رئيسيالافتتاحيه

إضراب الأطباء والعاملين في المهن الطبية والصحية… بين أزمة اقتصادية متفاقمة وشرخ متصاعد في الثقة

إضراب الأطباء والعاملين في المهن الطبية والصحية… بين أزمة اقتصادية متفاقمة وشرخ متصاعد في الثقة

بقلم رئيس التحرير

■  مشهد معقد يزداد تشابكاً .في وقت يعيش فيه الشعب الفلسطيني واحدة من أكثر مراحله حساسية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، تتفاقم الأزمة الداخلية في الضفة الغربية مع إعلان الأطباء والعاملين في المهن الطبية المساندة الدخول في إضراب مفتوح. هذا التصعيد النقابي، الذي يحمل في ظاهره مطالب معيشية ومهنية، يكشف في جوهره عن أزمة أعمق تتعلق بتآكل الثقة بين الشارع الفلسطيني ومؤسساته الرسمية.

■ الأزمة الحالية ليست طارئة، بل تأتي امتداداً لتراكم أزمات مالية متلاحقة. تأخر الرواتب بشكل متكرر، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، وتكدس الشيقل وتذبذب اسعار العملات وتردي الأوضاع الاقتصادية كلها عوامل غذّت الاحتقان. ومع غياب رؤية اقتصادية واضحة، وافتقار الحكومة لأدوات فاعلة في إدارة الأزمة، بدا خيار الإضراب بالنسبة للنقابات الصحية حتمياً، في محاولة للضغط على صناع القرار.

■ لماذا القطاع الصحي أولاً؟

اختيار القطاع الصحي كبداية للتصعيد ليس أمراً عابراً. الأطباء والعاملون في المهن الطبية يواجهون ضغطاً هائلاً منذ شهور، مع تزايد أعداد المرضى، وانخفاض الإمكانيات، وظروف عمل باتت توصف بأنها غير إنسانية في بعض المواقع. ومع غياب حلول مستدامة، جاء قرار الإضراب ليشكل رسالة مزدوجة: دفاعاً عن حقوق العاملين، وتحذيراً من تداعي المنظومة الصحية برمتها.

■ وباتت المخاوف: من  تتدحرج الأزمة إلى قطاعات أخرى؟

ما يثير القلق في هذه المرحلة أن الإضراب قد لا يبقى محصوراً في القطاع الصحي. هناك تحركات نقابية داخل قطاع التعليم، والمهندسين، والقطاع العام تدرس خطوات مشابهة. إذا اتسعت رقعة الإضراب، فقد يشهد الشارع الفلسطيني حالة من الشلل المؤسسي، يصعب احتواؤها مع مرور الوقت.

■ التداعيات المحتملة: بين الاجتماعي والسياسي

  1. على المستوى الاجتماعي:

تعطل المرافق الصحية والخدمية سيفاقم معاناة المواطنين، خاصة في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والحرب على غزة وما تتعرض له الضفة الغربية من ضغوطات وحصار يطال جميع مناحي الحياة يضاف إلى ذلك عدوان المستوطنين والتوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم البيوت

  1. على المستوى الاقتصادي:

استمرار الأزمة سيعمّق حالة الركود الاقتصادي، مع تراجع قدرة الحكومة على دفع الرواتب، وخنق المزيد من الأنشطة الاقتصادية.

  1. على المستوى السياسي:

تعمق الفجوة بين الشارع والحكومة، قد يدفع إلى موجات احتجاج أوسع، وربما يتحول إلى حالة من العصيان المدني، خصوصاً في ظل تراجع الثقة بالقدرة على تقديم حلول في ظل انغلاق الأفق السياسي وإجراءات الاحتلال التعسفية

  1. على المستوى الأمني:

حالة عدم الرضا قد لا تبقى في حدود القطاعات المدنية، بل قد تنعكس أيضاً على الأجهزة الأمنية، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيد

■ أين تكمن جذور المشكلة؟

المشكلة لا تنحصر في بعد مالي، رغم أنه المحرك المباشر للأزمة. في العمق، هناك غياب لمسار إصلاح سياسي شامل، أدى إلى تراكم الأزمات. غياب الانتخابات، وتراجع الحوكمة، وغياب المساءلة، كلها عوامل جعلت من أي أزمة مالية أو معيشية تتحول تلقائياً إلى أزمة ثقة وشرعية.

■ ما هو المطلوب لتجنب الانهيار؟

  1. إطلاق حوار وطني شامل وجاد:

ليس فقط مع النقابات، بل مع جميع مكونات المجتمع، لصياغة خطة إنقاذ وطني

  1. شفافية مالية كاملة:

إعلان الوضع المالي الحقيقي، وتقديم تقرير دوري للرأي العام حول الموارد والنفقات.

  1. إجراءات تقشفية عادلة:

وقف الامتيازات غير المبررة، وضبط الإنفاق على المستويات العليا، وتحويل الموارد لدعم الخدمات الأساسية.

  1. تشكيل حكومة ذات صلاحيات طارئة:

سواء حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ وطني، تكون مهمتها إدارة الأزمة واستعادة الثقة.

  1. إصلاح سياسي حقيقي:

يتضمن تحديد موعد واضح للانتخابات العامة، وفتح مسار المصالحة الداخلية، وإعادة بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية.

  1. تعزيز برامج الحماية الاجتماعية:

لحماية الفئات الأكثر تضرراً، وضمان الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.

■ خلاصة تحليلية: ناقوس الخطر يدق بقوة

إضراب الأطباء اليوم ليس مجرد تحرك نقابي معزول، بل مؤشر خطير على أن الأزمة الداخلية باتت تتجاوز كونها أزمة مالية إلى كونها أزمة شرعية سياسية واجتماعية. استمرار الجمود في المشهد الحالي يحمل مخاطر حقيقية على الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل الواقع الإقليمي والدولي المعقد الذي تمر به القضية الفلسطينية.

الخروج من هذا النفق لا يتطلب فقط حلولاً مالية مؤقتة، بل رؤية شاملة تعيد بناء الثقة بين المواطن والحكومة، وتؤسس لمسار جديد من الشفافية، والمساءلة، والشراكة المجتمعية في صناعة القرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب