مقالات
الإسلام السياسي يستحيل عقائديا أن يكون من مكونات نظام ديمقراطي Amira Aleya Sghaier
Amira Aleya Sghaier

الإسلام السياسي يستحيل عقائديا أن يكون من مكونات نظام ديمقراطي
Amira Aleya Sghaier
هنالك اصوات تحسب نفسها على اليسار لانتهازية محسوبة او لخبل متوارث ولم تتعلم من التجربة التاريخيّة تروّج لفكرة ان التنظيمات الاسلامويّة واولها النهضة يمكن ويجب حتى ان تكون من مكونات “نظام ديمقراطي” قادم في تونس يكفي ان تقوم النهضة ومشتقاتها ببعض النقد الذاتي للتعمية على ما مارسته منذ تكوّنها وخاصة في ما بعد 2010 وماخبرناه من حكمهم. انشر كرد على هذا الادعاء هذه الصفحات من كتابي “الارهاب في تونس. الأباء و الأبناء”
” حركة النهضة هي نموذج للفكر الأصولي الإسلامي و أهم مكوّناته في تونس تأسست سنة 1972 تحت مسمّى ” الجماعة الإسلاميّة” لتغيّر إسمها ل”حركة الإتجاه الإسلامي” سنة 1981 ول”حركة النهضة” منذ 1989. إنّ مرجعيات هذا التنظيم الفكرية و السياسيّة هي ذاتها و هي قاسم مشترك مع كل التّيّارات الأصولية، رغم ما يُجهد فيه هذا التنظيم نفسه من محاولة التّمظهر بالحداثة و تبنّي قيم العصر، وما يدّعيه شيخه راشد الغنوشي من مراجعات و تطوير للفكر السياسي الإسلامي و ما أعلنه هذا التنظيم الإخواني،في خدعة سياسيّة مفضوحة، في مؤتمره العاشر الأخير (ماي 2016)، من أنّه سيفصِلُ مستقبلا بين الدّعوي و السّياسي. و الحال أنّ المنتمين لهذا التنظيم ،قيادة و قواعد، ينهلون منذ السبعينات من كتابات وتآليف منظري السّلفية والدعوة الإسلاميّة و الإخوانية و الجهاديّة التي كانت تُستورد كتبًا و شرائط و يُعاد طبعها في تونس ( خاصة من دار بوسلامة للطباعة و النشر) و حتى أنّها كانت في البدايات تُعرض للعموم في المكتبات العمومية و مكتبات المعاهد العموميّة في إطار سياسة محاربة اليسار بتقوية التيار الإسلامي التي كانت تعتمدها الحكومة التونسية في السبعينات و الثمانينات من القرن المنقضي. نذكر من تلك المؤلفات الرائجة و التي تكونت عليها “جماعة النهضة” : ” في ظلال القرآن” و “معالم في الطريق” و ” المستقبل لهذا الدّين ” لسيّد قطب و “رسائل الإمام الشهيد ” و” مذكرات الدعوة و الداعية” لحسن البنّا و”الحكومة الإسلاميّة” و”تحديات العصرالحاضروالشباب” لأبي الأعلى المودودي و”امرأتان في الجنة و امرأتان في النار” لمحمد قطب و”الحرية في الأسرة المسلمة” لمحمد جلال كشك و “الإسلام و الحكم” لأبي الحسن النّدوي و “موقف الإسلام من العلم و الفلسفة الغربية” لأنور الجندي و “حوار مع صديقي الملحد” لمصطفى محمود و” الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر” للشيخ محمد علي مسعود و “الفريضة الغائبة” لمحمد عبد السلام فرج… ، اضافة للمراجع المستحدثة من مؤلفات شيخ الجماعة راشد الغنوشي و أقطاب الفكرالإخواني مثل الشيخ القرضاوي والشيوخ الدّعاة الكثّر على شاشات التلفزات و شبكة التواصل الإجتماعي.
من هذه المنطلقات المشتركة سوف تكفّر التّيّارات الإسلامويّة كلّها، و منها النهضة ، الأنظمة التي “لا تحكم بشرع الله” و تعتبرها طواغيتًا يجب محاربتها ، فقط الفرق بينها في افصاح الخطاب، فمنها من يعلنه جهرًا و منها من يعتمد التقيّة و لا يفصح عمّا يعتقده فعلا الاّ في ما بين القيادات و الأتباع .مثال ذلك حزب النهضة في تونس الذي يدّعي انّه حزب يتبنّي الديمقراطية و حقوق الإنسان و حتى أنّ نوابه صوتوا في 26 جانفي 2014 على دستور تونس الحالي و تروّج لهذا التنظيم الدّعاية المحلية و حتى الدولية على أنّه حزب متكيّف مع الديمقراطية و الحداثة، و هو في الواقع مزدوج الوجه و الخطاب وما يعلنه يتناقض مع ما يسرّ به لأتباعه و ما يبيّت له و يمارسه لوحده أو في تناسق و تناغم مع المجموعات الإسلامويّة الأخرى من “حزب التحرير” إلى “أنصار الشريعة” حتى تاريخ التبرؤ من هذا الأخير بعد عملية الهجوم على السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر 2012 و اعلانه شكليا تنظيما “إرهابيا” في أوت 2013.و سنعود في فقرة لاحقة لتورط “النهضة” في العنف و الإرهاب.
غير أنّ حقيقة “النهضة” هي غير ذاك الوجه” المعتدل” و “الوسطي” الذي تدّعيه ، فهاهو زعيمها و مفكرها الغنوشي المعجب بمؤسّسَيْ الفكر السّلفي الجهادي ابن تيمية الذي ينعته ب “شيخ الإسلام و من أكبر القادة المفكرين و من أكبر العقول” و يصف تلميذه محمد ابن عبد الوهاب ب” العلاّمة المجاهد” ،يكتب عن مفهومه للدولة الإسلاميّة التي يصبو اليها يقول في كتابه “الحريات العامّة في الدولة الإسلاميّة:”إنّ في الإسلام أصولا للحكم صادرة عن الله ، نطقت بها أو تضمنتها نصوص القرآن والسنة وانّ الإحتكام اليها و التسليم بها ليس واجبا فحسب بل هو الحد الفاصل بين الأيمان و الكفر )…) و إنّ الإنسان ليس صاحب حق أصيل على نفسه أو على غيره و انّما هو مستخلف أو وكيل .فهو ليس صاحب الأمر والسلطة العليا التي لا تنازعها سلطة و انّما هو صاحب حق في سلطة محكومة بسلطة التشريع الأعلى الصادرة عن الله ” . و يقول راشد الغنوشي في إحدى مقالاته الصادرة و التي لم يقع تصويب ما اتى فيها في طبعاتها اللاّحقة، ان كانت هنالك مراجعة فكرية حقيقية، “و نحن مبدئيا لا نرى أي حرج في التأكيد على أنّ السّياسة جزء من برنامج الإسلام الشامل في توجيه الحياة…فالإسلام يرفض بشدة المقولة الغربية “الفصل بين الدّين و الدولة”،اذ الدولة في الإسلام يجب أن تكون خادمة للدين، قائمة على حراسته و تنفيذ أمره و رفع كلمته في الدنيا…و بالتالي ليس جريمة أن تكون للمسلم غايات سياسية فهو يصرّ أن لا يُحكم الاّ بالإسلام” و غنيّ عن التأكيد هنا على أنّ الغنوشي في رفضه للعلمانيّة، أي فصل الدّين عن الدولة ،هو يصبو لإرساء دولة تيوقراطيّة دينيّة ولا يختلف في مبتغاه عن “حزب التحرير” أو عن “أنصار الشريعة”، مثلا، اللذان يتميزان ،على الأقل في السير بوجه مكشوف.و تطبيقا لهذا التصوّر للدولة يرى الغنوشي أنّ، واجب القبول بالسلطة مشترط باحترامها الشريعة و ما “لم تتورط في الكفر البواح، أي التصادم الصريح مع ثوابت الإسلام” و انْ اعتمد الحاكم دستورا و قوانين وضعية و تجاهل ما أتت به الشريعة وأقوال الفقهاء ؟ يجيب الغنوشي بضرورة التمرّد على الحاكم ( على” الطاغوت” ص.212)، بل يجب على كل فرد من الأمة العمل للخلاص منه و لو بالقتل” لأنّ وجوده على رئاسة الدولة – يقول الغنوشي- يؤدي بحدّ ذاته إلى الفتنة” ، فمنطق التّكفير المؤدي للإرهاب هنا واضح حتى و إن غُلّف بعبارات و افتراضات فقهية للتّعمية عن حقيقة مقاصد الكاتب. وعلى هذا النوع من الفكر والأيديولوجيا تربّى المنضوون لجماعة النهضة.”
من كتاب “الإرهاب في تونس الأباء والأبناء”، تونس ،2016 ، صص 71-74.
بعض الاحالات الببليوغرافية:
– راجع برنامج”المشهد” المذاع على قناة bbc arabic يوم 1 افريل 2016 حيث يعترف نائب رئيس حركة” النهضة” عبد الفتاح مورو بانّ مرجعيّة حركتهم كانت و منذ البداية الفكر الإخواني من حسن البنّا الى الشيخ قطب. راجع الرابط التالي:
– لمزيد التفاصيل في الكتب و المطبوعات التي تربّى عليها الإخوان في تونس راجع كتاب: أحمد خالد، كيف زُرع الفكر التكفيري في ثمانينات القرن العشرين بتونس ؟ (شهادة للتاريخ)، منشورات زخارف، تونس، 2014.
-راشد الغنوشي ،القدر عند ابن تيميّة ،شركة الطباعة و النشر و الاشهار ،حلق الوادي ،1989،ص.3 و 4.
– ن م ، ص.5.
– راشد الغنوشي ،الحريات العامة في الدولة الإسلاميّة ، دار المجتهد للنشر و التوزيع ، مطبعة تونس الأولى /4، تونس ،2011 ، ص.110- 111 و لمزيد التفاصيل في ما يقدّمه شيخ النهضة من فهم للدولة و للحريات و الذي يتناقض مع المتعارف عليه للأنظمة الديمقراطية الحديثة و القيم الكونية لحقوق الإنسان يمكن العودة لكتاب : عفيف البوني ، دعوة راشد الغنوشي ، الى أسلمة المسلمين و خلط الدولة و السياسة بالدين ، دار سحر، تونس، 2014 .
– راشد الغنوشي، مقال”الإسلام السياسي و قطاع الطّرق”، ضمن كتاب:مقالات ، الجزء الأول ، الطبعة الثانية ، مطبعة تونس قرطاج، تونس ،1988، ص .115.
-من”البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي ” بالموقع التالي للإخوان المسلمين: http://www.ikhwanwiki.com/index.php?مع الملاحظ انّ موقع النهضة على الشبكة العنكبوتية ينشر نصّا آخر قصيرا تحت عنوان”البيان التأسيسي لحركة النهضة” و بتاريخ 7 فيفري 2011 http://www.ennahdha.tn)) وكأنّ “النهضة” تأسست سنة 2011 و ليست هي”حركة الاتجاه الاسلامي” التي أعلنت سنة 1981. و نشر البيان التأسيسي المقتضب هذا هو في الواقع للمغالطة و الإيهام بأنّ هذا التنظيم تغيّر و بالتالي اخفاء حقيقة ما تضمره هذه الحركة الإخوانية.
– راجع مثلا تصريح إسعاد مقداد،العضو في حركة النهضة منذ 1972، بجريدة الصباح (14 أفريل 2016) حيث اعتبر نيّة النهضة فصل السياسي عن الدعوي في مؤتمرها القادم ( والذي انعقد في ماي 2016)”هي حيلة من بعض قيادات النهضة”وانّ “الحديث عن فصل السياسي عن الدعوي (هو) موضوع خدعة لتلهية القواعد والإعلام أيضا”.
– من كلام راشد الغنوشي في لقائه مع السّلفيّين بالفيديو المسرّب عن هذا اللقاء بالرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=m5vqhT8TxRw .مع الملاحظ أنّ هذا الفيديو سجّل دون معرفة الغنوشي بذلك.