رفع العقوبات عن سوريا… فرصة للانتقال من المحسوبيات إلى اقتصاد إعادة الإعمار والاستثمار

رفع العقوبات عن سوريا… فرصة للانتقال من المحسوبيات إلى اقتصاد إعادة الإعمار والاستثمار
جانبلات شكاي
دمشق ـ بكثير من التفاؤل والبهجة استقبل السوريون رسيماً وشعبياً، قرار الولايات المتحدة رفع العقوبات الأمريكية عن بلادهم، ومن ثم قرار الاتحاد الأوربي الأوروبي المماثل، وسط آمال أن تمثل هذه الإجراءات بداية عهد جديد من الانفتاح والنمو الاقتصادي بعد عقود بات فيها معظم الشعب السوري تحت خط الفقر المدقع.
وتشير معلومات كشف عنها عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان لـ”القدس العربي” أن هناك أكثر من 30 تريليون ليرة سورية محجوبة عن التعامل باعتبار أنها مخبأة في مستودعات مجهولة، وقام بإخفائها ما بين 15 إلى 20 من تجار الحرب الذين احتكروا الاقتصاد السوري في سنوات الثورة، متوقعاً في ذات الوقت أن يؤدي رفع العقوبات عن بدء تدفق الاستثمارات وبمبلغ يصل إلى نحو 10 مليارات دولار إضافة إلى تحرير نحو مليار ونصف المليار دولار من الأموال السورية المجمدة. لكن هذا الانتعاش المأمول، واقتناص الفرصة، ما زال غير واضح باعتبار أن معايير الشفافية لم تنضج بعد، حسب ما قاله الأكاديمي والمستشار الاقتصادي زياد أيوب عربش لـ”القدس العربي”، وما زال بعض المسؤولين يلجأون للتصريح من دون اتخاذ إجراءات ضرورية لازمة لعملية الاندماج المصرفي بالنظام المالي العالمي. أما الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري فقد أكد أن سوريا أمام فرصة حقيقية للانتقال من اقتصاد المحسوبيات والانهيار، إلى اقتصاد إعادة الإعمار والاستثمار، لكن هذه الفرصة مشروطة ببناء مؤسسات جديدة وشفافية مطلقة وشراكة حقيقية مع الداخل والمجتمع الدولي.
الرياض وأنقرة صاحبتا الفضل
في كلمة له بمنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي في الرياض في الثالث عشر من أيار/مايو الماضي، فاجئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى مسؤولين من إدارته، وأعلن أنه قرر رفع مشروط للعقوبات الاقتصادية عن سوريا لـ”منحها فرصة”، مشيراً إلى إن إدارته اتخذت الخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع دمشق، كما أعلن أن قراره يأتي استجابة لطلبات تركيا والسعودية.
وفي اليوم التالي، التقى ترامب في الرياض رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، في أول لقاء من نوعه بين رئيسين أمريكي وسوري منذ 25 عاماً.
وفي الـ 23 من الشهر ذاته رفعت واشنطن رسميا العقوبات المفروضة على سوريا، وهو ما وصفته وزارة الخارجية السورية بأنه “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح لتخفيف المعاناة الإنسانية والاقتصادية في البلاد”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في بيان إنه أصدر إعفاء لمدة 180 يوما من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر لضمان عدم إعاقة العقوبات للاستثمارات وتسهيل توفير الكهرباء والطاقة والمياه والرعاية الصحية وجهود الإغاثة الإنسانية.
التحويلات المصرفية
وفي أول إجراء من نوعه منذ سنوات طويلة، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية في 19 حزيران/يونيو الجاري أنه تم تنفيذ أول تحويل مصرفي دولي عبر نظام سويفت، مشيراً إلى أن المعاملة تمت من بنك سوري إلى بنك إيطالي، من دون نشر تفاصيل إضافية عن البنوك التي قامت بعملية التحويل، إن كانت عامة أم خاصة أو إن كانت تمت بشكل مباشر أم عبر بنوك وسيطة.
وفي ذات السياق نشر الموقع الرسمي للمصرف المركزي السوري بياناً عن إلقاء حاكم المصرف كلمة افتتاحية خلال لقاء حواري بين المصارف السورية والأمريكية، بحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا السفير توم باراك، تمحورت حول فرص التعاون المالي بين سوريا والولايات المتحدة.
ولم يوضح البيان الرسمي مكان انعقاد اللقاء لكنه أشار إلى أنه كان تحت عنوان “فصل جديد في الحوار المالي السوري-الأمريكي” وأكد خلاله الحصرية أن المصرف يعمل على تعزيز الشفافية والانضباط التنظيمي، عبر تحديث الإطار القانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز استقلالية وحدة الاستخبارات المالية، إلى جانب إطلاق برامج تدريبية لضباط الامتثال في المؤسسات المالية السورية.
وتضمنت الكلمة دعوة رسمية إلى المصارف الأمريكية لإعادة النظر في علاقات المراسلة المصرفية مع سوريا، وفتح مكاتب تمثيلية أو شراكات مصرفية، مؤكداً أن بناء الثقة هو الأساس لتفعيل التعاون المالي المشترك.
كما أشار الحصرية إلى أهمية إرساء لغة مالية مشتركة قائمة على الأخلاقيات والانضباط، والانفتاح على التقنيات الحديثة في العمل المصرفي، إضافة إلى التأكيد على استعداد المصرف للعمل بشفافية لتأمين بيئة مالية جاذبة وآمنة للمؤسسات الأجنبية.
وأوضح البيان أن اللقاء انتهى بتأكيد الحاكم أن العلاقات المصرفية هي دعم للتجارة المشروعة وخدمة لحياة الناس، مع التأكيد أن الحوار مستمر لبناء منظومة مالية سورية حديثة، منفتحة، وشريكة في الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار والازدهار.
عملة بلاستيكية
وفي مناقشة حول تأثير رفع العقوبات الأمريكية على إنعاش الاقتصاد السوري واغتنام الفرصة وسط التحديات الأساسية التي تواجه هذا الاقتصاد المتعثر قال عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان لـ “القدس العربي” إن العملة الحالية يتم التداول في القسم الأكبر منها خارج النظام المصرفي، وربما تكون خارج الاقتصاد السوري، وهذا الأمر يتطلب طباعة عملة جديدة حتى تمتلك الحكومة أدوات لإدارة اقتصاد الدولة، بعد أن تصبح السيولة الجديدة في البنك المركزي، وعبر هذه الأدوات يتم تحريك عجلة الإنتاج من خلال توزيع السيولة على المصارف ومنها إلى التداول.
وتوقع كنعان بأن تتم طباعة عملة جديدة للبلاد، وقال: “اقتراحنا أن تكون بلاستيكية لأنها غير مكلفة، بهدف تسيير الأعمال إلى أن يتم استقرار الصرف والبدء بتعديل العملة”، مرجحاً أن يتم الحفاظ على قيمة العملة من دون حذف أي صفر في الوقت الراهن إلى أن يتم الإصلاح النقدي.
1.5 مليار دولار مجمدة
وتوقع كنعان أن “فترة الإصلاح النقدي تحتاج إلى خمس سنوات، وهناك توقعات بأن تشهد السنوات المقبلة تضخماً، فلا يجوز إجراء إصلاح نقدي اليوم، ومن ثم نجري إصلاحاً نقدياً آخر بعد فترة، لأن سعر الصرف ليس بمستقر”.
وأشار كنعان إلى أنه برفع العقوبات أصبح بإمكان البنك المركزي تلقي الأموال لصرفها في تحسين البنية التحتية والخدمية للبلاد في الجوانب الصحية والخدمية والتعليمية وغيرها، إضافة إلى المجالات الإنتاجية، متوقعاً أن يدخل إلى سوريا حوالي 10 مليارات دولار، على حين أن حجم الأموال المجمدة للبنك المركزي في الخارج يقدر بما بين مليار إلى 1.5 مليار دولار وهذا مبلغ ليس بالكبير كما كان يشاع بأن المبالغ المجمدة في الخارج تصل إلى 5 مليارات دولار.
خطوة أولى
وبين كنعان أن الاقتصاد السوري لا يمكن أن ينطلق من دون الخطوة الأولى، وهي رفع العقوبات التي سوف تساهم في الدرجة الأولى في دمج البنوك السورية مع البنوك الدولية بعد فتح شبكة سويفت أمامها وبالتالي السماح بتحويل الأموال إلى سوريا وبالعكس، معتبراً أن هذه الخطوة ضرورية لأنها تسمح للمستثمرين السوريين وغير السوريين بتحويل أموالهم بكل سلاسة من دون أن يحملونها عبر الحقائب.
ولفت كنعان إلى أن الاقتصاد السوري بعد رفع العقوبات سوف ينطلق، وعلى الحكومة أن تجهز وتدرس الخطط وتشكل فرق العمل لإمكانية استقبال الاستثمارات من الخارج سواء كانت سورية أو عربية، إضافة إلى إعداد مشاريع البنية التحتية وخصوصاً الكهرباء، لأن صندوق النقد الدولي يركز على قطاع الكهرباء وبالتالي يجب على الحكومة وضع دراسات أولية على حجم الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية لتأهيلها للدخول ضمن المقاسات العالمية.
تفاؤل في الشارع
من جهته، اعتبر رئيس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد أحمد الصالح أن تحسن الوضع الاقتصادي يكون وفق جملة معطيات متكاملة مبنية بشكل رئيسي على معطيات حقيقية وواقعية جزء منها هو التفاؤل الذي تولد لدى الشارع السوري بعد المعطيات الجديدة، مضيفاً: “عزز هذا المشهد احتمالية رفع العقوبات عن سوريا والتي تعطي أملاً بعودة البلاد إلى المشهد الدولي والإقليمي وتمكين الاقتصاديين من إنجاز جملة الأنشطة بتكلفة أقل”.
وفي تصريح لـ”القدس العربي” قال الصالح: “لمسنا مجموعة تحسنات إيجابية انعكست في تدفق السلع وانخفاض نسبي ولو بسيط بالأسعار، إضافة إلى زيادة التفاؤل لدى الشارع السوري، مع زيادة الاستعلام الخارجي حول الاستثمار في سوريا”، مشدداً على ضرورة تعزيز هذه الأمور من خلال بنية مؤسساتية أكثر فعالية لمواكبة هذه المعطيات الجديدة.
رابح رابح
من جهته دعا الأكاديمي والمستشار الاقتصادي زياد أيوب عربش إلى الاستفادة من الفرصة التاريخية في رفع العقوبات على مستوى ديناميكية الاقتصاد السوري وتفعيل الطاقات، وخصوصاً أن سوريا كما هو معروف تاريخياً، أكثر من 80 في المئة من طاقاتها غير مفعلة، ولا بد من وضع خطة اقتصادية مستعجلة لالتقاط الفرص سواء إن كانت عبر التحويلات المالية أو استثمارات المغتربين السوريين، ومن ثم استثمارات العرب والأجانب، ومشاركات استراتيجية بين سوريا ودول عربية وأجنبية لإقامة تحالفات اقتصاديات وشراكات على مبدأ “رابح رابح” في مناطق صناعية وتجارية خاصة في سوريا لاستغلال الطاقات المتاحة وتفعيل القيم المضافة وتلبية السوق المحلية ومن ثم التصدير نحو الخارج.
ولفت إلى أنه “خلال سنوات الثورة السورية انتقلنا من نظام ريعي يعتمد على النفط والفوسفات والترانزيت وغيرها، إلى نظام ريعي آخر يقوم على استغلال المنح الدولية والتحويلات المالية وخاصة للنازحين والمغتربين، إضافة إلى ممارسات ملتبسة منها تصدير المخدرات”.
وفي تصريحه لـ”القدس العربي” بين عربش “أن عدم تضييع الفرصة، موضوع يتطلب عملاً وجهداً كبيراً وليس عبر التصريحات فقط، لأن هذه الفرصة قد لا تتكرر”.
عملية سياسية
واعتبر عربش أن ما يجري حاليا فيما يتعلق وعملية رفع العقوبات هي عملية سياسية، ولولا جهود العربية السعودية تجاه استمالة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تجاه إعادة دمج الدولة السورية في المؤسسات الدولية لما حصل كل ما حصل، وتابع: “أن العملية السياسية هذه مطلوب منها تنشيط اقتصاد سوريا من خلال إجراءات ضرورية من دون الركون إلى تصريح إعلامي من هنا وهناك، لأن على المؤسسات السورية أن تكون مندمجة بالنظام الدولي على الأقل عبر تلبية الشروط الابتدائية والأساسية المتمثلة في شقين، الأول يتعلق بتراكيب المؤسسات التي يجب أن تعمل بشفافية مطلقة، وهي المصارف العامة والخاصة ولا سيما أنها كانت معزولة طيلة 15 عاماً عن نظام سويفت، وبالتالي فإن عملياتها التشغيلية ونمط ونهج أسلوبها التنفيذي في إدارة العمليات المصرفية سيخضع حكما للتدريب والتطوير وضخ دماء جديدة ضمن نهج اقتصادي جديد بحيث تعود هذه المصارف لتواكب التطورات العالمية التي باتت تفصلها عنها فجوة كبيرة”.
وبين عربش أن الشق الثاني يرتبط بالحالة القانونية والتنظيمية عبر امتثال المصارف السورية وعلى رأسها المصرف المركزي بالقواعد المالية الرقابية وخصوصاً في ما يتعلق وإجراءات التمويل والتحويلات المالية التي ستخضع للشفافية المطلقة، لأن أي انتكاسة أو تحويل مالي مشبوه سواء عبر عدم الامتثال لقواعد مكافحة الإرهاب أو الإتجار بالبشر أو المخدرات أو الجريمة المنظمة أو أي ممارسة ملتبسة لم تكن تحت عين السلطات السورية، تعني فقدان المصداقية، فالمطلوب الامتثال لكافة القواعد المالية العالمية بشفافية مطلقة وتكامل هذه المصارف ضمن بيئة مصرفية متطورة، وليس من المعقول أن تكون هناك تطبيقات مالية ومؤسسات مصرفية لا تعمل ضمن القانون السوري الصريح والواضح وبالمعايير العالمية، وتابع، لابد من دمج تطبيق “شام كاش” ضمن النظام المصرفي السوري حسب القواعد الرسمية.
إجراءات ضرورية
وأكد عربش أن رفع العقوبات فرصة تاريخية متاحة ليس فقط بعد عقوبات امتدت لعقود طويلة وإنما نتيجة الديناميكية الإيجابية العالمية والإقليمية تجاه سوريا، حيث تتقاطع للمرة الأولى مصالح الدول العربية وخصوصا الخليجية وفي المقدمة منها السعودية، مع دول الإقليم وباقي دول العالم والمنظمات الدولية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي فرصة لن تتكرر.
ومتسائلاً إن كانت الحكومة السورية قادرة على استثمار هذه الفرصة؟ تابع: “لنقلها صراحة إن معايير الشفافية لم تنضج بعد، وما زال بعض المسؤولين يلجأ للتصريح من دون اتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لعملية الاندماج المصرفي بالنظام المالي العالمي، فقانون الذمة المالية والنزاهة المالية وتطبيق قواعد العمليات المصرفية الشفافة والمتكاملة هي خطوات أساسية وضرورية لتلبية معايير اتفاقيتي (بازل 1) و(بازل 2) المطلوبتان (وتهدفان إلى تعزيز الاستقرار المالي من خلال تحسين إدارة المخاطر المصرفية)، وإن كان الإشراف على المصارف الحكومية السورية وتطوير الكوادر والبنية التشريعية يحتاج للوقت، لكن كان أمام الحكومة أسابيع بل وأشهر للقيام بذلك ولم تفعل، وهذا الأمر مطلوب وبإلحاح”.
واعتبر عربش أن السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة وسياسات التدخل من المصرف المركزي حتى الآن، ليست كافية، حتى إنها غائبة للأسف وبما يضر الاقتصاد السوري، و”لليوم نجهل خطط الحكومة السورية الاقتصادية، وعلى من يملك هذه الخطط عرضها على الخبراء وعموم الشعب السوري ليُعلمهم عن خطط الحكومة الاقتصادية، ولكننا ما زلنا نتلمس الطريق من دون خطة، ووزير الاقتصاد عين ثمانية مستشارين، ولكن هل قرأ أحد منا صفحة أو عدة صفحات عن خطة للنهوض الاقتصادي أم ما زلنا نتلمس الطريق؟”.
وعن السياسات المالية والسياسات المصرفية قال: “ما زلنا نعيش حالة (اقتصاديات التواصل الاجتماعي) أو (اقتصاديات سوق الجمعة) للأسف، وعلى مبدأ قلت له وقال لي وسيحضر لي وذهب وعدت، والأمور لا تدار بهذه الطريقة، فما هو المغزى من حبس السيولة النقدية اليوم؟ مع الإشارة إلى أن الحكومة السورية أصدرت قراراً تضمن أن أي إدخال لأموال إلى أي مصرف يمكن للمودع أن يأخذها في أي لحظة من أي مصرف أو فرع تابع لهذا المصرف، ما يعني إذا أودعت مليون ليرة سورية أستطيع سحبه ذات اليوم، ولكن عندما اتجه للمصرف لسحب المبلغ لا يعطون لي سوى 100 ألف أو 200 ألف بحجة أنه لا تتوفر سيولة لديهم، وكيف لمصرف خاص أن يقول لعملائه أنهم يطلبون السيولة منذ أيام من المصرف المركزي وهذا يمنعها عنا؟!”.
وبين عربش أن حبس السيولة ليست مضرة فقط للاقتصاد وإنما منهكة له، وبدلا من تنفيذ إجراءات شفافة إن كان عبر طبع كميات جديدة من العملة لتغذية السيولة النقدية للمودعين، أو طبع عملة جديدة، ترى تصريحات متضاربة، فوزير يتحدث عن أسابيع للاندماج في نظام سويفت المالي، وحاكم المركزي يقول عدة أيام.
وتابع: “إن الاندماج في نظام سويفت ليس فقط عملية فنية والحصول على كودات ورموز المصارف المتعاملة والمراسلة للمصارف السورية، وإنما هي سلسلة متكاملة تتضمن سياسات مالية ونقدية عبر خطة اقتصادية واضحة للنهوض بالقطاع المالي والمصرفي على أسس شفافة للجميع”.
الربط عبر الوسطاء
ورأى عربش أن الدولة قد تلجأ وربما هذا من حقها، إلى حلول بديلة ومؤقتة عن طريق مصارف أردنية أو قطرية أو بحرينية، وهذا أمر ممكن مرحلياً بانتظار تطوير الجهاز المصرفي السوري كما يجب ليندمج بنظام سويفت العالمي، وإلى ذلك الوقت يمكن اللجوء إلى حلول آنية أو مؤقتة عبر المصارف العربية التي تتعامل مع فروع لها داخل سوريا، ولكنها تبقى حلولاً مؤقتة ولا يمكن أن تكون بديلاً بأي حال من الأحوال عن اندماج سوريا مباشرة بنظام سويفت على اعتبار أنها دولة مستقلة وذات سيادة، والنظام المصرفي السوري كان مندمجاً في السابق مع نظام سويفت، وبالتالي فإن إضافة تكاليف مالية وزمن جديد عن طريق تحويلات فرعية هي حل مؤقت لأسابيع أو أشهر ولكن لابد من إعادة الاندماج بالنظام العالمي عبر المصارف الوسيطة في أوروبا والولايات المتحدة للاستفادة من هذه الفرصة من دون تكبيد تكاليف إضافية على التحويلات المالية القادمة إن كانت من الإقراض الدولي أو من المغتربين الراغبين بتمويل مشاريع اقتصادية داخل البلاد، وحتى المنظمات الدولية الراغبة في فتح حساباتها ضمن المصارف السورية.
وتحدث عربش عن عقد نظمته الإدارة الجديدة مع شركات عالمية في مجال الطاقة وأن التوقيع أخيراً على عقد جوهري بقيمة سبعة مليارات دولار، لإنتاج خمسة آلاف ميغا واط مع شركة قطرية أمر إيجابي، ولكن لا يمكن الركون إلى تصريح إعلامي أو توقيع مذكرة تفاهم من دون وجود عقد نظامي مفصل والشروع بالتنفيذ ضمن حوكمة اقتصادية ضابطة للعملية الاستثمارية.
وتابع: “إن الشركة المنفذة بدأت باستلام الأراضي لتنفيذ العقد، ولكن مثل هذه الاستثمارات تتطلب بيئة حوكمية واضحة وتخصصية، والشفافية المطلقة ليس فقط عبر الإعلان عن مشروع هنا وآخر هناك، وإنما هذه الشفافية مطلوبة لجذب المشاريع الأخرى، وستتهافت الشركات العالمية لأن سوريا مقصد استثماري اليوم وهناك ديناميكية اقتصادية إقليمية وعالمية تجاه البلاد ويجب استثمارها”.
خطة دولية للدعم
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري اعتبر من جهته في تصريح لـ”القدس العربي” أنه وفي ظل وجود حكومة سورية خلال المرحلة الانتقالية وبدء مرحلة سياسية جديدة بعد انتصار الثورة، فإن رفع العقوبات سيكون جزءاً من خطة دولية لدعم الاستقرار والإعمار، وليس مجرد استثناءات إنسانية، والحالة ستكون أكثر جدية وقابلية للتنفيذ الفوري، خاصة إن اعترفت بها دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجهات المانحة.
ورأى أن التأثير المباشر سيتمثل في تحرير النظام المالي من العزلة، وإعادة ربط المصارف السورية بالنظام المالي العالمي، وبدء تدفق المساعدات الإنمائية، وليس فقط الإنسانية، وإعادة إنعاش الاستيراد، وتشغيل عجلة الاقتصاد من جديد، والبداية في البنية التحتية، والطاقة، والصحة والتعليم.
وبرأي حزوري أن الحكومة السورية الحالية أمام فرصة تاريخية، ولكن عليها الالتزام بشروط عدة منها تشكيل فريق اقتصادي وطني تقني مستقل، بعيد عن المحاصصة والولاءات، وتبنّي سياسات مالية واضحة وشفافة لضبط الإنفاق، وتحسين الجباية، وضمان الشفافية في العقود، مع إعادة بناء المصرف المركزي وتحريره من الفساد وتقديم دعم فني دولي له، إلى جانب إصدار عملة مستقرة أو تثبيت سعر الصرف، ولو مؤقتاً، لطمأنة المستثمرين.
وتحدث حزوري عن نقاط الضعف المحتملة في الجهود الحكومية المطلوبة للاستفادة من فرصة رفع العقوبات وحذر من غياب الخبرات التنفيذية بعد عقود من التهميش، ومن البنية التحتية المالية والمؤسساتية شبه المدمّرة، كما حذر من تحديات السيطرة على كامل الأراضي السورية، في إشارة منه إلى مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة حالياً لـ”قوات سوريا الديمقراطية- قسد”، مبيناً توفر إمكانية لتدارك هذه العقبات عبر شراكة وثيقة مع المؤسسات الدولية (صندوق النقد، البنك الدولي، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي).
عودة رؤوس الأموال
وعبر حزوري عن قناعته بأن الربط المباشر بنظام سويفت سيكون متاحاً من جديد، من دون حاجة للوسطاء كما كان في عهد النظام البائد، مشيراً إلى أن هذا الربط سيسمح بتسهيل الحوالات البنكية وتخفيض تكلفة التجارة الخارجية، وتسريع تدفق الدعم الخارجي والأموال من المغتربين، موضحاً أن الربط غير المباشر، أي عبر مصارف وسيطة، قد يُستخدم مؤقتاً فقط في حال تأخر الإجراءات التقنية، لكنه ليس خياراً طويل الأمد في حال توفرت شرعية دولية.
وقال: “إن البيئة الآن مشجعة لأول مرة منذ سنوات، خاصة إذا تحققت ضمانات قانونية للمستثمرين (قوانين تحكيم، حماية ملكية)، مع استقرار أمني نسبي، وإطار مؤسساتي نزيه وشفاف، وفي هذه الحالة ستكون القطاعات الأكثر جذباً للاستثمار هي الطاقة المتجددة كالشمسية والرياح، لتعويض الانهيار الكامل في منظومة الكهرباء، والنفط والغاز خصوصاً إن استُعيدت الحقول من التنظيمات المسلحة وبُنيت شراكات عادلة، والبنية التحتية والإسكان، والزراعة والصناعات الغذائية”، مؤكداً أن عودة رؤوس الأموال السورية المغتربة ستكون مرتبطة بثلاثة عوامل هي الأمن، وضمان الحقوق، واستقرار السياسة النقدية.
وخلص حزوري إلى التأكيد على أنه وبعد سقوط النظام وتشكيل حكومة تدير المرحلة الانتقالية التي تقدر مدتها بخمس سنوات مدعومة دولياً، فإن سوريا أمام فرصة حقيقية للانتقال من اقتصاد المحسوبيات والانهيار، إلى اقتصاد إعادة الإعمار والاستثمار، لكن هذه الفرصة مشروطة ببناء مؤسسات جديدة، وشفافية مطلقة، وشراكة حقيقية مع الداخل والمجتمع الدولي.
«القدس العربي»: