الشيباني في موسكو ولقاء سوري – إسرائيلي جديد: روسيا تشارك في «هندسة الجنوب»

الشيباني في موسكو ولقاء سوري – إسرائيلي جديد: روسيا تشارك في «هندسة الجنوب»
موسكو تتحرّك لإعادة إمساك خيوط الملف السوري من بوابة الجنوب، عبر استضافة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قبل لقاء يجريه الأخير في باكو مع وفد إسرائيلي، سعياً للوصول إلى اتفاق أمني حول الجنوب بوساطة أميركية ـ فرنسية.

على عجالة، ومن دون إعلان أو ترتيبات مسبقة معلنة، يصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، اليوم، إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف، قبل أن يسافر إلى آذربيجان للمشاركة في لقاء هو الثاني من نوعه مع وفد إسرائيلي، يستهدف استكمال الاتفاق على أوضاع الجنوب السوري، وبشكل خاص السويداء. وتأتي الزيارة التي تعتبر الأولى من نوعها لمسؤول في الإدارة الجديدة إلى موسكو، بعد مرحلة فتور بين الجانبين ابتعد خلالها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن أي تنسيق فعّال مع روسيا، وإن حافظ على خطوط التواصل معها، عبر لقاءات بين وقت وآخر، واتصالات هاتفية.
وبينما لم تحدّد موسكو أو دمشق أهداف الزيارة، التي أكّدت المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أنها ستشمل لقاء بين الشيباني ولافروف «لمناقشة القضايا الراهنة على جدول الأعمال الثنائي، والقضايا الدولية والإقليمية»، تأتي هذه الزيارة بعد ثلاثة أيام على الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وناقش عبره الطرفان جملة من الملفات على رأسها الملف النووي الإيراني والأوضاع في سوريا. وبحسب بيان نشره الكرملين، شدّد بوتين لنتنياهو على «أهمية الحفاظ على سيادة سوريا وتعزيز الاستقرار السياسي الداخلي فيها».
وممّا يعزّز صدارة ملف الجنوب السوري والدور الروسي المتوقّع فيه، الإعلان اللاحق عن لقاء بين وفدَين سوري وإسرائيلي بحضور الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، تستضيفه باكو اليوم أيضاً، ويعدّ الثاني من نوعه بعد ذلك الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس الأسبوع الماضي. كما يعتبر هذا الاجتماع الثاني، المعلن، الذي تستضيفه آذربيجان، بعد الأول الذي تمّ في الثاني عشر من تموز الحالي، على هامش زيارة كان يجريها الشرع إلى البلد المذكور، وذكرت وسائل إعلام أنّ الشيباني حضره.
وتملك روسيا، التي خفّضت من حضورها السياسي في الملف السوري عقب سقوط النظام السابق، خبرة كبيرة في سوريا، بعد أن أدّت دوراً بارزاً في عام 2018 في بلورة اتفاق قضى باستعادة النظام حينها السيطرة على الجنوب. ومن شأن ذلك ربما أن يعطي دفعاً للمفاوضات الجارية، خصوصاً أنّ موسكو اتّخذت، عبر المنابر السياسية بما فيها مجلس الأمن، موقفاً رافضاً للهجمات الإسرائيلية على سوريا.
تأمل واشنطن أن تمهّد المفاوضات الجارية الطريق لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب
والجدير ذكره، هنا، أنّ اللقاء السابق الذي استضافته باريس، وحضره المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، لم يخرج بنتائج نهائية، رغم استمراره مدّة أربع ساعات؛ إذ تسرّبت عنه جملة من الاتفاقات المبدئية حول ملف السويداء، تعتبر جميعها تنفيذاً للشروط الإسرائيلية، بما فيها تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح، وخروج جميع القوات التابعة للإدارة الجديدة أو المرتبطة بها من السويداء، وفتح معابر إنسانية، وتسليم المحافظة للفصائل الدرزية الموجودة فيها لإدارتها، في ما يشبه منحها حكماً ذاتياً.
على أنّ المفاوضات التي تجري برعاية ودفع أميركيَّين وفرنسيَّين، تهدف في محصّلتها إلى الوصول إلى اتفاق أمني شامل، تأمل واشنطن أن يمهّد الطريق لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب، بعدما أعلنت الأخيرة وقف العمل بالاتفاقية الأمنية مع سوريا لعام 1974، وقامت على إثر ذلك باحتلال مناطق واسعة من الجنوب السوري، بما فيها قمة جبل الشيخ، ومناطق إستراتيجية في ريف درعا، بالإضافة إلى منابع المياه العذبة جنوبي البلاد. كذلك، وسّعت إسرائيل من دائرة حضورها في الملف السوري من بوابة «حماية الدروز»، الأمر الذي وفّر لها ذريعة للتدخّل في الأحداث التي عاشتها السويداء أخيراً، حيث حاولت الإدارة استثمار خلاف داخلي في المحافظة لفرض سيطرتها بالقوة عليها، وهو ما منعت إسرائيل حدوثه.
وبينما يمثّل ملف الجنوب بوابة مناسبة لاستعادة العلاقات بين روسيا، الحليف الأبرز للنظام السابق، والإدارة الجديدة، يبدو أنّ موسكو تهدف من هذه العلاقة إلى تأمين قواعدها العسكرية في سوريا (قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية)، بالإضافة إلى تحقيق جملة من المصالح الاقتصادية، عبر مغريات عديدة من بينها شطب بعض الديون السورية، والمساهمة في إعادة الإعمار. وأشارت مبكراً إلى هذا الهدف الزيارة التي أجراها، مطلع العام الحالي، المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ميخائيل بوغدانوف (قبل أن يتم إعفاؤه من منصبه لاحقاً)، إلى دمشق، حيث أجرى لقاءات مع مسؤولين في الإدارة الجديدة، ووجّه دعوة للشيباني لزيارة موسكو.