فلسطين

افتعال العقبات ثم التفاوض عليها: نتنياهو يمرّر الوقت

افتعال العقبات ثم التفاوض عليها: نتنياهو يمرّر الوقت

يفاوض الاحتلال على الخرائط لتكريس احتلاله لقطاع غزة، ويستخدم الوقت لتوسيع دمار غزة وتثبيت وقائع ميدانية، فيما تُستخدم المساعدات كسلاح حصار وتجويع.

يوسف فارس

غزة | يحكم مسار التقدّم البطيء والعرقلة المستمرة، مفاوضات صفقة تبادل الأسرى في قطاع غزة التي تستضيفها الدوحة، حيث يضع المفاوض الإسرائيلي عقبات من المفهوم أن المقاومة سترفضها، ويستهلك وقتاً كبيراً في تفكيكها للوصول إلى حل وسط يمكن قبوله. آخر القضايا التي استغرق حلها نحو 10 أيام، كانت خريطة إعادة التموضع. ووفقاً لمصدر مطّلع على المفاوضات، أمضى الوفد الإسرائيلي بضعة أيام وهو يرفض أساساً تقديم خطوط وخرائط إعادة تموضع، فيما تمسّك المفاوض الفلسطيني بالتوافق على خرائط واضحة ومكتوبة. وبعد نحو أسبوع، قدّم الوفد الإسرائيلي خرائط تقضم 40% من مساحة القطاع، وبدأ في جولات ماراثونية للتفاوض حولها.

في المقابل، فإن المقاومة التي أكّدت تمسّكها بخريطة انسحاب 2 آذار الماضي، قدّمت تنازلات للوصول إلى صيغة توافق، أفضت وفق المصدر ذاته إلى تقليص عمق المنطقة العازلة إلى 1200 متر وأقل من ذلك في بعض المناطق، والانسحاب من محور «موراغ» إلى محور «فيلادلفيا».

ويوضح المصدر أن «المفاوض الإسرائيلي يضع عقبات وعراقيل، ثم يبدأ بالتفاوض عليها، في ما يشبه لعبة إدارة الوقت. هم يحدّدون مدة زمنية يجب استهلاكها لحل نقطة عالقة، ثم مدة أخرى لحل عقبة ثانية يستحدثونها بأنفسهم ثم يتراجعون عنها». ويتابع في حديثه إلى «الأخبار»، أن «فصائل المقاومة تسابق الوقت لتوقيع اتفاق، لكنّ الصيغ التي قدّمها الإسرائيليون للوسطاء مفخّخة، والتوقيع عليها بدون تمحيص وتحليل وتفكيك لكل بند فيها، كان كفيلاً باستدامة احتلال مساحة واسعة من أراضي قطاع غزة، بما يسمح للعدو بالمضي قدماً في مشروع مدينة الخيام في رفح، ويبقي ورقة المساعدات أداة ابتزاز بيد مصائد الموت الأميركية، ولا يعطي أي أفق لنهاية الحرب، أي إن الاحتلال يريد استرجاع أسراه من دون أي مقابل.

والأخطر من ذلك، أن ثمة ما يشير إلى أن ما يتم الاتفاق عليه في هذه الجولة، قد يبقى نقطة ارتكاز لوضع طويل المدى إذا ما أفضت هذه التهدئة إلى وقف مستدام وطويل الأمد للقتال. وبناءً عليه، تتنازل المقاومة بما لا يؤثّر على مستقبل القطاع في سبيل وقف المقتلة، وتتمسّك بقضايا قد تبدو استدامة الحرب أخفّ وطأة من القبول فيها».

أما عن السلوك الإسرائيلي والأميركي، فهو الإغراق في فيض من الأخبار المتفائلة التي تزعم تقديم مرونة وتنازلات، واتهام حركة «حماس» بالعناد والتعنت. ومن ذلك خمسة تصريحات أعلن فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في غضون أسبوعين «أننا نبلي بلاءً حسناً في ملف غزة… متجهون إلى صفقة»، وما قاله مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، آدم بولر، من أن «حماس تبدي مقاومة وتضع العقبات في طريق التوصل لصفقة»، وتصريحات متكرّرة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قال فيها «إننا أقرب إلى الصفقة من أي وقت مضى».

أما رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فقد كرّر «أننا نتجه إلى صفقة 60 يوماً». وإلى جانب ذلك، ثمة إغراق في وسائل الإعلام العبرية عن المدى الذي وصلت إليه المفاوضات، وما يحيط بهذه الصفقة من حسابات سياسية داخلية ومواقف الائتلاف الحكومي منها.

فصائل المقاومة تسابق الوقت لتوقيع اتفاق، لكنّ الصيغ التي قدّمها الإسرائيليون للوسطاء مفخّخة

في المحصّلة، ثمة إجماع على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي على أن ثمة قراراً أميركياً بإبرام صفقة تبادل، هي جزء من صفقة دولية كبرى ذات صلة بـ»اتفاقات أبراهام»، غير أن موعد عقد هذه الصفقة يجب أن يراعي حساسية المشهد الداخلي الإسرائيلي المتعلّق بمستقبل نتنياهو والائتلاف الحكومي المهدّد بالتفكّك. لذا، فإن نتنياهو يدير من خلال مفاوضات صفقة التبادل الوقت، للوصول إلى عطلة الكنيست في نهاية الشهر الحالي، والتي تعطي حكومته هامشاً من الأمان لـ3 أشهر.

وحتى ذلك الحين، يسابق جيش الاحتلال الوقت في تدمير أكبر قدر ممكن من الكتلة العمرانية في القطاع، حيث يُحكم سيطرته بالنار على نحو 60% من القطاع الشرقي من قطاع غزة، وتشهد مخيمات وأحياء مدينة بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا البلد وتل الزعتر والتفاح والشجاعية والزيتون في شمال وادي غزة، عمليات تدمير ونسف يومية طاولت عشرات الآلاف من المنازل.

ووفقاً لشهود عيان استطاعوا الوصول إلى جباليا البلد، فإن ما يحدث في تلك المنطقة، هو استنساخ لنموذج التدمير الذي طاول مدينة رفح ومخيم جباليا، أي إن الدمار مسح معالم المنطقة وحوّلها إلى تلال كبرى من الركام. أما في جنوب وادي غزة، فالمشهد ذاته يتكرّر في مدينة خانيونس التي يسيطر العدو على 80% من المساحة العمرانية فيها، ويعمل بشكل يومي على تدمير المئات من منازلها عن طريق النسف والآليات الثقيلة التي يعمل عليها موظفون مدنيون.

هذه الكتلة العمرانية الهائلة التي تتعرّض للمحو عن الخريطة، ستُحدث تغييراً ديموغرافياً حاداً في القطاع، وتنقل الكتلة السكانية الأكبر من المناطق الشرقية لغزة المحاذية للشريط الحدودي الفاصل إلى غرب القطاع، ما يراعي الهواجس الأمنية لمستوطني غلاف غزة، ويعطي الاحتلال مساحة للمناورة في آلية إعادة الإعمار ضمن الضوابط الأمنية.

هذا على افتراض فشل خطة التهجير كلياً، والتي عاد الحديث عنها مع كشف موقع «أكسيوس» الأميركي أن رئيس «الموساد» الإسرائيلي، ديفيد برنياع، زار أخيراً الولايات المتحدة وطلب من الإدارة التدخّل لإقناع بعض الدول باستقبال مئات الآلاف من الغزيين. وتلك الدول هي إثيوبيا وإندونيسيا وليبيا، ما يعني أن مخطط التهجير لا يزال مطروحاً على الطاولة، وإن بدت فرص تحقيقه تحتاج إلى طول نفس.

وفي الميدان، تتواصل جريمة الإبادة الجماعية، حيث تسجّل مستشفيات قطاع غزة استشهاد ما متوسطه 100 مواطن يومياً، يقضون في عمليات استهداف للمنازل المأهولة وتجمّعات المواطنين ومنتظري المساعدات الإنسانية. ويضاف إلى الموت قصفاً، تفشّي المجاعة على نحو أكثر حدّة في القطاع، خصوصاً بعدما فشلت مساعي الاتحاد الأوروبي في إدخال شاحنة واحدة من المساعدات، وقوّضت إسرائيل مشروع قرار العقوبات عليها من داخل دول الاتحاد.

منذ ذلك الحين، منع جيش الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية، وأغلقت مراكز توزيع المساعدات أبوابها، ما تسبّب بفقدان الطحين وكل المواد الأساسية من الأسواق، في حين وصل سعر كيلو الطحين إلى 60 دولاراً، وارتفع سعر شوال الطحين إلى 3000 دولار. وولّد ذلك موجة من الفوضى والاقتتال، وأدّى إلى خروج مسيرات عفوية غاضبة في شوارع شمال غزة، أغلقت المحالّ التجارية وهاجمت بائعي الطحين.

هذه الأوضاع، وصفتها «وكالة الغوث» بأنها «ما وراء الكارثة»، وقال المتحدّث باسم الوكالة، عدنان أبو حسنة: «نحن نعيش مرحلة ما بعد الكارثة، حيث يعاني مئات الآلاف من الجوع والمرض وسط انهيار الخدمات. نرفض المؤسسة الجديدة التي فشلت في مواجهة المجاعة وتُستخدم لتحقيق أهداف سياسية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب