مقالات

الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين

الوثيقة الختامية لمؤتمر حل الدولتين

د. كاظم ناصر
أنهى مؤتمر الأمم المتحدة حول " التسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين " الذي شاركت فيه 123 دولة وست منظمات إقليمية
والذي عقد بمدينة نيويورك أعماله يوم الثلاثاء 30/7/ 2025 وأصدر وثيقة تاريخية تضمنت 42 بندا أعلنت فيها الدول الموقعة عن
توافقها على إنهاء الحرب في غزة وتحقيق تسوية دائمة للصراع من خلال حل الدولتين، وأدانت جميع الهجمات على المدنيين، ورفضت
أخذ الرهائن وأي إجراءات تؤدي إلى تغييرات إقليمية أو ديموغرافية، وأدانت هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023 والهجمات
الإسرائيلية على غزة، وأكدت أن الحرب والاحتلال والإرهاب والتهجير القسري لا يمكن أن تحقق السلام والأمن، واتفقت على تحقيق
السلام ضمن عملية محدودة زمنيا لإبرام وتنفيذ اتفاقية سلام شاملة بين فلسطين وإسرائيل استنادا لقرارات الأمم المتحدة، وأكدت أن غزة
جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وأن يكون الحكم فيها بيد السلطة الفلسطينية، ودعت إلى إنهاء حكم حماس وتسليم سلاحها لها.
لا يمكن إنكار الزخم السياسي والإعلامي الذي حظي به المؤتمر، لكن التقديرات حول نتائجه تباينت بين مؤيد ومعارض؛ فقد رحبت
السلطة الوطنية الفلسطينية والدول العربية بنتائجه واعتبرته خطوة في الطرق الصحيح للتوصل لحل سلمي دائم للصراع، واعتبرته العديد
من دول العالم كبداية تحول في الموقف من الصراع وتبنيا للسردية الفلسطينية على حساب الرواية الإسرائيلية التضليلية.
وفي المقابل قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التي تعتمد على انحياز إدارة ترامب الكامل العسكري والاقتصادي والسياسي
غير المسبوق لها المؤتمر ورفضت الوثيقة التي أصدرها، وحاولت تخفيف أهميتها بتقييمها كمجرد مكسب معنوي يفتقر الى القيمة
العملية، لكنها اعتبرت الانتقادات العالمية ضدها خطيرة، وإن الاعتراف الدولي الواسع بالدولة الفلسطينية حتى لو كانت قيمته العملية
ضئيلة، يشكل فشلا استراتيجيا لها، وشنت هجوما على فرنسا والمملكة المتحدة وكندا ومالطا التي أعلنت انها ستعترف بدولة فلسطين
خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر القادم.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الدول التي تبنت الوثيقة بلغ عشرين دولة ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد كثيرا من هذا التاريخ ولغاية
انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر القادم، والدعم الذي أظهرته شعوب العالم للفلسطينيين بعد اكتشاف معظمها حقيقة
إسرائيل كدولة احتلال تنتهك القوانين الدولية والقيم الأخلاقية الإنسانية بتعاملها مع الشعب الفلسطيني، يمكننا القول بأن نتائج المؤتمر
كانت ضد إسرائيل وحامينها الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل ستتمكن دول العالم من لجم إسرائيل وإرغامها على قبول دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة
قابلة للحياة؟ ليس من المتوقع ان يحدث ذلك لأسباب عديدة من أهمها أن الوثيقة التي أصدرها المؤتمر لا تحتوي على خارطة طريق
واضحة محددة تنفيذية لتطبيق الأفكار التي تضمنتها كوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، أو اتخاذ إجراءات حقيقية رادعة ضد
سرقة الأراضي في الضفة الغربية والاستيطان وعنف المستوطنين، واعتبرت المقاومة الفلسطينية إرهاب، وطالبت بنزع سلاح حماس،
وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح والأمن فيها بيد إسرائيل.
أضف إلى ذلك أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية أخرى ستعرقل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ أولها هو الانبطاح والانهزام والاستسلام
الرسمي والشعبي العربي. فبعد مرور 23 شهرا على الاعتداء الإسرائيلي المتواصل على غزة واستشهاد وجرح ما يزيد عن 200 ألف
فلسطيني لم تحرك الأنظمة العربية ساكنا واستمرت في استجداء المجتمع الدولي لوقف الحرب، وفشلت حتى في تقديم الغذاء للفلسطينيين
الذين يموتون جوعا، وطوقت الشعوب العربية المقهورة المهزومة التي تعودت على الذل والانبطاح وطاعة حكامها الذين يصادرون
إرادتها ويجلدونها على مدار الساعة، ومنعوها حتى من إظهار تعاطفها الرمزي مع الفلسطينيين بالتظاهر ورفع العلم الفلسطيني في
الأماكن العامة.
وثانيها هو أن نجاح دولة الاحتلال في تدمير غزة واضعاف المقاومة وضرب حواضنها زادها غرورا وثقة بالنفس وقناعة بأنها الأقوى
في المنطقة القادرة على مهاجمة وضرب من تشاء وإذلال من تشاء من العرب، واحتلال أجزاء جديدة من أقطارهم بسهولة غير مسبوقة
وبدون ردود فعل رسمية وشعبية.

وثالثها هو أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لابد أن يمر عبر مجلس الأمن الدولي وإن الولايات المتحدة الأمريكية ستستخدم حق النقض "
الفيتو " لإفشاله. ولهذا وفي ظل هذه الظروف المأساوية لا يمكن إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية كما يطالب
العرب، وإن ما يمكن الحصول هو دولة مسخ منزوعة السيادة، تتحكم دولة الاحتلال بحدودها واقتصادها وأمنها ومصيرها وتعيد احتلاها
متى تشاء وفقا للمخطط التوسعي الصهيوني!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب