مقالات

تقريش العهد الأميركي

تقريش العهد الأميركي

جمال غصن

ينتصف اليوم العامُ الذي انطلق مع انطلاق عهد أميركي جديد في واشنطن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وبشائر عهد أميركي في منطقتنا بعد تركَتَي عاموس هوكشتاين في بيروت وروبرت فورد في دمشق.

في جردة منتصف العام يصحّ استخدام «تقريش» لأنه إذا تم فتح «القجة» الأميركية في منطقتنا اليوم فسوف تجدونها مليئة بالوعيد الفارغ إلى جانب الفراطة المعتادة. فعلى المستوى الإستراتيجي، يسارع البعض إلى إعلان إنهاء حالة العداء مع كيان الإبادة والحرب مستعرة على أكثر من جبهة والمجازر بحق الإنسانية مستمرّة. لا يحتاج المندفعون إلى السلام إلى لجان تقصّي حقائق ولا إلى بروتوكولات المصارحة والمصالحة التي غالباً تمهّد للسلام وإنهاء العداء بين الشعوب، فهؤلاء صريحون بقولهم إنّ لا الاحتلال ولا القتل ولا الإبادة تشكّل عائقاً أمام السلام لأن «إسرائيل تعني أميركا»، وأميركا قدرٌ. ألم تسمعوا أنّنا في العهد الأميركي؟

ويتصدّر «المتأمرتون»، أكثر من الإماراتيين أنفسهم حتّى، جوقةَ التطبيع الإبراهيمي الكامل والشامل مع الإباديين دون قيد أو شرط، ويتبعهم عن قرب شرع سوريا، أو بالأحرى شُرَيْع دمشق دون ضواحيها بعد تخلّيه المتدحرج عن مناطق على امتداد الجغرافيا السورية بما فيها الجولان، وتبرُّئه المتكرّر من جولانيّيه السابقين الإباديين إلى الأبد. هؤلاء لا تتّسع يافطات «السلام» في مركز الإبادة تل أبيب لصورهم، ولكنّها تتسع لقريع من بلادي.

على مستوى لبنان الحيادي، العهد الأميركي عهدٌ بعهودٍ كثيرة. عهد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) انتهى وانتهت معه قروشه التي كانت تعتاش منها مشاريع عولمة الحوكمة المحلية والتي قد نرى تأثير غيابها في الجولة المقبلة من العرس الديموقراطي، إن حصل. إيلون ماسك الذي أنهى الـUSAID قبل أن ينهي مخدوميته في واشنطن يحاول أن يعود إلى لبنان من فضاء الحوكمة الرقمية واتصل برئيس الجمهورية، «وفي ختام الاتصال، تمنى الرئيس عون على ماسك زيارة بيروت، وردّ ماسك شاكراً الرئيس على الدعوة، واعداً بتلبيتها في أول فرصة مناسبة» وفقاً لحساب الرئاسة اللبنانية على المنصة المملوكة ممّن ادّعى أن هناك إبادة تحصل بحق الرجل الأبيض في جنوب أفريقيا.

لكن كلّ ذلك أصبح في الماضي البعيد، تماماً كعهد المبعوثة الأميركية السابقة التي أتت إلى لبنان واستأنست وتصوّرت وغرّدت وتوعّدت ورحلت ونُسيت قبل حلول الموسم السياحي الموعود حتّى. أما في عهد بديلها لموسم الربيع والصيف توماس باراك، فلبنان وحدوده صنيعة استعمارية أصلاً ولبنان وسوريا شعب واحد في بلدين وكلّه ثقة بأن حاكم الشام أدرى بناسها… بانتظار موسم الخريف وتساقط الأوراق.

ينشط تقريش العهد الموسمي في السراي الحكومية أكثر من قصر بعبدا كون مدة صلاحيته أقصر. قد يقول الخبثاء إن الحكومة منتهية الصلاحية قبل استلامها لوزاراتها المفلسة، ولكنّ المؤمنين بالدستور يدركون أهمية كل يوم في إدارة أمور البلاد وإلا لما كان الدستور دستوراً. في ظل شحّ التمويل للمشاريع التنفيعية الكبرى التي تكفي حَلواها للتقاسم على الجميع، تتسابق الوزارات على الوجبات السريعة تماشياً مع الذائقة الترامبية. في وقت تتقاعس الحكومة فيه بموضوع إعادة الإعمار، تعمل الوزارات على تجديد عفش مكتب وزير من هنا، أو تحديث برمجيات من هناك. هذا رأسمالها المتاح اليوم، مع الصلاة بأن تُفرَج قريباً وتُفرَغ خزائن الشرق والغرب على سوريا ولبنان مقابل السلام الموهوم.

الحرب على إيران قامت لأن الأميركي نكث عهده للإيراني في مفاوضاته مع طهران. الحرب على إيران توقّفت لأن الأميركي نكث عهده للإسرائيلي بالمحاربة مهما كان الثمن. لكنّ من يعول على العهد الأميركي في سوريا ولبنان يخاله قدراً، ولن يفرّط ترامب بالصنديد المتجهم جو رجّي مثلاً. الحرب على لبنان ومقاومته قائمة ولم تنتهِ. حرب الإبادة في فلسطين مستمرة. حرب تدمير سوريا وتقسيمها في بداياتها. وهناك من يستعجل إنهاء حالة العداء والتطبيع مع السرطان الاستعماري. غرّد دونالد ترامب «أوقفوا العدّ!» عندما استشعر أنه سيخسر الانتخابات عام 2020. لم يتوقف العدّ، خسر ترامب في حينها وشنّت إدارة بايدن حربها علينا إسناداً للكيان الإبادي. عاد ترامب ووسّع الحرب.

«العهد الأميركي» كان ويبقى دعم وإسناد الإبادة الإسرائيلية في منطقتنا. مَن يريد تقريش هذا العهد مكاسبَ ومنافع موسمية له، ليس شريكاً في العهد. هو مجرّد وضيع رخيص. لكن إذا ما كانت هناك منفعة من «العهد الأميركي» الحالي هو غربلة الرخيص من البشر، عسى أن يفلح الغربال وألا تكون ذاكرتنا في العهد القادم مثقوبة مثله.
* من أسرة «الأخبار»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب