حول ذريعة “محاربة الإرهاب”…

حول ذريعة “محاربة الإرهاب”…
بذريعة مكافحة الإرهاب حُكم على أكثر من 2450 مصريًا بالإعدام، نُفذ منها المئات، ويُقدّر عدد السجناء السياسيين والذين تحت التحقيق بحوالي 120 ألف مصري، أكثرها في السنوات الأولى لحكم السيسي…
“محاربة الإرهاب” تعبير فضفاض ومبتذل، أصبح العملة الأكثر رواجًا في سوق السّياسة. أميركا تحدّد التعابير والتّعريفات السّياسية، وعلى جميع من يدورون في فلكها اتّباعها. ولكي تحظى برضى أميركا والّذين يحرّكون السّياسة الأميركية، عليك أن تدخل تحت مظلّة “محاربة الإرهاب”.
يتربّع على رأس قائمة الإرهاب والإرهابيين أولئك الذين يقاومون الاحتلال، سواء كان إسرائيليًا أو أميركيًا أو إنجليزيًّا أو غيره، فمن يقاوم احتلالًا أو نظامًا قمعيًا يصبح إرهابيًا بالضرورة.
تمتد ذريعة محاربة الإرهاب وتتشعّب لتطال داعمي الإرهاب والمتماثلين مع الإرهاب، وحتى الحاضنة الشعبية التي ينمو فيها “الإرهاب”، فيُعاقب الناس عقوبات جماعية وتُهدم مدنهم ويُجرى حصارهم وتجويعهم.
إلصاق صفة الإرهاب بالمقاومين ليس جديدًا. بريطانيا وصفت الثوار العرب عام 1936 بالمخرّبين، والخارجين عن القانون، مجرمين، عصابات، وأعدمت العشرات منهم في محاكمات صوريّة.
في العام 1919 أصدرت بريطانيا قانونًا باعتقال أيّ معارض هندي بذريعة محاربة الإرهاب من دون محاكمة. حتى غاندي، الذي قاد العصيان المدني السّلمي، لم يسلم من وصفه بـ”المحرّض على العصيان”.
الولايات المتحدة وصفت حركات التّحرر في أنغولا والكونغو في ستينيات القرن الماضي بالإرهاب.
أميركا وصفت منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها بأنّها منظمة إرهابية، رغم أنّها كانت عضوًا مراقبًا في هيئة الأمم المتحدة.
في العام 1997 أدرجت أميركا حركة حماس وحزب الله في قائمة الإرهاب.
بعد أحداث التوأمين 2001 صرّح الرئيس جورج بوش الابن “من ليس معنا فهو ضدّنا ومع الإرهاب”.
جرى غزو العراق عام 2003 بذريعة أنّ صدّام حسين يدعم الإرهاب.
عام 2006 شنّت إسرائيل حربًا على لبنان بذريعة محاربة حزب الله الإرهابي، رغم أنّ الحزب كان جزءًا من الحكومة اللبنانية.
في العام 2012 صرّح الرئيس المخلوع بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية “إنّ ما يجري هو مؤامرة إرهابية ضدّ الدولة السّورية”.
في العام 2013 أعلن الجنرال السّيسي عن حركة الإخوان المسلمين في مصر حركة إرهابية، وذلك لتثبيت حركته الانقلابية ضدّ الرئيس الشّرعي المنتخب محمد مرسي.
بذريعة مكافحة الإرهاب حُكم على أكثر من 2450 مصريًا بالإعدام، نُفذ منها المئات، ويُقدّر عدد السجناء السياسيين والذين تحت التحقيق بحوالي 120 ألف مصري، أكثرها في السنوات الأولى لحكم السيسي.
بذريعة محاربة الإرهاب شاركت مصر في حصار قطاع غزّة، ومنذ تسلّم السيسي للحكم ازداد الحصار شراسة، وجرى تشديده أكثر منذ أكتوبر 2023.
شاحنات المساعدات الأممية تتوقّف عند معبر رفح ولا تستطيع الدّخول، وحتى بعد دفع “خاوة” لشركات مصرية، بينما إعلام السّيسي يسوّق بأنّه يدخل المساعدات لأهل قطاع غزّة المحاصرين لامتصاص غضب الشّعب المصري.
بينما زعم الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية أنّ مصر هي التي تُغلق المعبر وليس الاحتلال، ما يؤكّد التنسيق بين الجانبين على تشديد الحصار.
ذريعة الإرهاب والإخوان ودعم الجهات الخارجية جاهزة لتبرير الهجوم على كلّ من يُعارض النظام أو يطالبه بموقف حازم لإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.
باسم محاربة الإرهاب، منع نظام السيسي ظهور قوى وحراكًا شعبيًا مصريًا ضاغطًا على متّخذي القرار في دولة الاحتلال وفي أوروبا وغيرها. نظام السيسي أرسل رسالة مُحبِطة إلى الشعب المحاصَر في قطاع غزّة، بل إنّه دعم موقف الاحتلال، عندما يتجنّب العمل والمشاركة في ملاحقة مجرمي الحرب بحسب القانون الدولي.
في الوقت الذي استُشهد فيه أكثر من 18 ألف طفل في قطاع غزّة، فإنّ نظام السيسي لم يرَ في هذا إرهابًا، ويتحدّث عن هذا بحذر ولطفٍ وعلى حياء، يقول “إنّ ما يجري غير مقبول”؟! وإنّ هذا لا يخدم السّلام، ويُهدّد استقرار المنطقة.
ادّعاءات الإعلام المصري بأنّ مصر مستهدفة وأنّ هناك من يريد جرّها إلى حرب لتدمير قدرات الجيش المصري، ووقف نموّها، ليست سوى ذريعة لمواصلة التواطؤ. العكس صحيح، فحكومة الفاشيين في إسرائيل تُقدّر نظام السّيسي جدًا على خدماته، ولكنّها تطالبه بالمزيد.
ما يجري في هذه الأيام من طرق لأبواب السّفارات المصريّة وإغلاقها في عدد من العواصم الأوروبية هو خطوة مهمّة ووسيلة ضغط على النّظام المصري لكفّه عن التّواطؤ المُعلن مع الاحتلال، ولفتح أعين الشّعب المصري على حقيقة ما يُمارسه النّظام من تضليل. الشّعب المصري لا يمكن أن يقبل بأن يُسجّل في تاريخه بأنّ شعب غزّة مات جوعًا بينما الجارة مصر، تقفُ من خلف الجدار لا تسمع ولا ترى ما الذي يجري كأنّه في بلد بعيد.