعة عربية قوية اعتمدت خلالها مجموعة قرارات لصالح فلسطين أهما منح منظمة التحرير الفلسطينية مقعد مراقب، وهو الأول لحركة تحرر وطني. في عهده اعتمدت اللغة العربية لغة رسمية سادسة للأمم المتحدة. واعتمد القرار 3236 عام 1974 الذي فصل الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، كما اعتمد القرار 3379 (1975) الذي صنف الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية.
– الخامس- خافيير بيريز دي كوييار- (1982-1991 – بيرو) رجل بلا لون ولا طعم ولا رائحة. وفي عهده انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، وأهم الحروب التي وقعت في عهده الغزو الإسرائيلي للبنان والحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت التي تركت أثرها الكبير جدا على العمل العربي المشترك. وقد شهدت أيامه الأخيرة بداية تفكك كتلة الدول الاشتراكية ونهاية الحرب الباردة.
– السادس- بطرس بطرس غالي- (1992-1996- مصر)- رجل أكاديمي حازم. انتخب لدورة واحدة وتم إخراجه من الأمم المتحدة بفيتو أمريكي. في عهده انتشرت عشرات النزاعات وتحولت من مواجهات وحروب بين الدول إلى حروب داخل الدول بين المكونات العرقية أو الدينية مثل الصومال ويوغسلافيا السابقة وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان. تفككت الدول الكبرى وشهدت ولايته حربي إبادة في رواندا 1994 والبوسنة والهرسك 1995، وانتهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. أصر بطرس غالي على نشر تقرير عن مجزرة قانا بجنوب لبنان عام 1996 والذي يشير بأن إسرائيل ارتكبتها عامدة متعمدة فقررت السفيرة الأمريكية، مادلين أولبرايت أن تمنعه من دورة ثانية.
– السابع- كوفي عنان (1997-2016 – غانا)- رجل دمث. أول أمين عام من أفريقيا ومن سلم الوظائف في المنظمة الدولية. انشغل بالحروب الأفريقية والحرب على أفغانستان (2001) والعراق عام 2003 والتي وصفها بأنها «غير شرعية». كما شهدت عهدته حرب إسرائيل على جنوب لبنان عام 2006.
– الثامن- بان كي مون (كوريا الجنوبية 2007-2016) الرجل القلق. وثلاث حروب إسرائيلية على غزة (2008/ 2009، 2012، 2014) دون أن يكون له أي دور فاعل. لم يترك أي أثر يذكر. مرحلة الربيع العربي والحروب الداخلية في ليبيا وسوريا واليمن.
– التاسع- أنطونيو غوتيريش (2017- ولغاية نهاية 2026- البرتغال)- رجل أنصاف المواقف. فترته الأصعب- حروب متواصلة أهمها في أوكرانيا وغزة إضافة إلى الكونغو ومالي وهايتي وميانمار وأفغانستان السودان وليبيا واليمن وسوريا والعراق وأخيرا حرب الإبادة في غزة. لآ أحد راضيا عنه. تعرض لانتقادات شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة والفلسطينيين والأفارقة. أنصف المرأة. وسيقال عنه الكثير بعد رحيله.
ختاما علينا أن نقر أن الأمم المتحدة مثل المرآة تعكس جمال الوجه إن كان جميلا وقباحته إن كان قبيحا. تعكس موازين القوى كما هي لا كما يجب أن تكون. ولا يأملنّ أحد في إصلاح قريب لمجلس الأمن، لا بتوسيع العضوية ولا بإلغاء الفيتو، وهما شرطان أساسيان لتصبح المنظمة أكثر فاعلية وتأثيرا وقوة.
كاتب فلسطيني