انشغال تركي بسوريا: المواجهة مع إسرائيل آتية

انشغال تركي بسوريا: المواجهة مع إسرائيل آتية
الانقسام في الخطاب التركي حول جنوب سوريا يعكس ارتباك أنقرة بين طموحاتها الإقليمية وقيودها في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

يحظى الوضع في جنوب سوريا باهتمام متزايد في تركيا، باعتبار الأخيرة «الراعي الرسمي والعملي» للنظام الجديد في دمشق. وإذ مثّلت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على العاصمة السورية تحدّياً كبيراً لحكومة أحمد الشرع، فهي كانت كذلك أيضاً بالنسبة إلى أنقرة، التي وجدت نفسها مكبّلة اليدَين، في وقت تحاذر فيه الاصطدام بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وإغضابه، في ما لو اتّخذت أيّ موقف حادّ يتعلّق بإسرائيل، رغم إعلان الناطق باسم وزارة الدفاع التركية استعداد بلاده لدعم القدرات الدفاعية لسوريا، في حال استدعى الأمر.
أما على مستوى الإعلام التركي، فتباينت الآراء حتى في أوساط المحللين المنتمين إلى لون واحد؛ وقرأت صحيفة «حرييات» الموالية في حديث الناطق باسم «الدفاع» إشارة إلى أن استقرار سوريا يمثل خطاً أحمر بالنسبة إلى تركيا، التي «ستقف في وجه محاولات إسرائيل تخريب الوضع الداخلي». كما إنه يعني، وفقاً للصحيفة، «الدفاع عن وحدة أراضي سوريا»، خصوصاً وأن مسألة «قسد» لا تخصّ سوريا فقط. وبالتالي، فإن «دعم تركيا لسوريا يعني أولوية الدفاع عن أمن تركيا».
واعتبر الكاتب الموالي، عبد القادر سيلفي، بدوره، في الصحيفة نفسها، أن إسرائيل «تريد تقسيم سوريا إلى أربع دول، للدروز والعلويين والأكراد، وفي الوسط السنّة»، مذكّراً بأن ترامب كان قد أكد أن «مفتاح سوريا بيد تركيا»، وهو ما «أغضب إسرائيل التي تعمل الآن، عبر سوريا، على كسر تركيا».
وعدّد الكاتب بعض النقاط التي اعتبر أن أنقرة يجب أن تركّز عليها لمواجهة الوضع الحالي، وهي:
– دعم استقرار سوريا؛
– حماية وحدة الأراضي السورية
– توقّع اتّخاذ أميركا مبادرة حول سوريا
– دعم دمج «قسد» بالجيش السوري
– في حال فشل خيار الدمج، اللجوء إلى الخيار العسكري.
لكن الكاتب الموالي في صحيفة «يني شفق»، إبراهيم قره غول، ذهب إلى أبعد ممّا قالته «حرييات»، لافتاً إلى أن إسرائيل «تشكّل خطراً على سوريا كما على تركيا وإيران ولبنان ومصر. وهي تريد أن تكرّر الإبادة الجماعية في هذه الدول». ورأى أن «خطر إسرائيل لا يقتصر على الهجمات العسكرية، بل تجب دراسة خريطتها الذهنية واضطرابها الجيني ومرضها الأيديولوجي. وما دامت هذه الدولة موجودة على الخريطة الجغرافية، فلن تنتهي الحروب في المنطقة أبداً. وإذا كانت إسرائيل تضرب اليوم غزة وإيران ولبنان وسوريا، فغداً ستحتلّ سيناء وتقصف الأناضول وحتى إسطنبول.
لذا، على تركيا وكل دول المنطقة أن تفكّر بالغد بدلاً من الحاضر، واتّخاذ خطوات نحوه». ووصف الكاتب «انتفاضة الدروز» بأنها «هجوم إسرائيلي على سوريا. فعندما تَحرّك الدروز، تَحرّكت قوات قسد الكردية، علماً أنهما يخدمان الأجندة الإسرائيلية»، داعياً تركيا إلى أن تكون «في حالة تأهّب قصوى، وأن تتحضّر لمهاجمة إسرائيل داخل حدودها. فلا رادع إلّا القوّة. وعلى تركيا أيضاً إعلان إسرائيل «تهديداً ذا أولوية»، لأنه يجب ألا يكون لهذا الكيان وجود في قلب هذه المنطقة». وأضاف: «مقولة «الجغرافيا قدر» جعلتنا نخسر. يجب أن ننتقل إلى مرحلة الجغرافيا سلاح».
وفي صحيفة «قرار» المعارضة، كتب طه آقيول أن «إسرائيل مهتمّة بشدّة بالجغرافيا الاقتصادية والديموغرافية المذهبية والعرقية في الشرق الأوسط، وهي حوّلت هذا الاهتمام إلى إستراتيجية»، مذكّراً بتصريحات سابقة لوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، تعكس تركيز تل أبيب على «تحالف الأقليّات مع الدروز والأكراد»، ولافتاً إلى أن القيادي الكردي، صالح مسلم، قال إنهم «يستطيعون الحصول على دعم إسرائيلي».
«تصوير تركيا، إسرائيل على أنها خطر عليها، ليس وهماً، بل حقيقة»
كما إن معارضة «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي في تركيا، لبيان البرلمان الذي أعلن الوقوف إلى جانب الشعب السوري، عكست، وفقاً للكاتب، «اهتمام الأكراد بما بين النهرين، وليس بأمن تركيا». ومن هنا، اعتبر أنه «من الحكمة أن يبقى الشرع قريباً من الغرب وتركيا والعالم العربي، وإلّا كيف يمكن وقف الهجوم الإسرائيلي على سوريا؟ وبقدر ما يقترب الشرق الأوسط من السلام، تخسر إسرائيل ذرائع شنّها الحروب».
أما الكاتب الإسلامي المعروف، أحمد طاش غيتيرين، فأعرب عن اعتقاده بأن «تصوير تركيا، إسرائيل على أنها خطر عليها، ليس وهماً، بل حقيقة. فعندما ضربت إسرائيل إيران، كان دولت باهتشلي يقول إنها رسالة أيضاً إلى تركيا». وفي إجابته عن سؤال «ما العمل»، قال الكاتب إن الطريق «ما يزال مسدوداً». وتابع: «تركيا هي التي بادرت، بعلم من أميركا، إلى إسقاط الأسد وتنصيب الشرع. واستقرار سوريا بالتالي مهمّ لتركيا.
والسؤال: هل يمكن لتركيا أن تستبق التهديد الإسرائيلي بضرب إسرائيل؟ هذه أسئلة بالغة الخطورة، وأميركا تدرك ذلك». وانتهى إلى القول: «الآن تتقدّم إسرائيل خطوة بخطوة، بينما تلفت تركيا الانتباه إلى الخطر الإسرائيلي. والسؤال المطروح حالياً: إلى أيّ مدى ستذهب إسرائيل، وإلى متى ستصبر تركيا؟».
وفي «قرار» أيضاً، كتب يوسف ضيا جومرت: «عندما قلنا إن ما يجري في سوريا والمنطقة سابقاً هو الوضع الأسوأ، جاء الآن ما يفوقه سوءاً. وما كنّا نسمّيه الربيع العربي لم يكن سوى فوضى مدمّرة». ورأى الكاتب أن «وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا، كان يعني القضاء على نفوذ إيران وحزب الله هناك. كان حدث إسقاط الأسد بالنسبة إلى تركيا «انتصاراً رائعاً». أمّا في الجنوب، فكانت إسرائيل تدمّر القدرات العسكرية للجيش السوري وتوسّع احتلالها. كان انتصار الشرع والتوسّع الإسرائيلي يتقاطعان عند نقطة أنهما ضدّ إيران».
فلماذا تواصل إسرائيل ضرب سوريا التي أعربت عن قبولها التطبيع معها؟ السبب، بحسب الكاتب، هو أن «سوريا المشرذمة والضعيفة، أنسب لمصالح إسرائيل على المدى الطويل. وإسرائيل تعمل لتُشعر الأقليّات الدرزية والكردية أنها أقرب إليها من نظام الشرع، وتبقى بالتالي ممسكة بخيوط التأثير داخل سوريا. وإسرائيل أيضاً ترى أن احتمال نشوب صراع مستقبلي مع سوريا قائم ليس مع النظام الجديد الذي قدّم لها كلّ شيء، بل مع المجتمع السوري نفسه.
وهي تتّخذ احتياطاتها بالفعل لحسابات طويلة المدى». ووفقاً للصحيفة، فإن «الصراع في جنوب سوريا يُظهر كم أن خطوط الصدع في المجتمع السوري ما تزال عميقة. والهجمات الإسرائيلية، بذريعة حماية الدروز، تؤكد ذلك». ورأت أن «سوريا يجب أن تُحكم بنظام إداري مركزي، ولكن يجب إعطاء الأقليّات حكماً ذاتيّاً. رحيل الأسد ومجيء الشرع لا يعني نهاية الأزمة، بل هو نهاية مرحلة من الأزمة، وبداية مرحلة ثانية منها».