أوبزيرفر: محام بريطاني استقال من الجنائية الدولية بسبب التهديدات ويتذكر كيف هدد سناتور أمريكي قضاتها

أوبزيرفر: محام بريطاني استقال من الجنائية الدولية بسبب التهديدات ويتذكر كيف هدد سناتور أمريكي قضاتها
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا أعدته كلوي هاجيماثيو، قالت فيه إن مسؤولا في المحكمة الجنائية الدولية أُجبر على تركها بسبب التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات عليه.
وقالت الصحيفة البريطانية الصادرة يوم الأحد، أن أندرو كايلي الذي أشرف على التحقيق بشأن إسرائيل وحماس، بدأ وهو يجمع الشهادات حول هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بتقلي مكالمات هاتفية تهدده.
وقال الصحافية إنها جلست مع المحامي البريطاني كايلي في مكاتب صحيفة “ذي أوبزيرفر” بعد أسبوع واحد فقط من مغادرته المحكمة الجنائية الدولية. ولم يمضِ على عودته إلى لندن سوى بضعة أيام، ومن الواضح أنه لا يزال يعاني من آثار تجربته.
وأشرف كايلي على التحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها إسرائيل وحماس لصالح المحكمة الجنائية الدولية، وهي قضية شكلت تحديا خطيرا للمحكمة الدائمة الوحيدة لجرائم الحرب في العالم. وقد جاء ذلك بتكلفة شخصية لكايلي البالغ من العمر الآن 61 عاما. وقال: “لقد كانت أسوأ أشهر قليلة في حياتي”.
ففي أوائل عام 2024 عندما تلقى مكالمة وعرضا للعمل في المحكمة الجنائية الدولية، كان يعلم أن الأمر سيكون صعبا، لكن فرصة قيادة التحقيق في فلسطين مع المحامية الأمريكية بريندا هوليس، كانت مغرية.
ومنذ البداية، كان من الواضح أن القضية القانونية لن تكون سهلة. فإسرائيل ليست دولة موقّعة على المحكمة ولا تقبل اختصاصها القضائي، في حين أن ساستها معادون للمحكمة الجنائية الدولية علنا. لكن فلسطين عضو، وبالتالي فإن للمحكمة اختصاص قضائي على الجرائم التي يرتكبها مواطنوها وعلى أراضيها.
وأضاف: “قالوا إنهم كانوا بحاجة إلى وضع أجهزة إنذار على جميع النوافذ الفرنسية، وأنك بحاجة إلى باب مقوى مضاد للرصاص”. وأوضح أن العمل كان عاطفيا شاقا، وتضمّن جمع الأدلة وشهادات الناجين من الأسرى الإسرائيليين الذين قضوا شهورا في أنفاق تحت الأرض ومشاهدة مقاطع فيديو عن عملية الهجوم.
يقول كايلي: “كانت الضغوط هائلة”، وبعض هذه الضغوط كانت داخلية: “السرعة، كان لا بد من إنجاز الأمور بسرعة كبيرة”، لكن معظمها كان خارجيا.
وعندما أصبح من الواضح أن المدعي العام الرئيسي، كريم خان، ينوي المضي قدما في طلبه بإصدار مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو، تصاعد هذا الضغط. وفي أيار/ مايو 2024، رتبت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين اجتماعا افتراضيا مع كبار أعضاء المحكمة الجنائية الدولية لمناقشة قضية فلسطين. وكان السياسيون في الولايات المتحدة يهددون بالفعل بالانتقام من المحكمة إذا مضت قدما في أوامر الاعتقال ضد إسرائيل.
يتذكر كايلي أن السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، ليندسي غراهام، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، “كان يصرخ في وجوهنا”. أكد لي موظفون آخرون في المحكمة الجنائية الدولية حضروا ذلك الاجتماع، أن غراهام كان يهددهم بمواجهة عقوبات وبإغلاق المحكمة، حيث يقول كايلي: “أجل، كان الأمر سيئا”.
وسألته عما كان يدور في رأسه؟ “فكرت، حسنا، علينا أن نفعل الصواب، لكن الولايات المتحدة تمارس هذه السلطة الهائلة. كان الأمر مخيفا، لأكون صريحا، لقد حذرنا مسبقا”.
لكن كايلي لم يدرك خطورة الوضع إلا عندما ظهر خان على شبكة سي أن أن، قائلا إنه طلب من قضاة استصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت وثلاثة من قادة من حماس. وبدأ كايلي يتلقى مكالمات هاتفية مجهولة المصدر تحمل تهديدات، تقول: “أنت في وضع خطير للغاية”.
وفي الصيف الماضي، حضرت الشرطة وأجهزة الأمن الهولندية إلى المحكمة لتحذيره من أنه في خطر كبير. ويتذكر قائلا: “قالوا إننا بحاجة إلى إلقاء نظرة على شقتك، وتركيب أجهزة إنذار على جميع النوافذ الفرنسية وقضبان على النوافذ العلوية وباب معزز مضاد للرصاص. كان الأمر مرعبًا للغاية”.
وإلى جانب الخطر الجسدي، كان هناك التهديد الدائم بالعقوبات. وكانت الولايات المتحدة واضحة منذ البداية بأنه في حال صدور مذكرة توقيف بحق نتنياهو، فإن فرض عقوبات على المحكمة سيكون احتمالا جديا. وكان ذلك ليشكل كارثة بالنسبة لكايلي. فطليقته أمريكية، وجميع أبنائه الأربعة يعيشون في الولايات المتحدة، اثنان منهم لا يزالان يدرسان بدوام كامل ويحتاجان إلى دعمه المالي. وكانت العقوبات ستمنعه من زيارتهم أو إرسال أموال لهم.
ومن المرجح أن هذا سيؤثر على قدرته على العمل في بريطانيا أيضا. وأضاف كايلي: “معظم البنوك تلتزم” و”تتعامل كثيرا مع الولايات المتحدة ولا تريد أن تخرق القانون الفدرالي. وعليها تفعيل كل خوارزميات تجميد كل الحسابات” أي معاقبة الأفراد. ونصح بتحويل أمواله إلى حسابات شقيقته.
وبحلول الخريف الماضي، كانت الضغوط تتزايد عليه بشكل أثر على صحته، “لم أكن في وضع صحي جيد”.
وفي النهاية، لم يكن أمامه خيار سوى الاستقالة من الوظيفة التي أحبها. ولكنه ترك وراءه زملاء عرضة للمخاطر. وقد امتدت العقوبات التي فرضها دونالد ترامب في الأسابيع القليلة الأولى من توليه منصبه، لتشمل ما هو أبعد من خان لأربعة قضاة. يقول كايلي إن ذلك يسبب ضغطا نفسيا على العاملين في المحكمة الجنائية الدولية. ويضيف: “أعلم أن عددا كبيرا منهم في إجازة مرضية من المحكمة. يمكنك أن تشعر بالقلق السائد هناك”.
وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات إضافية إذا صدر أي إعلان مستقبلي عن أوامر اعتقال بحق وزراء إسرائيليين. وتحقق المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية. ويقول كايلي: “لا يزال هناك خوف من تلك [العقوبات]، وأعتقد أنه خوف حقيقي”.
فالناس حذرون فيما يقولونه علنا. ويضيف كايلي: “أعتقد أن الولايات المتحدة تراقب ما يجري عن كثب”. هناك أيضا احتمال حقيقي بأن تمتد تلك العقوبات الأمريكية لتشمل المؤسسة نفسها، مما قد يؤدي إلى تجميد جميع العقود مع الشركات الأمريكية، بما في ذلك البرامج التي تقدمها مايكروسوفت والتي تخزن قاعدة بيانات أدلة المحكمة. وانطلاقا من ذلك، تبحث المحكمة الجنائية الدولية عن مزودي برامج وخدمات مصرفية آخرين.
ولم يتطرق كايلي إلى مزاعم الاعتداء الجنسي التي يواجهها خان، الذي يخضع لتحقيق داخلي بعد اتهامه بممارسة الجنس مع امرأة دون رضاها في مكتبه العام الماضي، وهو ما ينفيه.
واكتفى كايلي بالقول: “كل هذه الضغوط تثقل كاهل المحكمة. أعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية تمر بفترة عصيبة للغاية، لكنها ستصمد”.
ويظل كايلي، الذي عاد للعيش في لندن والعمل في مكتب محاماة “تمبل غاردن”، ثابتا على موقفه. فقط عندما يتحدث عن رسالته السامية وهي النضال من أجل العدالة الدولية، لكنه يشعر بالانفعال، ويحتاج إلى استراحة ليستجمع شتات نفسه. يقول: “لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله، وأحيانًا أشعر بالإرهاق”.
ويصف كايلي شعورا بالقهر يلازم العمل على قضايا جرائم الحرب. لكن ما يحركه حقا ليس كل الرعب الذي شهده على مدى عقود. يقول: “في الواقع، أستطيع تحمل الدماء والفظاعة، وليس الحزن. لقد رأيت وسمعت الكثير من الحزن على مدار الثلاثين عاما الماضية. لا يمكنك تقبل هذه الأمور إذا كنت فردا من الجنس البشري. عليك أن تقاوم وتفعل الصواب، حتى لو كان ذلك بثمن”.
– “القدس العربي”: