الصحافه

“يمنع النشر”… “هآرتس” تكشف الستار عن جهنم في السجون الإسرائيلية

 “يمنع النشر”… “هآرتس” تكشف الستار عن جهنم في السجون الإسرائيلية

 في صالون شقة فخمة في نابلس، على أريكة بنية باهتة، يجلس فتى نحيف ويدخن. شعره قصير ويداه نحيلتان، وتحت عينيه الكبيرتين بقع داكنة، هي تحضير لنظرة إلى الأسفل، إلى الأرجل. هذه الأرجل مغطاة بعلامات مكتظة، حمراء – رمادية، بكل الأحجام. البقع دليل على إصابة متكررة بمرض الجرب، وهي جزء من سيرة حياته في الأشهر الأخيرة – كان هناك مرضى آخرون. فهذا إبراهيم (اسم مستعار) ابن 16.5 سنة. تم تحرره من سجن مجدو منذ فترة غير قصيرة، حيث “تصعب رؤية وجهه، ويثير قلقاً كبيراً”. هذا ما قالته لجنة الإفراج في السجن. كان يجب الاستماع إليه لاستكمال الصورة، أو الاستماع إلى أمه التي تجلس بجانبه ولا ترفع نظرها عنه. “يبدو كمومياء، لم يكن هو”. أشارت، وقالت “لم نستطع التعرف عليه”.

في الصورة التي تعرضها الأم منذ تحريره قبل شهر تقريباً، تبدو قسمات وجه إبراهيم باردة وحتى أكثر مما هي الآن. تكون نحافته أكثر وضوحاً عندما ننظر إلى يديه، جلد وعظم. إضافة إلى الجرب، اضطر أيضاً لمواجهة العنف وأعراض قاسية من مرض في الأمعاء، من بينها فقدان الوعي. وثائقه الطبية والقانونية إلى جانب شهادته، ليست سوى عدد من شهادات كثيرين من السجناء الآخرين، قاصرين وبالغين، الذين عانوا من أعراض مشابهة في مجدو. أحدهم، وليد أحمد (17 سنة)، توفي هناك في آذار الماضي. حسب سلسلة الشهادات التي وصلت إلى “هآرتس” فإن الإهمال الطبي ونقص التغذية بندان من بنود ظروف السجن.

اعتقل إبراهيم في تشرين الأول 2024، وأدين برشق الحجارة لم يؤد إلى أضرار، وحكم عليه ثمانية أشهر سجناً في سجن مجدو الذي تشرف عليه مصلحة السجون. عندما دخل السجن، حسب ملفه الصحي، كان وزنه 65 كغم، ولكن وزنه نزل إلى 46 كغم خلال بضعة أشهر. حسب أقواله، فالمعلومات -وفقاً للملف- لم تعكس خطورة حالته، وفي مرات أخرى أظهر المؤشر أنه أقل من هذا الوزن. الرأي الذي كتبه خبير في طب الأطفال (من أجل “أطباء من أجل حقوق الإنسان”) أظهر -حسب لجنة الإفراج- “صورة صحية خطيرة تظهر سوء التغذية ونقص الوزن”. وأشارت الوثيقة وفقاً للفحوصات، أنه عانى من الأنيميا (فقر الدم) وكان الحد لـ بي.ام.اي نحو 15.2 (الحد الأدنى 18.5).

هذا الرأي الطبي قدمته للجنة الإفراج المحامية منى أبو يونس، التي مثلت هناك إبراهيم من قبل النيابة العامة. حالته الصحية “استثنائية وصعبة”، قالت اللجنة، وأشارت إلى أن ضابطة السجناء من قبل مصلحة السجون (المسؤولة عن بعض جوانب الحياة اليومية للمعتقلين) لم تفسر حالته الصحية لأبو يونس، إنما قالت إن حالته معروفة، وتتم معالجتها. وأشارت اللجنة، التي قررت تقصير مدة سجنه بـ 11 يوماً، إلى أنه “لا يمكن تجاهل ظروف الاعتقال القاسية التي يعيشها السجين”.

الظروف السائدة في مجدو عامل رئيسي في شهادات أخرى، ليس في قصة إبراهيم فقط. لقد وصلت إلى “هآرتس” شهادات مشفوعة بالقسم لأربعة سجناء آخرين، عانوا هناك خلال الأشهر الأخيرة من أعراض مشابهة. ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، عالجت خمس حالات أخرى لسجناء لديهم أعراض كهذه. وثمة شهادات وشكاوى تتناول جانباً آخر: كمية الطعام القليلة التي تقدم للسجناء، ومرض الجرب الذي يصعب تجنبه.

 القصة الـ 11 لوليد أحمد، الذي انهار في أحد أيام آذار في ساحة السجن وتوفي. التقرير الذي كتبه طبيب العائلة، الذي شارك في تشريح جثته، أظهر أنه لم يكن لأحمد تقريباً أنسجة دهنية في جسمه، وأنه عانى من التهاب في الأمعاء الغليظة ومن مرض الجرب. توجهت “هآرتس” إلى وزارة الصحة، المسؤولة عن معهد الطب الشرعي، وسألت: هل تم اتخاذ أي خطوات عقب تشريح الجثة. رفضت الوزارة إعطاء تفاصيل، بل أشارت إلى أنه “كما يقتضي القانون، يتم نقل الاستنتاجات الاستثنائية لمعالجتها إلى الجهات ذات العلاقة. ووحدة التحقيق مع السجناء في الشرطة ما زالت تحقق في موت الفتى ابن الـ 17 سنة”.

سجن مجدو الذي يقع على الشارع 65 بين أم الفحم والعفولة، يبدو الحالة الأكثر قسوة. لكن على الأقل عدد من الخصائص مشتركة أيضاً مع منشآت اعتقال أخرى، التي يحتجز فيها فلسطينيون. وتقول “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، إن مرض الجرب ينتشر أيضاً في سجون “كتسيعوت” و”غانوت” و”ايالون”، وفق معلومات وردت حتى الشهر الماضي. وفي شهادات قدمت في إطار التماس في موضوع تقليل الطعام الموزع على السجناء الأمنيين، شهد سجناء على انخفاض شديد في الوزن في عدد من السجون. مع ذلك، قال عدد من المحامين للصحيفة بأن سجن مجدو يقع في أسفل القائمة، وفقاً لكل التصنيفات.

في قضية الموت خلف القضبان، يقع سجن مجدو في المرتبة الثانية بعد سجن “كتسيعوت” [النقب]. توفي في مجدو خمسة سجناء، هم: أحمد وأربعة بالغين آخرين، وتوفي في كتسيعوت سبعة. لكن كل هذا ليس سوى بند في إحصاء أوسع: حسب نادي الأسير الفلسطيني، فقد توفي في العشرين شهراً الأخيرة 73 سجيناً ومعتقلاً، وهويتهم معروفة لدى منشآت الاعتقال العسكرية ولدى السجون التابعة لمصلحة السجون. بخصوص مجدو، فقد عثر على جثتي سجينين علامات تدل على العنف.

الحالة الأولى تعود لعبد الرحمن مرعي، أحد سكان قرية قراوة بني حسان، الذي توفي في تشرين الثاني 2023. وقد وجدت على جسمه علامات ضرب، وكانت أضلاعه وعظام صدره مهشمة. وثمة سجين كان مسجوناً في ذلك الوقت وأطلق سراحه، قال لـ “أطباء من أجل حقوق الإنسان” إن مرعي تعرض لضرب شديد على رأسه قبل موته. الحالة الثانية تعود لعبد الرحمن البحش، من سكان نابلس، وتوفي هناك في كانون الثاني من السنة الماضية، ووجدت على جسده كدمات في الصدر والبطن، وكسور في الأضلاع وجرح في الطحال. ووجد التشريح أيضاً التهاباً شديداً في الرئتين. أما التحقيق في ظروف الوفاة فلم يستكمل بعد في الحالتين، ويسري عليه أمر منع النشر. المعروف أن وحدة التحقيق مع السجانين غير مشاركة، أي أن رجال السجن غير مشتبه فيهم.

الشهادات على عنف السجانين لا تفاجئ إبراهيم. حسب قوله، هذا أمر روتيني بين جدران السجن. “كانوا يجلسوننا في نهاية الغرفة على ركبنا، ويأمروننا بوضع أيدينا على رؤوسنا، ثم يدخلون، يرشون الغاز على وجوهنا ويضربوننا بالعصي على كل أنحاء الجسم”، قال. “ذات مرة، دخلوا وضربوني بالبندقية على رأسي ووجهي، فانحرف فكي. في مرة ثانية، دخلت وحدة مصلحة السجون التي تقوم بتفتيش الغرف، وبدأ رجالها بضرب السجناء ورشوهم بالغاز، ثم جروهم إلى ساحة السجن. هناك بقوا على الأرض مدة ساعة، في حين كانت الأمطار تتساقط. “كبلونا وسارت الكلاب أمامنا ونبحت، في الوقت الذي كانوا يضربوننا فيه”، قال. كانت هناك حالات أخرى، مثلاً في مرة ضربوه فيها بالعصا وكسروها على جسده. في المقابلة التي نشرها في “هآرتس” يهوشع (غوش) براينر في أيلول الماضي، أظهرت أمثلة أخرى وتوثيقات.

وثمة شهادة أخرى على العنف ظهرت في شكوى قدمتها “موكيد للدفاع عن الفرد” في أيلول، باسم سجين قاصر آخر في مجدو لوحدة التحقيق مع السجانين في الشرطة. “العنف شديد، إلى درجة أنه يتسبب للسجناء في الغرفة بخوف دائم مما سيجلبه المستقبل”، كتب في الشكوى. ما سيجلبه المستقبل، كتب في الشكوى، يتضمن دخول سجانين إلى الغرف أثناء العد وضرب السجناء بشكل مبرح بالعصي أو اللكمات. نفس السجين القاصر، أشار إلى أنه هو نفسه ضرب مرة في بطنه، التي أجريت له فيها عملية، إلى أن فقد الوعي.

وقلل السجناء من التحدث عن هذا العنف لخوفهم أن يسمعهم السجانون، مباشرة أو من أصدقائهم، فينتقمون منهم. “كان هناك أحد ما تحدث في المحكمة عن السجانين، وبعد ذلك ضربوه”، قال إبراهيم. بعد موت أحمد، أضاف، قل العنف، لكنه لم يتوقف. هذه الأوصاف لا تقتصر على فترات زمنية معينة، فعلياً كانت موجودة أيضاً في أشهر الحرب الأولى التي أدار السجن فيها العقيد في الشرطة، مؤيد سبيتي، وفي الأشهر الأخيرة بقيادة خليفته يعقوب اوشري.

وجاء من مصلحة السجون: “نعمل حسب القانون والإجراءات مع الحفاظ على سلامة وأمن وحقوق جميع السجناء في منشآتها، بما في ذلك القاصرون. يتم تقديم العلاج حسب رأي طبي مهني، وفقاً لتعليمات وزارة الصحة وبإشراف أطباء ومهنيين يعملون في المنشآت وخارجها. كلما طرح ادعاء بشأن علاج غير سليم، تفحصه الجهات المخولة”.

 وجاء أيضاً أنه “في حالة موت سجناء، فإن مصلحة السجون تبلغ جهات التحقيق المخولة وفقاً لظروف الحدث. في موازاة ذلك، يتم فتح تحقيق داخلي لاستيضاح ظروف الحالة وفقاً للإجراءات. ستواصل مصلحة السجون العمل بمسؤولية وطبقاً للقانون، مع الحفاظ على كرامة الإنسان وأمن الجمهور وتطبيق القانون”.

هاجر شيزاف

 هآرتس 4/7/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب