معاريف: كما فعل بيغن مع مصر.. هل يتجرأ نتنياهو على دعوة الشرع لزيارة “القدس”؟

معاريف: كما فعل بيغن مع مصر.. هل يتجرأ نتنياهو على دعوة الشرع لزيارة “القدس”؟
“لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا”، هكذا شخص السياسي الأمريكي الأعلى هنري كيسنجر، الشرق الأوسط في السبعينيات من القرن الماضي. منذ ذلك الحين، حظي برؤية هذا الثنائي المتضارب يتفكك: سلسلة من اتفاقات السلام وقعت بدون سوريا، وغير قليل من الحروب دارت ومصر تشاهد من بعيد.
الآن، حين تبدد الدخان من فوردو، قد نرى ألواناً تكتونية تتحرك، ونشأت في إسرائيل فرصة نادرة لإعادة تصميم مكانها. دخلنا إلى حرب 7 أكتوبر فيما كان الشرق الأوسط ينقسم بين محورين: المحور الشيعي بقيادة إيران، والمحور السُني المعتدل بقيادة السعودية. سقوط بشار الأسد في سوريا شكل إقامة محور ثالث جديد.
المحور الشيعي ضرب بشدة: حماس والجهاد الإسلامي في غزة لم يعودا يعملان كجيش، وحزب الله تلقى ضربة قاسية لقوته العسكرية وتآكلت مكانته في لبنان، وسوريا انتقلت إلى أياد سورية، والآن انكشفت إيران أيضاً في ضعفها. الدليل: الفروع التي تبقت لها أبدت انعدام رغبة للانضمام إلى الحرب ضد إسرائيل. في أثناء الـ 12 يوماً من الحرب، أطلق الحوثيون من اليمن صاروخين نحو إسرائيل، والميلشيات في العراق رفعت العتب بإطلاق بعض المُسيرات (رغم قدرتها على الإطلاق أكثر)، وحزب الله صمت تماماً.
أمام إسرائيل فرصة نادرة لنقل المنطقة إلى نقطة توازن جديدة. الرئيس ترامب، بأحاسيسه الحادة يشخص الآن فرصة لصفقة كبرى يرى في نهايتها جائزة نوبل اللامعة في قصر بلدية أوسلو. يخيل أن نتنياهو هو الآخر يفهم أنه لا يمكنه الآن الوقوف في طريق ترامب نحو الكأس المقدسة، وسيكون مطالباً بالتعالي على الاعتبارات التافهة المتعلقة بصيانة ملائكة التخريب في ائتلافه.
إن ضم السعودية إلى اتفاقات إبراهيم والتطبيع مع الدولة العربية الأهم قد يعيد تموضع إسرائيل كدولة رائدة في المنطقة. وهذا سيفتح لنا آفاقاً اقتصادية واسعة وعالماً من الإمكانيات مع الفلسطينيين في الضفة، وخلق واقع جديد في غزة. هذا في متناول اليد، وقد يتجسد في غضون أسابيع.
السعوديون، الذين تربوا على كراهية إسرائيل، اقتلعوا التحريض من مناهجهم التعليمية في يوم واحد. ولا يوجد خبراء مثلهم لتحقيق مسيرة نزع التطرف المطلوبة في غزة. مقدراتهم الهائلة قد تدعم هجرة سكان غزة، وفي نفس الوقت إعادة تأهيل أولئك الذين يختارون البقاء.
مستقبل أفضل
لكن احتمال الاتفاق مع سوريا دراماتيكي حتى أكثر من ناحية ضمان مستقبل إسرائيل في المنطقة. صحيح أن زعيم سوريا ذو ماض مشكوك فيه، ورجاله بقوا جهاديين في الحاضر أيضاً، لكن يخيل أن الشرع يقرأ على نحو صحيح تطلع الطوائف والقبائل التي تتشكل منها سوريا المدمرة؛ لضمان مستقبل أفضل لأبنائهم. مستقبل الشرع هو الآخر مشكوك فيه: في كل لحظة معطاة، قد يغتاله أحد رجاله. هو واع لذلك، ويواصل مسيرة تحوله من إرهابي إلى سياسي جسور.
الشك فيه مفهوم. ولهذا، المطلوب جسارة إسرائيلية أيضاً. عشية زيارة السادات إلى القدس، العدو الأعظم الذي سفك دماء آلاف الإسرائيليين، شككت قيادة الجيش بأنها مناورة تضليل. حتى أولئك الذين أمنوا دوافع السادات تساءلوا ما سيحصل إذا ما اغتيل. وبالفعل، تبينت دوافعه صادقة، وحتى اغتياله لم يوقف السلام الذي يبقى قائماً ومستقراً منذ 46 سنة. ثمة سياقات هي أقوى من الزعماء الذين يقودونها.
سوريا، على تعقيداتها الطائفية، التي على مدى أكثر من نصف قرن كانت دولة عربية علمانية، تتطلع للعودة إلى مكانها الطبيعي، في حضن الدول السنية المعتدلة. الشيعة غرباء عليها، والإيرانيون مكروهون فيها بعد أن سفكوا دماء مئات آلاف السوريين. وقد تحررت الآن من التدخل الإيراني، وهي ناضجة للتحرر أيضاً من العناق الروسي. تشكل فرصة لإسرائيل لتثبيت مكانها في المنطقة ولتحقيق رؤيا كيسنجر.
بعد أكثر من عقد من الحرب، سوريا تواقة لإعمار عاجل، يمكن من تعزيز أي اتفاق سلام أو حالة لا حرب معها، بمشاريع تحفز الاستقرار: مشاريع بنية تحتية برية في مجالات المواصلات، الطاقة والاتصالات، تعيد إقليم الشام (الهلال الخصيب) ليكون جسراً برياً يربط آسيا والشرق الأوسط في أوروبا.
المال الخليجي قد يبدأ في إعمار خرائب سوريا، والمال الأوروبي ربما يقيم فيها مؤسسات تعليم وبحث تخدم عموم المنطقة، وهذا المشروع الهائل ربما يحول سوريا الكبرى (سوريا، لبنان، الأردن، وإسرائيل) من أرض محروقة إلى محرك ازدهار إقليمي كجزء من النظام العالمي الجديد الذي يتشكل أمام ناظرينا.
أعرف أن هذا يبدو كرؤية ساذجة بعد سنتين من سفك الدماء. فسوريا لا تزال تحت نظام قمعي، والمنطقة كلها في وضع هش، لكن الشعوب في المنطقة، ومن بينهم نحن، منهكون من سنوات سفك الدماء وتواقون للأمن.
مصر كنموذج
عندما دعا رئيس الوزراء الرحال مناحيم بيغن، الرئيس المصري ليخطب في الكنيست 1977 كان هناك شكاكون كثيرون لم يصدقوا بأنه يمكن الجسر على العداء الذي بيننا وبين الدولة العربية الأكبر. لقد شخص بيغن الفرصة التاريخية واتخذ القرار الثاني في أهميته في تاريخ إسرائيل الحديثة (بعد إعلان الدولة): اتفاق السلام الذي وقع مع مصر غير وجه الدولة: طير اقتصادها عالياً، وثبت مكانتها في المنطقة.
كان بيغن يعرف أن التاريخ يعود للزعماء الذين يتجرأون على الحلم، وعلى شق الطريق والعمل أيضاً. في لحظة الحقيقة، توجه ضد أيديولوجيته وضد “القاعدة”، واتخذ الخطوة التاريخية الصائبة. نتنياهو هو الآخر، ابن المؤرخ، المعجب بالزعماء الذين يشقون الطريق، لكنه حتى اليوم لم يبادر إلى أي رؤية ولم يتجرأ على السباحة ضد التيار، بل حرص على السباحة مع التيار الأقوى الذي عصف به في تلك اللحظة.
الآن، بعد أن جلب له الطيارون الكبلانيون إيران على أجنحة الفضة، فهذه لحظته ليثبت بأنه رجل دولة وليس رجل سياسة حزب تافهة: أن يدعو الشرع لزيارة القدس، ويسجل في التاريخ كزعيم مخترق للطريق، كزعيم يعرف كيف يحول الكارثة إلى رؤية من الأمل.
ألون بن دافيد
معاريف 4/7/2025