مقالات

وفاة عبد الناصر وحرب أفغانستان وغزو الكويت!

وفاة عبد الناصر وحرب أفغانستان وغزو الكويت!

بكر أبوبكر

بمناسبة مرور 35 عامًا على غزو دولة الكويت تتداعى الصور والذكريات، كما تتلاشى أحلام كثيرة وآمال وضعت على سماء واحدة تظلّل الأمة العربية، فماذا حصل؟

بعد الحرب الأوربية الثانية (1939-1945م) تقاسمت دول الاستخراب (الاستعمار) الأوربي العالم العربي بعد وعود زائفة بالاستقلال، وأتقنت الكذب وفن الدسيسة والتخريب والتأليب، وقسّمت الأمة، ومنحت دولة فلسطين (قلب الأمة) الحزين للمهاجرين الأوربيين من يهود أوربا، وغيرهم ما جعل مسمار جحا الأوربي قائمًا حتى اليوم.

رغم ما سبق انتعشت آمال الأمة العربية (الناشئة) إثر نمو وتصاعد المدّ القومي حين تجاور (الفلسطيني والسوري والعراقي والكويتي والمصري والأردني…الخ) لتتشكل الحركات القومية والتي صعدت بقوة إثر ثورة جمال عبدالناصر الذي حقّق التأثير الثقافي والنفسي والفكري والاقتصادي والحضاري بضرورة وحدة الأمة وتضامنها وتكاتفها، فكانت صُوَره بكل بيت من المحيط الى الخليج تنازع الرؤساء الوطنيين مكانتهم، ومبرّر حسدهم.

تقاتلت قوى الشيوعية والقومية الشوفينية والاسلاموية الإقصائية على صدر الأمة وقلبها، فسقطت الثلاثة تباعًا. ولم يبقَ الا الدروس والعِبَر التي من المتوجب اليوم أن يدرسها المفكرون والساسة والمحللون وأصحاب الرياسة إن وجدت النية والإرادة لتحقيق التضامن العربي الذي مازال لواؤه معقودًا في القاهرة من خلال جامعة الدول العربية (تأسست الجامعة عام 1945م، ليس ببعيد عن جذور نشأة الاتحاد الاوربي عام 1951م) ولو نظريًا أو شكليًا.

هناك عديد الأسباب التي قلبت الطاولة والمِزاج العام وجعلت من فكرة التضامن العربي أضحوكة، كما جعلت من كلمة (الأمة العربية) ممجوجة ومذمومة! ومنها قوة العقل والعمل الاستعماري (البريطاني ثم الأمريكي وفي قلبه الإسرائيلي) وتغلغله في بنية المجتمع وفي رؤوس السياسيين والمثقفين والكُتّاب والاعلاميين المأسورين للغرب، والمجتمعات المفتونة بالأجنبي ولغته ومسار قيمه الشاذة التي لا تمثلنا، عوضًا عن عديد الانحرافات الفكرية والقيم الاستهلاكية الاستنزافية التي تنامت حتى قتلت كل قيمة سواء إسلامية جامعة أوعربية تضامنية أو وطنية قابلة للجوار الحسن.

هزائم الأمة المادية والنفسية في مواجهة الصهيوني وضياع فلسطين، وصراعاتها بين شرق وغرب، وافتقاد زعمائها للحد الأدنى من تقديم المصلحة العامة على مصلحة العروش والكراسي والكروش، من الأسباب كما تأثيرات الأحزاب التي ارتبطت شرقًا أو غربًا أو افترضت بذاتها القداسة أو الطهورية فتقسمت الأمة بين إسلامي (وكل الناس مسلمون، حتى مسيحيونا حضاريًا منا) وبين عربي (والعربية لسان وثقافة وحضارة وعيش تاريخي مشترك للامازيغي والكوردي والعربي…) وبين وطنيات ارتبطت بأحزاب كاذبة أو امبراطوريات محلية أتقنت التقوقع نحو الذات والتفتت، وأذكت نار الاقليمية التنابذية، وليس الوطنية المنفتحة فتاهت الأمة وذبُل مصطلح الأمة العربية فقام (الشرق الأوسط) ليمثل الاحتضان المشرعن للوجود الغريب منذ نشأ المصطلح.

لقد كان صعود رؤساء (البعث بشقيه، وفي السودان وليبيا كنماذج…) بالمشرق العربي ومغربه مَن جعَل الوحدة في شخوصهم رمزًا للسطوة والتسلط والشذوذ فارعبوا جيرانهم، وسقطوا وسقطت معهم الفكرة، وتم إعدام الشرفاء، وتعملق المتغرّبون (المفتونون بالغرب).

أن الأمر يحتاج دراسة طويلة لكنني الى ما سبق سأركز على ثلاثة أراها صاخبة أدت لانفجار الأمة وضياع (تضامنها)-ما أثارته ذكرى غزو الكويت- وربما لأمد طويل ، منها وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، وهو الذي بعهده -رغم عديد السقطات- استطاع توحيد الأمة فكريا ونفسيًا وثقافيًا وجماهيريًا بحيث لم يستطع أحد أن يحيد عن ذلك، وبوفاته برزت التهكمات والشتائم واللعنات (المنظمة والمجدولة والمبرمجة…) ضد كل عامل وحدة مهما كان وضد أمثال: الشيخ زايد والأمير عبدالله بن الصباح والملك فيصل بن عبدالعزيز، وعبدالسلام عارف، وعبدالكريم الخطابي، وهواري بومدين،  ….) من الوحدويين الأشهر فانقطع ذكرهم إلا في معرض الضيق وليس الاتساع الذي يشمل كل الأمة.

كان جمال عبدالناصر القادر على جمع جناحي الأمة (أسميتها عربية، أم حضارية مشتركة، أم أمة الوسط، أم غير ذلك) فهو كان القادر رغم طعنات الاسلامويين والشيوعيين ضده لا يكلون حتى اليوم، ولذا كان موته المفاجيء يوم فرحة للشامتين الشتامين! كما لأعداء هذه الأمة ممن أقروا منذ موتمر لندن عام 1840 صدّ نهضة الأمة، وتدمير البلاد والعباد واختطاف فلسطين، وماكان لاحقًا من تسليم الراية للسلطان والطاغوت الأمريكي المتجبّر.

قد أشير للعامل الثاني وهو ما بين الأعوام (1978-1980م) وهي السنوات السوداء التي أعادت تشكيل المنطقة حيث تكالبت عوامل التطرف والتعصب والغلُوّ لتأخذ بتلابيب الأمة فتفتح مساحة شاسعة للفكر الغربي التدميري أن يتغلغل بالأنظمة العربية ثم شعوبها باعتباره “المهدي المنتظر” ونار الحضارة التي لا تنطفيْ! وإذ ذاك كانت جريمة جهيمان بالحرم المكي، وكانت الثورة الإيرانية وعقلية تصدير الثورة الشيعية الاثنى عشرية الجعفرية، وكان احتلال أفغانستان والاندماج العربي-الامريكي في دعم الأفغان (انتصارًا للاسلام!) وما هي الا حروب شرق غرب، وما نتج عنها لاحقًا من انتشار التطرف الإسلاموي ذو الجذور “الاخوانية” أو “السلفية القتالية”، ومعهم تيارات المراهقين السياسيين (من يهتمون بالقشور والمظاهر لا الجوهر والمباديء والقيم) حتى اليوم.

أما العامل الثالث فكان احتلال دولة الكويت (2/8/1990م) إذ وقف مفهوم (الوحدة العربية) أو (التضامن العربي) حائرًا على مفترق طرق ما بين فكرة القسر والقوة (الوحدة الألمانية، الوحدة الإيطالية)، وما بين الحوار والتشاركية (نموذج وحدة مصر-سوريا) فسقطت كل النماذج، وصعد الأمريكي المتغطرس حاملًا سيف الصهيوني الباطش بالامة، وليبرز مفهوم الوحدة الأوربية (بدأت عام 1951 وتكللت بالنجاح عام 1993م) عاملًا صادمًا لكل أدعياء الوحدة بالقوة والعنف.

في هذه الذكرى المشؤومة لمقتل فكرة التضامن العربي باحتلال دولة الكويت، نرجو من الله أن يعتبر قادة هذه الأمة ولا ينزلقوا أكثر فأكثر تحت أقدام الوحش ورِجس نزقهم.  https://bakerabubaker.net/

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب